ليلة الزفاف : أحلام تطير على إيقاع الزغاريد
............................................
في بداية الحياة الزوجية تصاب الفتاة التي تعتقد بأن الزواج فرصة أخرى للحرية بعيداً عن وصاية الأهل، وأنها كبرت مايكفي كي تتخذ قراراتها الشخصية، ابتداء من اختيارها لشريك حياتها، انتهاء بكل صغيرة وكبيرة بما فيها نوع الشامبو الذي تفضله للاستحمام، مادامت تستمتع بعش المستقبل الخاص بها.. لأن الحرية المنشودة تلك، تتحول مع الوقت إلى مجموعة طويلة من المسؤوليات، وكي لانتجاوز الواقع فإن هذه الخيبة تصيب الرجل والمرأة على حد سواء، ليتعودا مع الوقت على النظام الانضباطي الصارم لإيقاع الحياة.. وهذا الأمر ليس خافياً على أحد، فالكل يعرف أن الأحلام تختلف عن الواقع، ولايفصل بينها سوى ليلة الزفاف، وهنا يكمن سر الحب الذي يتدخل بكل هيبته وسلطته، ويقنع الطرفين بالتورط في الزواج، على رغم كل المحاذير والصعوبات، وهكذا تنتصر إرادة الحياة واستمراريتها، ويعقد القران ليخطف الفتاة من حضن أمها، ويسرق الشاب من عزوبيته، فيدخلان راضيين مرضيين قفص الزواج الذهبي، يضع كل منهما في بنصر يسراه خاتما يعلن ارتباطهما، ويبتسمان في وجه عدسات التصوير التي تسجل تلك اللحظات التاريخية، حين ترفع العروس ذيل ثوبها الدانتيلا الطويل، لتدخل عتبة دارها، محمولة بين ذراعي الشاب الوسيم الذي اختارته، أو مسحوبة من يدها يجرها الشاب الذي اختاره لها أهلها، والفرق بين الحالين واضح، بل يمكن ملاحظتها بقليل من التدقيق في ملامح وتصرفات العروسين، وهما يجلسان بكامل أناقتهما في ( الكوشة)، فملامح اللهفة تختلف كلياً عن ملامح الإقناع، ولذلك فإن النميمة التي تعقب حفلات الزفاف عادة ماتتواصل عدة أيام، في محاولات لتفسير كل صغيرة وكبيرة حدثت خلال السهرة العارمة.. وبالتالي يمكن معرفة سبب الخطوات المدروسة التي يُنصح بها العروسان ، وشطارة الالتزام الدقيق بها، فكلا العروسين تحت رقابة ورصد عشرات العيون، إضافة إلى كاميرا للفيديو لاتنسى شيئاًً، فهي تلتقط نظرات الخفر.. والوله.. والرغبة.. والدلال، وكل تلك المشاعر المتواطئة بين شخصين يحتفل بهما عدد غفير من الناس، ففي حفلات الزفاف لايسمح إلا بالفرح، وهو شعار يصر الجميع على تنفيذه..
نعم، ما من موضوع يمكن التكلم فيه أكثر لطفاً من موضوع الزفاف، ويجمع على هذا أغلب الناس، حتى أولئك الذين يختلفون حول مفهوم السعادة الزوجية، لكنهم يؤكدون أن من أجمل اللحظات التي يعيشها الإنسان، فتحفر في قلبه وذاكرته ولا يستطيع نسيانها، هي يوم زفافه، ولم أسمع قط عن شخص نسي ذلك اليوم بكل تفاصيله، بمن فيهم فاقدو الذاكرة أو المصابون بالزهايمر، وسواء كنت صاحب الزفاف أي أحد العروسين، أو كنت من قائمة المدعوين، أو من زمرة الأقرباء، أو من بقية الأقرباء، أو من الجيران، فإن جوا من البهجة الذي ينتقل بالعدوى سيحاصرك كلما علت الزغاريد التي تحدثها النساء بارتجافات اللسان داخل حلوقهن، وأمامها تصبح الكلمات عاجزة و بلا قيمة.. لكن حتى يومنا هذا مازلت أجهل السبب الذي يجعل الدموع تترقرق في عيني أم العروس، بينما تختفي تماماً من عيني أم العريس..!
يصعب حصر الدوافع التي تؤدي إلى رغبة الارتباط ضمن مؤسسة الزواج، لكن يبدو أن المرأة تولد وحلم الزواج يراود خيالها، ورغم كونه حلما وردياً كما يقال، سوى أن اللون الأبيض يطغى عليه، فلثوب الزفاف قدسيته وسحره، وبه تخرج الفتاة إلى الناس بشكلها الملائكي، لذلك فمهما كان مكلفاً، فالعروس تصر على ارتدائه لأجل يوم واحد ووحيد من العمر لايتكرر.. موديل الثوب والتسريحة ومكان الحفل وأسماء المدعويين وعددهم وبطاقات الدعوة ، كلها أمور تحضيرية تأخذ وقتها، بل وقد تتحول إلى صراعات بين الاقتراحات الكثيرة، والتي يصعب البت في أمرها بشكل نهائي، وبحيث ترضي جميع الأطراف، بمن فيهم عمة العروس التي تسكن في البرازيل، وربما لا تحب صوت المطرب الفلاني..! على الرغم من أن هذا يبدو مضحكا وسخيفا، لكنه قد يؤدي أحياناً إلى مشاكل يصعب تلافيها، ويصل بعضها إلى التراجع النهائي عن فكرة الزواج، وهكذا يتعثر الحب في حبوه الأول، وتنتصر الشكليات التي باتت تأخذ من اهتمامنا الكثير، على رغم ادعاءاتنا بعكس ذلك.. سوى انشغال الخطيبين بما يسمى التهيئة لليلة العمر، وكل مايحيط بها من أخذ ورد، ومباحثات تتعلق بالتنسيق والترتيب، تصبح لازمة وفعّالة حين تكون في حدودها البسيطة، كي تخفف توتر على كلا الطرفين، وغالبا مايبدو العريس متورطاً بتنفيذ رغبات فتاته، فهي عروس، ويحق للعروس مالا يحق لغيرها من النساء، ويفاجأ غالبا بأن ماتم الاتفاق عليه من أحلام بسيطة، لاتتجاوز البطاطا والخبزة والزيتونة، وزنده كبديل ساحر لوسادة ريش النعام، يتحول تدريجياً، أو دفعة واحدة إلى تجاوزات قد تفوق قدرته المالية، فالزواج الذي هو شكل من أشكال الشركات المساهمة، تلقي بثقلها وأثقالها على كتفيه وحده، لكن القفص الذهبي والنية المؤكدة بالسعادة، تزلزل المصاعب، كل ذلك يصبح في طي الذاكرة الجميلة، فمع انتفاخات البطن المتتالية للسيدة حرمه، والذهاب اليومي للعمل وكسب العيش، يخفت جبروت الأنا حتى يتلاشى، وينشغل الطرفان بالبنين والبنات، زينة الحياة الدنيا. فبهم تستمر البشرية..
............................................
في بداية الحياة الزوجية تصاب الفتاة التي تعتقد بأن الزواج فرصة أخرى للحرية بعيداً عن وصاية الأهل، وأنها كبرت مايكفي كي تتخذ قراراتها الشخصية، ابتداء من اختيارها لشريك حياتها، انتهاء بكل صغيرة وكبيرة بما فيها نوع الشامبو الذي تفضله للاستحمام، مادامت تستمتع بعش المستقبل الخاص بها.. لأن الحرية المنشودة تلك، تتحول مع الوقت إلى مجموعة طويلة من المسؤوليات، وكي لانتجاوز الواقع فإن هذه الخيبة تصيب الرجل والمرأة على حد سواء، ليتعودا مع الوقت على النظام الانضباطي الصارم لإيقاع الحياة.. وهذا الأمر ليس خافياً على أحد، فالكل يعرف أن الأحلام تختلف عن الواقع، ولايفصل بينها سوى ليلة الزفاف، وهنا يكمن سر الحب الذي يتدخل بكل هيبته وسلطته، ويقنع الطرفين بالتورط في الزواج، على رغم كل المحاذير والصعوبات، وهكذا تنتصر إرادة الحياة واستمراريتها، ويعقد القران ليخطف الفتاة من حضن أمها، ويسرق الشاب من عزوبيته، فيدخلان راضيين مرضيين قفص الزواج الذهبي، يضع كل منهما في بنصر يسراه خاتما يعلن ارتباطهما، ويبتسمان في وجه عدسات التصوير التي تسجل تلك اللحظات التاريخية، حين ترفع العروس ذيل ثوبها الدانتيلا الطويل، لتدخل عتبة دارها، محمولة بين ذراعي الشاب الوسيم الذي اختارته، أو مسحوبة من يدها يجرها الشاب الذي اختاره لها أهلها، والفرق بين الحالين واضح، بل يمكن ملاحظتها بقليل من التدقيق في ملامح وتصرفات العروسين، وهما يجلسان بكامل أناقتهما في ( الكوشة)، فملامح اللهفة تختلف كلياً عن ملامح الإقناع، ولذلك فإن النميمة التي تعقب حفلات الزفاف عادة ماتتواصل عدة أيام، في محاولات لتفسير كل صغيرة وكبيرة حدثت خلال السهرة العارمة.. وبالتالي يمكن معرفة سبب الخطوات المدروسة التي يُنصح بها العروسان ، وشطارة الالتزام الدقيق بها، فكلا العروسين تحت رقابة ورصد عشرات العيون، إضافة إلى كاميرا للفيديو لاتنسى شيئاًً، فهي تلتقط نظرات الخفر.. والوله.. والرغبة.. والدلال، وكل تلك المشاعر المتواطئة بين شخصين يحتفل بهما عدد غفير من الناس، ففي حفلات الزفاف لايسمح إلا بالفرح، وهو شعار يصر الجميع على تنفيذه..
نعم، ما من موضوع يمكن التكلم فيه أكثر لطفاً من موضوع الزفاف، ويجمع على هذا أغلب الناس، حتى أولئك الذين يختلفون حول مفهوم السعادة الزوجية، لكنهم يؤكدون أن من أجمل اللحظات التي يعيشها الإنسان، فتحفر في قلبه وذاكرته ولا يستطيع نسيانها، هي يوم زفافه، ولم أسمع قط عن شخص نسي ذلك اليوم بكل تفاصيله، بمن فيهم فاقدو الذاكرة أو المصابون بالزهايمر، وسواء كنت صاحب الزفاف أي أحد العروسين، أو كنت من قائمة المدعوين، أو من زمرة الأقرباء، أو من بقية الأقرباء، أو من الجيران، فإن جوا من البهجة الذي ينتقل بالعدوى سيحاصرك كلما علت الزغاريد التي تحدثها النساء بارتجافات اللسان داخل حلوقهن، وأمامها تصبح الكلمات عاجزة و بلا قيمة.. لكن حتى يومنا هذا مازلت أجهل السبب الذي يجعل الدموع تترقرق في عيني أم العروس، بينما تختفي تماماً من عيني أم العريس..!
يصعب حصر الدوافع التي تؤدي إلى رغبة الارتباط ضمن مؤسسة الزواج، لكن يبدو أن المرأة تولد وحلم الزواج يراود خيالها، ورغم كونه حلما وردياً كما يقال، سوى أن اللون الأبيض يطغى عليه، فلثوب الزفاف قدسيته وسحره، وبه تخرج الفتاة إلى الناس بشكلها الملائكي، لذلك فمهما كان مكلفاً، فالعروس تصر على ارتدائه لأجل يوم واحد ووحيد من العمر لايتكرر.. موديل الثوب والتسريحة ومكان الحفل وأسماء المدعويين وعددهم وبطاقات الدعوة ، كلها أمور تحضيرية تأخذ وقتها، بل وقد تتحول إلى صراعات بين الاقتراحات الكثيرة، والتي يصعب البت في أمرها بشكل نهائي، وبحيث ترضي جميع الأطراف، بمن فيهم عمة العروس التي تسكن في البرازيل، وربما لا تحب صوت المطرب الفلاني..! على الرغم من أن هذا يبدو مضحكا وسخيفا، لكنه قد يؤدي أحياناً إلى مشاكل يصعب تلافيها، ويصل بعضها إلى التراجع النهائي عن فكرة الزواج، وهكذا يتعثر الحب في حبوه الأول، وتنتصر الشكليات التي باتت تأخذ من اهتمامنا الكثير، على رغم ادعاءاتنا بعكس ذلك.. سوى انشغال الخطيبين بما يسمى التهيئة لليلة العمر، وكل مايحيط بها من أخذ ورد، ومباحثات تتعلق بالتنسيق والترتيب، تصبح لازمة وفعّالة حين تكون في حدودها البسيطة، كي تخفف توتر على كلا الطرفين، وغالبا مايبدو العريس متورطاً بتنفيذ رغبات فتاته، فهي عروس، ويحق للعروس مالا يحق لغيرها من النساء، ويفاجأ غالبا بأن ماتم الاتفاق عليه من أحلام بسيطة، لاتتجاوز البطاطا والخبزة والزيتونة، وزنده كبديل ساحر لوسادة ريش النعام، يتحول تدريجياً، أو دفعة واحدة إلى تجاوزات قد تفوق قدرته المالية، فالزواج الذي هو شكل من أشكال الشركات المساهمة، تلقي بثقلها وأثقالها على كتفيه وحده، لكن القفص الذهبي والنية المؤكدة بالسعادة، تزلزل المصاعب، كل ذلك يصبح في طي الذاكرة الجميلة، فمع انتفاخات البطن المتتالية للسيدة حرمه، والذهاب اليومي للعمل وكسب العيش، يخفت جبروت الأنا حتى يتلاشى، وينشغل الطرفان بالبنين والبنات، زينة الحياة الدنيا. فبهم تستمر البشرية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق