أحياناً لايتطابق تفسير الألوان وتدرجاته وفق علم الفن التشكيلي مع معرفتنا، إذ أن الأبيض مثلا ليس لوناً، بل هو حياد وضعف وسكينة، وهو أيضا لون المستشفيات ورمز الموت، أما الأسود فهو لون السلطة والقوة والوقار، ويرتبط بالخوف والغضب والحزن والثورات، وفي الوقت الذي تلبس فيه العروس التقليدية عندنا ثوباً أبيض علامة الطهر، فان العروس الهندية تتزين بثوب أحمر، أما في جزيرة (جاوة) فإنها تصبغ أسنانها بالأسود..! وهي فروق كبيرة تماما كالفرق بين الكذب الأبيض والأسود، ومابينهما من درجات لونية تتجاوز أحياناً ألوان الطيف السبعة، ولكن التقسيم الاخلاقي لايعترف إلا بالأقصى من كل شيء ويغض النظر عن باقي الألوان، فالكذب الأبيض مجرد (طبطبة) يد حانية على الكتف، وله ضرورته الحتمية للتخلص في لحظة( الزنقة) من الإحراج، فيما يعتبر الكذب الأسود شرير بفك مفترس، وهو يؤدي مهمات غير نزيهة بالمرة، لتحقيق المصالح مهما كان الثمن. قياسا لهذا بذاك تتنوع أيضاً درجات الضحك تبعاً لأسبابه، فهناك الابتسامة الزرقاء الفاتنة، والصفراء المتشفية، والرمادية المجاملة، والبيضاء الصافية، والبلهاء التي لا أعرف لونها، لكني أعرف أن الطفل الرضيع يبتسم مغمض العينين دون سبب محدد، هذه القابلية الفريدة تتناقص مع مرور الزمن ومع تخشب عضلات الفك، فكلما تقدم بنا العمر قلت فرصنا مع الضحك بأشكاله، ابتداء من الابتسامة وحتى القهقهة، ويتضح هذا في عجز أقلامنا العربية على تقديم كتابة ساخرة تتناسب على الأقل مع ماتقدمه من وجبات النكد اليومية، ولعل برنارد شو هو أشهر من أطلق الفكاهات اللاذعة التي مازالت متداولة حتى الآن، ومن كتابنا العرب هناك الراحل محمد الماغوط الذي أزعج بمقالاته الساسة، ودفع ثمن روحه الساخرة تلك ملاحقات قانونية وأحكاما بالسجن، فتحت عنوان «طارت اسرائيل» قال الماغوط: «ان دولة عربية جديدة «اسمها (هموم فلسطين) تستيقظ من عز النوم، لتقول وهي تتثاءب، ان فلسطين دولة عربية، ولا يمكن أن تحل أزمة الشرق الأوسط، من دون الأخذ بهذا الرأي، ثم وضعت يدها تحت رأسها، وتابعت النوم».ان السخرية تحتاج إلى قدر عال من الإدراك، وهي فلسفة تحتال على الواقع بإبر مسكنة لمقاومة اليأس، وتفريج الكرب، وتخفيف الذبحات الصدرية، وتعديل نسبة المرارة، فتُضحك القارئ لاحزنا ولافرحاً، ولكن «مذبوحاً من الألم».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق