26 يناير 2009

الضحك الاسود

أحياناً لايتطابق تفسير الألوان وتدرجاته وفق علم الفن التشكيلي مع معرفتنا، إذ أن الأبيض مثلا ليس لوناً، بل هو حياد وضعف وسكينة، وهو أيضا لون المستشفيات ورمز الموت، أما الأسود فهو لون السلطة والقوة والوقار، ويرتبط بالخوف والغضب والحزن والثورات، وفي الوقت الذي تلبس فيه العروس التقليدية عندنا ثوباً أبيض علامة الطهر، فان العروس الهندية تتزين بثوب أحمر، أما في جزيرة (جاوة) فإنها تصبغ أسنانها بالأسود..! وهي فروق كبيرة تماما كالفرق بين الكذب الأبيض والأسود، ومابينهما من درجات لونية تتجاوز أحياناً ألوان الطيف السبعة، ولكن التقسيم الاخلاقي لايعترف إلا بالأقصى من كل شيء ويغض النظر عن باقي الألوان، فالكذب الأبيض مجرد (طبطبة) يد حانية على الكتف، وله ضرورته الحتمية للتخلص في لحظة( الزنقة) من الإحراج، فيما يعتبر الكذب الأسود شرير بفك مفترس، وهو يؤدي مهمات غير نزيهة بالمرة، لتحقيق المصالح مهما كان الثمن. قياسا لهذا بذاك تتنوع أيضاً درجات الضحك تبعاً لأسبابه، فهناك الابتسامة الزرقاء الفاتنة، والصفراء المتشفية، والرمادية المجاملة، والبيضاء الصافية، والبلهاء التي لا أعرف لونها، لكني أعرف أن الطفل الرضيع يبتسم مغمض العينين دون سبب محدد، هذه القابلية الفريدة تتناقص مع مرور الزمن ومع تخشب عضلات الفك، فكلما تقدم بنا العمر قلت فرصنا مع الضحك بأشكاله، ابتداء من الابتسامة وحتى القهقهة، ويتضح هذا في عجز أقلامنا العربية على تقديم كتابة ساخرة تتناسب على الأقل مع ماتقدمه من وجبات النكد اليومية، ولعل برنارد شو هو أشهر من أطلق الفكاهات اللاذعة التي مازالت متداولة حتى الآن، ومن كتابنا العرب هناك الراحل محمد الماغوط الذي أزعج بمقالاته الساسة، ودفع ثمن روحه الساخرة تلك ملاحقات قانونية وأحكاما بالسجن، فتحت عنوان «طارت اسرائيل» قال الماغوط: «ان دولة عربية جديدة «اسمها (هموم فلسطين) تستيقظ من عز النوم، لتقول وهي تتثاءب، ان فلسطين دولة عربية، ولا يمكن أن تحل أزمة الشرق الأوسط، من دون الأخذ بهذا الرأي، ثم وضعت يدها تحت رأسها، وتابعت النوم».ان السخرية تحتاج إلى قدر عال من الإدراك، وهي فلسفة تحتال على الواقع بإبر مسكنة لمقاومة اليأس، وتفريج الكرب، وتخفيف الذبحات الصدرية، وتعديل نسبة المرارة، فتُضحك القارئ لاحزنا ولافرحاً، ولكن «مذبوحاً من الألم».

19 يناير 2009

عشر خيبات لمولود


أطرافكِ مقيدة وأضلاعكِ تؤلمك ، كنتِ محشورة بين الغضب والذل دون مساحة إضافية ولو بسيطة للتحرك .
هاأنتِ تصرخين ، وتكزين على أسنانك غيظاً وتعاودين الصراخ بعلو صوتك ، لكن لا حظ لحنجرتك الناشجة .. لن يغيثوك . تصلك ضحكة أمك المجلجلة فتتميزين قهراً ، لماذا لا تشعر بآلامك ؟.. ألا تملك قلب أم ؟ .
لو أنها ربتت على أوجاعك يوماً .. لو سمحت لك بضرب قدميك على الأرض احتجاجاً وصفق الأبواب غضباً ، لهربت من فخ التهذيب المزيف إلى فضاء المشاكسة المغري ، لكنها لم تتقن شيئاً إتقانها للوعظ وإسداء النصح الخرقاء .
لطالما سمعتها تقول : " في مجتمع أصم لا فائدة من لسان بليغ ، إياكِ أن تجعلي من نفسك النعجة السوداء " .
تفوح تلك الرائحة النتنة التي ترافق الموت عادة ، لتثير في رئتيكِ زوبعة لا تستطيعين لها منعاً ..
كنت قد شرعتِ في البكاء حقاً حين هزتك يدها لتوقظكِ . جاهدتِ كي تنفصلي عن ذاك العالم وتستجيبي لتربيتها اللطيف .
زال الاختناق .. إذن كنت تهذين ، لكن مازالت تلك الرائحة الخانقة تنبعث من مكان ما وتحاصرك . تفتحين عينيك ببطء شديد . الغرفة واسعة وبيضاء كغيمة صيفية تعبق بأنفاس الزهور . حولك باقات عديدة موزعة هنا وهناك في مواجهتك أكبرها على الإطلاق تحمل اسم سعد " زوجكِِ " .
في يوم زفافك ، قبل خمس سنوات وأربع أشهر وأسبوع من الآن ، كانت هذه الزهور أو أخرى تشبهها تملأ المكان ، حتى ثوبك كان موشى بزهر الأقحوان .. هاأنت تتذكرين التفاصيل الرقمية دون أدنى خطأ . تستعيدين صوته : " إنني أحب الورود وأنت أجملها "
ذاك ما قاله لك سعد يوم كان يغازلك لوجه الحب وحده .
إلى اليسار الممرضة النحيلة التي تطفلت على كابوسك فأيقظتك .. تتطلعين إليها باستغراب حقيقي .
أيقظتكِ المسكينة ، كما تحتمه عليها أصول المهنة : افتعال حنان لا تخفي برودته .
حين التقت نظراتكما ابتسمت هي ، فانكشفت أسنانها الصفراء المتماشية كثيراً مع بشرتها الشاحبة .
قالت ، وهي تجس بطنك المنتفخ :
" الحمد لله على السلامة ، كانت ليلة البارحة متعبة حقاً ، نزفت كثيراً ، فأنت لم تساعدينا لتخففي عن نفسك آلام المخاض " .
كنت تقولين لها إنك تتألمين حين لمحتِ خلفها سلة مبطنة بقماش لمّاع أزرق ، مزينة بأشرطة ملونة كثيرة تشبه سلال الهدايا التي تنسق فيها حبات الحلوى، وإن كانت أكبر منها قليلاً ..
ساعدتكِ كي تنهضي من استلقائكِ ، ثم حملت إليك لفة قماش كانت مختفية داخل السلة المزركشة ، ووضعتها في حجرك .
رفعت يدك المتكلسة كي تسندي رأساً صغيراً ظهر من فوهة اللفة فأصابتك من ملامسة الجمجمة الصلعاء برودة مفاجئة .
قالت الممرضة وهي تبتعد : " حاولي أن ترضعيه .. هو أيضاً متعب وربما جائع " .
انسلت منسحبة وأغلقت الباب خلفها .
ها أنتما معاً .. في غرفة بالكاد اتسعت لكما وحدكما ، إن له لون اللفت الذي تحتفظ به أمك خلف المدفأة قبل أن يتحول إلى مخلل . كان ضائعاً داخل ثوب طويل كفاه مطبقتان وعيناه كذلك .
لإطعامه ، توجب عليك أن تفكي أربعة أزرار من منامتكِ وتقربيه إلى صدرك ، لكنك لازلت تحدقين في تفاصيل وجهه الآسرة ..
ملامحه تذكرك بوسامة سعد الممضة . تسللت إليه برودتكِ التي ازدادت صقيعاً ، فتح عينيه وشرع في البكاء . أيقنت أنه يشبهه تماماً ، حتى مسام جلده بدأ ينز الرائحة نفسها : رائحة زهور .
تابعتِ حل كل الأزرار التي تبقي ثوب نومك عالقاً بك .. انزلق بسهولة عن كتفيك .. لمعت الفكرة في حمى رأسك ، دون أن تقاوميها .. تخلعين منامتك ، وترتدين ثياب الخروج الواسعة المعلقة فوق المشجب .
استجمعتِ كل ما يلزمك من جبن كي تصمي أذنيك عن صراخ الصغير الذي يزداد ارتفاعاً وحدة ،
يا لتلك الحنجرة ! لعله اكتشف خططك للرحيل . كان ذهنك مشتتاً وأفكارك فالتة ..
أنتِ أيضاً كنت تبكين و تستحين من ذرف دموعكِ أمامهم . لم تطيقي آلامك التي تتعرضين لها ، في كل مرة تتمددين فيها أمام مجموعة الأطباء على اختلاف أسمائهم ، تنكشفين أمامهم والخجل يقتلك ، ودون أي كبرياء تصرحين بأدق أمورك السرية ، يحاولون جهدهم لجعل رحمك اليابس يتقبل زرع البويضات المُخصبة ..
حُشرتِ بين المطرقة والسندان .. أفظع الأوقات حين يرن المنبه ليعلن عن مواعيد الحب .. طفل الأنبوب أشد عناداً من ثور ، ثم لابد من دفع الفواتير الكثيرة كيفما كانت النتيجة .
كانت أمك تهمس في أذنك مواسية :
" لا تكوني حمقاء يا ابنتي ، عليك أن تحاولي ولو مئة مرة ، فالأطفال بالنسبة إلى الرجل أكثر أهمية من الزوجة ، ألا تحبين سعداً ! إنها الطريقة الوحيدة للاحتفاظ به " .
انتظاركِ دون فائدة ، يسيل الزئبق رغماً عنك ، مادامت الصّدفة فارغة إذن لا قيمة لك ، سعد ينأى بوجهه ، تنطفئ عيناه ، ويؤكد لك الإحباط الذي تتصيدينه في ملامحه الواجمة إن ما تقوله أمك وأمه وجارتك هادية وحتى صديقتك رغد صحيح ، هم يمثلون مجتمعك فمن أنت حتى تشذين عن قوانينهم المقررة سلفاً . الرجال في العادة لا يشرحون وجهة نظرهم إنهم فقط يقطبون ، ذاك بالضبط ما واظب سعد عليه كل ليلة وكأنه يحملك ذنب القحط .
إنها الهزيمة التي لن يقبلها أحد .. بمن فيهم أنتِ أيضاً ، كنت تهزين رأسك مؤكدة أنك ستحاولين تكراراً .
يحاصرك الهدف : هدفهم ، لماذا يصير عليك أن تؤكدي رغباتهم دون احتجاج ولو مهذب بأنك تتوجعين ، وبأن الأمومة لا تعني لك أكثر من المعاناة ..
مرغمة تدورين في تلك الدائرة المغلقة ما بين المنزل وتلك العيادة أو أخرى .. لا فرق ، وما بين عناوين ومواعيد الإخصاب المسجلة في دفتر قرب رأسك .
تقطبين .. فما الذي استطعت عمله ؟ وهل كان ثمة حلول بديلة ؟
تجرين قدميك المتعبتين ، لم ينتبه إليكِ أحد ، حتى الممرضة التي كانت تنتزع الصغير الذي سيشبه أباه عن صدرك وتعيده إلى سلته ، كأنك تمشين فوق الهواء وتلبسين طاقية الإخفاء ، وفيما أنت تخلفين باب المستشفى وراءك ، وتشيرين إلى سيارة الأجرة كنت تحصين في ذهنك ما مر بك : المرات الست الأولى خجل .. كل مرة ألم .. و عشر خيبات .
كانت نظرات السائق المتعجل المتصبب نزقاً تتسلط فوق تفاصيلك النائية ، فقد استغرقتِ من الوقت ما لا يطيقه صبره النافد . حبيبك سعد لم يتسع صدره ، فما بالك بالغريب ؟
يسطع النسيان ، تسبحين في عرقك ، كنت تبحثين في ذاكرتك المحمومة عن عنوان لا يسعفك تذكره ، لكنه الطريق الذي لا يضل عنه أحد .
يعود صوت البكاء إلى أذنيك الخدرتين .. يد باردة تتلمس جبينك المشتعل .. ترينها من بين أهدابك المتقاطعة مقطبة وشاحبة .
تقولين لها بأنك لازلت تتألمين .
سوزان خواتمي
25 /5/2001
نشرت في جريدة الرأي العام ليوم الأربعاء10/10/2001
من مجموعة ( فسيفساء امرأة)

القول خطفاً


أبها الـ بكرا ستدفع باهظا ثمن البارحة

العابرون يتساقطون

17 يناير 2009

ليلة الزفاف : أحلام تطير على ايقاع الزغاريد

ليلة الزفاف : أحلام تطير على إيقاع الزغاريد
............................................
في بداية الحياة الزوجية تصاب الفتاة التي تعتقد بأن الزواج فرصة أخرى للحرية بعيداً عن وصاية الأهل، وأنها كبرت مايكفي كي تتخذ قراراتها الشخصية، ابتداء من اختيارها لشريك حياتها، انتهاء بكل صغيرة وكبيرة بما فيها نوع الشامبو الذي تفضله للاستحمام، مادامت تستمتع بعش المستقبل الخاص بها.. لأن الحرية المنشودة تلك، تتحول مع الوقت إلى مجموعة طويلة من المسؤوليات، وكي لانتجاوز الواقع فإن هذه الخيبة تصيب الرجل والمرأة على حد سواء، ليتعودا مع الوقت على النظام الانضباطي الصارم لإيقاع الحياة.. وهذا الأمر ليس خافياً على أحد، فالكل يعرف أن الأحلام تختلف عن الواقع، ولايفصل بينها سوى ليلة الزفاف، وهنا يكمن سر الحب الذي يتدخل بكل هيبته وسلطته، ويقنع الطرفين بالتورط في الزواج، على رغم كل المحاذير والصعوبات، وهكذا تنتصر إرادة الحياة واستمراريتها، ويعقد القران ليخطف الفتاة من حضن أمها، ويسرق الشاب من عزوبيته، فيدخلان راضيين مرضيين قفص الزواج الذهبي، يضع كل منهما في بنصر يسراه خاتما يعلن ارتباطهما، ويبتسمان في وجه عدسات التصوير التي تسجل تلك اللحظات التاريخية، حين ترفع العروس ذيل ثوبها الدانتيلا الطويل، لتدخل عتبة دارها، محمولة بين ذراعي الشاب الوسيم الذي اختارته، أو مسحوبة من يدها يجرها الشاب الذي اختاره لها أهلها، والفرق بين الحالين واضح، بل يمكن ملاحظتها بقليل من التدقيق في ملامح وتصرفات العروسين، وهما يجلسان بكامل أناقتهما في ( الكوشة)، فملامح اللهفة تختلف كلياً عن ملامح الإقناع، ولذلك فإن النميمة التي تعقب حفلات الزفاف عادة ماتتواصل عدة أيام، في محاولات لتفسير كل صغيرة وكبيرة حدثت خلال السهرة العارمة.. وبالتالي يمكن معرفة سبب الخطوات المدروسة التي يُنصح بها العروسان ، وشطارة الالتزام الدقيق بها، فكلا العروسين تحت رقابة ورصد عشرات العيون، إضافة إلى كاميرا للفيديو لاتنسى شيئاًً، فهي تلتقط نظرات الخفر.. والوله.. والرغبة.. والدلال، وكل تلك المشاعر المتواطئة بين شخصين يحتفل بهما عدد غفير من الناس، ففي حفلات الزفاف لايسمح إلا بالفرح، وهو شعار يصر الجميع على تنفيذه..
نعم، ما من موضوع يمكن التكلم فيه أكثر لطفاً من موضوع الزفاف، ويجمع على هذا أغلب الناس، حتى أولئك الذين يختلفون حول مفهوم السعادة الزوجية، لكنهم يؤكدون أن من أجمل اللحظات التي يعيشها الإنسان، فتحفر في قلبه وذاكرته ولا يستطيع نسيانها، هي يوم زفافه، ولم أسمع قط عن شخص نسي ذلك اليوم بكل تفاصيله، بمن فيهم فاقدو الذاكرة أو المصابون بالزهايمر، وسواء كنت صاحب الزفاف أي أحد العروسين، أو كنت من قائمة المدعوين، أو من زمرة الأقرباء، أو من بقية الأقرباء، أو من الجيران، فإن جوا من البهجة الذي ينتقل بالعدوى سيحاصرك كلما علت الزغاريد التي تحدثها النساء بارتجافات اللسان داخل حلوقهن، وأمامها تصبح الكلمات عاجزة و بلا قيمة.. لكن حتى يومنا هذا مازلت أجهل السبب الذي يجعل الدموع تترقرق في عيني أم العروس، بينما تختفي تماماً من عيني أم العريس..!
يصعب حصر الدوافع التي تؤدي إلى رغبة الارتباط ضمن مؤسسة الزواج، لكن يبدو أن المرأة تولد وحلم الزواج يراود خيالها، ورغم كونه حلما وردياً كما يقال، سوى أن اللون الأبيض يطغى عليه، فلثوب الزفاف قدسيته وسحره، وبه تخرج الفتاة إلى الناس بشكلها الملائكي، لذلك فمهما كان مكلفاً، فالعروس تصر على ارتدائه لأجل يوم واحد ووحيد من العمر لايتكرر.. موديل الثوب والتسريحة ومكان الحفل وأسماء المدعويين وعددهم وبطاقات الدعوة ، كلها أمور تحضيرية تأخذ وقتها، بل وقد تتحول إلى صراعات بين الاقتراحات الكثيرة، والتي يصعب البت في أمرها بشكل نهائي، وبحيث ترضي جميع الأطراف، بمن فيهم عمة العروس التي تسكن في البرازيل، وربما لا تحب صوت المطرب الفلاني..! على الرغم من أن هذا يبدو مضحكا وسخيفا، لكنه قد يؤدي أحياناً إلى مشاكل يصعب تلافيها، ويصل بعضها إلى التراجع النهائي عن فكرة الزواج، وهكذا يتعثر الحب في حبوه الأول، وتنتصر الشكليات التي باتت تأخذ من اهتمامنا الكثير، على رغم ادعاءاتنا بعكس ذلك.. سوى انشغال الخطيبين بما يسمى التهيئة لليلة العمر، وكل مايحيط بها من أخذ ورد، ومباحثات تتعلق بالتنسيق والترتيب، تصبح لازمة وفعّالة حين تكون في حدودها البسيطة، كي تخفف توتر على كلا الطرفين، وغالبا مايبدو العريس متورطاً بتنفيذ رغبات فتاته، فهي عروس، ويحق للعروس مالا يحق لغيرها من النساء، ويفاجأ غالبا بأن ماتم الاتفاق عليه من أحلام بسيطة، لاتتجاوز البطاطا والخبزة والزيتونة، وزنده كبديل ساحر لوسادة ريش النعام، يتحول تدريجياً، أو دفعة واحدة إلى تجاوزات قد تفوق قدرته المالية، فالزواج الذي هو شكل من أشكال الشركات المساهمة، تلقي بثقلها وأثقالها على كتفيه وحده، لكن القفص الذهبي والنية المؤكدة بالسعادة، تزلزل المصاعب، كل ذلك يصبح في طي الذاكرة الجميلة، فمع انتفاخات البطن المتتالية للسيدة حرمه، والذهاب اليومي للعمل وكسب العيش، يخفت جبروت الأنا حتى يتلاشى، وينشغل الطرفان بالبنين والبنات، زينة الحياة الدنيا. فبهم تستمر البشرية..

حوار في صحيفة الوطن الليبية

في حوار خاص مع صحيفة الوطن الليبية :
سوزان خواتمي: الحركة النقدية العربية كسولة ومزاجية وتقليدية
حوار: بسام الطعان
لا شيء في الحياة محض صدفة، وسوزان تنساب مثل الحكاية، كان يمكن لمدينتها العتيقة (حلب) أن تحتويها في حضنها، لكنها
غادرتها، وبما يشبه الحل لمشكلة الغياب في حياتها، حملت حلب/ها/معها، وفي الكويت حطت الرحال، وفي بيت بحجم الأمنية كونت عائلتها ولكن ما زال في الزمن متسعا، والحكاية تهدل.
رسمت أشكالا وخربشت صفحات، ولم تدرك أن لصفحاتها تلك أهمية حتى فازت عام 1993 بجائزة سعاد الصباح عن "رسالة إلى شهيد" لتعلنها ولادة أخرى مستحبة، هل من مجال بعد للمزيد؟ نعم. "ذاكرة من ورق" مجموعتها الأولى، قصص بحجم الكف فيها من الدهشة ما يكفي، بعدها تتالت المفاجآت، كتب ثان" كل شيء عن الحب" عنوانه المثير فتنة للعشاق، وفي عام 2002 حصلت على جائزة البتاني للقصة القصيرة في مدينة الرقة السورية، شهادة أخرى أكسبتها الثقة وكانت عن " احدنا كان يرتعش" وها هي سوزان تشكل الأحلام أشرعة من ورق ، تكتبها قصة، نصا، مقالا، وتعد نفسها بهمس أنها ستكتب الرواية، وقبل أن تجز روايتها الأولى، أنجزت مجموعة أخرى" فسيفساء امرأة" ثم اتبعتها بمجموعة أخرى " قبلة خرساء" وما زال في صدر سوزان كمشة أمنيات.

ـ ما سبب توجهك للتنويع في الكتابة الأدبية، وأين تجدين نفسك أكثر، وهل أنت مغامرة، خارجة عن أي نمط؟
* لنقل إن التنويع هو حل مثالي لآفة الملل ، الملل الذي يجعلنا نبحث عن الجديد أو التجديد، هذا إضافة إلى حاجتي ككاتبة إلى أنماط تعبير مختلفة، فلكل مقام مقال، وما أتطرق إليه في المقال، يختلف عن مضامين القصة، أما الشعر فاسمح لي بالتحفظ على التسمية، أنا اكتب نصوصا نثرية ، ولم أصل بعد للقناعة بأنها ترتقي إلى الشعر كتوصيف.

ـ كناقدة، كيف تقرئين النص الأدبي؟ هل لك أن تحدثينا عن إستراتيجيتك في القراءة النقدية؟
* لست ناقدة، بالمعنى التخصصي والحرفي للكلمة، أعتبر نفسي قارئة ممتازة ومتذوقة جيدة ، ومن خلال مطالعاتي ، وتجربتي في الكتابة، أستطيع أن أقدم قراءة سريعة وانطباعية، وهي أقل بكثير مما تحيط به الدراسة النقدية، والتي تعتمد على علم لا أملكه..

ـ الحركة النقدية العربية كيف تقيمينها في الوقت الراهن؟ وهل يقدم النقد العربي الفائدة للكاتب أو الشاعر؟
* "كسولة"، الحركة النقدية العربية كسولة ومزاجية وتقليدية، وهي محكومة بسلسلة علاقات، تعتمد في المقام الأول على معرفة الناقد بالكاتب، ما يجعلها بعيدة عن أن تكون منتجة وراصدة لحركة الأدب بشكل عام، الاستثناءات موجودة بالطبع، لكنها نادرة بحيث لا يشكل نتاجها حراكاً حقيقياً في المجال النقدي. ورغم ذلك، فلا أحد ينكر أهمية النقد وفائدته في كشف وإضاءة المنتج الأدبي .

ـ هل استفادت الأديبة سوزان من النقد، وهل استفادت الناقدة سوزان من الأدب ؟
* بالطبع، بل إن أي ملاحظة أسمعها ترسخ في ذهني، سواء اقتنعت بها ، أم لا، واعتبر ذلك " تعدد في وجهات النظر"، إنها فرصة للنظر بمنظار آخر، لا يمكن لأي نص أن يكون كاملاً ، احتفظ لنفسي بفضيلة القلق والتساؤل والتعلم، وأبتعد ما استطعت عن اليقين المطلق.. أما عن استفادتي من الأدب، فالقراءة هي التي عززت طاقتي على الكتابة، والمزيد منها طور إمكانياتي، ونقلني من خانة التجربة ، إلى مناخ الأدب والكتابة والنشر.

ـ هل احترفت الكتابة أم ما زلت تعتبرين نفسك هاوية؟
* لن أتخلى عن صفة الهواية، ربما لأني كسولة بطبعي، ولا أريد أن أكتب وأنا محاصرة بوقت للانجاز، أو بالكتابة عن موضوع محدد، أحب أن أبقى خارج الحواجز التي تفرضها المهنة، جميل أن تعتمر نصوصي وقصصي حريتها وتنطلق حيث تشاء ، فتبقى مزاجية، غير محكومة، وغير مكرسة، وعصية على التصنيف، هذا من جهتي، ومن جهة أخرى، ولنكن واقعيين، أرباح – وتضحكني الكلمة- الكاتب المادية مما ينشره لا يشجع على الاحتراف!!

مَنْ اختار مَنْ، الحياة اختارتك لتكوني أديبة ، أم أنت اخترت الأدب ولماذا؟
* ما من نية مبيتة لدخولي عالم الأدب، إن ولعي القديم والطفولي بالقراءة، هو المسؤول عن ملّكة الكتابة، التي ساقتني إلى حيث أنا، دون ترتيبات مسبقة، إلا المصادفة البحتة، والتي أؤمن بأنها جزء من أقدارنا.. وفي الوقت نفسه لا أريد أن أفوت فرصة الإشارة إلى فضل أستاذي محمد خالد قطمة ورعايته لخطواتي الأولى، بل كثيرا ما أتساءل، لو لم يكن هو، فأي شكل سيكون لسوزان خواتمي.؟

ـ ما هي هموم الأدب العربي بشكل عام؟ وهل يعيش راهنا حالة من الفوضى؟
* المناخ الثقافي لا ينفصل عن مجتمعاته، وبالتالي هو جزء من كل، هناك صعوبات يعاني منها المثقفون عامة تتعلق بشكل أساس بمسألة الحرية الفكرية، والتي مازالت تتناقص يوما بعد يوم، ليس على مستوى الرقابة الحكومية فحسب، بل أيضا على مستوى التقبل الاجتماعي لها. أما فيما يتعلق بمفهوم الأصالة، فأنا بشكل عام ضد هذا السياق، الإبداع يحتاج إلى التجريب ، والتجريب الذي يخشى الخروج على الأطر والقواعد، ينتج نصا رعديداً، لم يبق على الأرض ولم يطل السماء.. من الطبيعي والايجابي والمطلوب أن تنهل من بحر الأصالة الأدبية وأن تتجاوزها.

ـ واقع القصة القصيرة العربية في الوقت الحاضر كيف تنظرين إليه، هل من تطورات طرأت على القصة القصيرة العربية من حيث طريقة التناول وأسلوب المعالجة؟
* الساحة الأدبية سواء بالنسبة للقصة أو الشعر أو الرواية تحفل بإنتاج واسع، وعدد الكتب التي تخرج ساخنة من المطبعة يوميا، يفوق قدرتي على متابعتها. ويتطرق فن القص في نماذجه التجريبية إلى كل الخبرات الإنسانية، فيتجاوز التتابع المنطقي للسرد، ويترك المجال للقارئ كي يصل إلى تصوراته الخاصة، هذا إضافة إلى وجود تجارب تتعامل مع اللغة بوصفها هدف، فتعيد ابتكارها، وتجددها، وجميعها محاولات إبداعية تستحق الإعجاب .

ـ إلى جانب العاطفة والخيال والحرفنة القصصية، ما اللغة التي تفضلين الكتابة بها، لغة السرد البسيطة التي يفهمها القارئ العادي أم اللغة الشعرية المكثفة؟
* تسوقني القصة ومناخها إلى الأسلوب اللغوي، إذ لابد من أن يكون مناسباً، سليماً ، ومتسقاً مع الحدث، كقارئة تبهرني التراكيب اللغوية المحملة بطاقة جمالية، وككاتبة أحاول أن لا أقع في فخ الغموض، حتى حين استخدم اللغة الشعرية.

ـ يواجه الأدب تحديا كبيرا وهذا التحدي يتجسد بأشكال التعبير المرئي عبر التلفاز والحاسوب، ما هو مستقبل هذا الصراع، وما مدى تأثير الفنون المرئية على مستقبل الأدب، وبشكل خاص على القصة والشعر؟
* لاعلاقة فعلية للفنون المرئية على مستقبل الأدب، وقلة الإقبال على الكتاب، فمعدلات القراءة في الغرب لم تتأثر مع تقنيات التكنولوجية ومنتجاتها، والتي أحسب أنها متوفرة عندهم أكثر مما هي عليه عندنا، في مجتمعاتنا نحن نعاني من بؤس ثقافي، يفرز تأثيراته التي تقول، والتي تحتاج إلى دراسة تطرح حلولا قابلة للتطبيق، لإعادة إنتاج إنسان واع، مثقف، مهتم بحصيلته المعرفية والثقافية والتي لا تقتصر على الأدب وحده.

13 يناير 2009

ارادة القوة

كل مَنْ مازال قادراً على متابعة أحداث اجتياح غزة من خلال الصوت والصورة، يلاحظ الفروق الواضحة بين التنديدات والشجب والمظاهرات الشعبية التي تطالب بوقف نزيف الدم المهدور، وبين اللغة الدبلوماسية الباردة والعاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة أو غير حاسمة، وبين البيانات المقتضبة لاسرائيل، وردودها التي تبدو غير معنية الا بما صرح به الناطق باسمهم في الاذاعة بأن العملية (تحقق أهدافها).. ما يعني أن عين العدالة العوراء هي إحدى الحقائق القاسية للحياة، وأن القوة تفرض منطقها حتى مقابل الصور المروعة لأشلاء الأطفال في حرب الابادة بين طرفين غير متكافئين، لتصبح ارادة القوة هي القيمة الأخلاقية المطلقة، والمصدر الأساس للحق، أما بالنسبة لأهالي غزة الواقفين في طابور الموت، فليس لهم سوى التكيف مع دعواتنا الصادقة بصرف البلاء عنهم، واغماض العينين وتغطية الوجه أو الرأس لاتقاء القذائف التي تمطر فوق رؤوسهم.. اذ لا يبدو أن أحدا أقرب من فنزويلا على خارطة العالم الجغرافي سيستحي، والا لطبقت القرارات الخجولة لمجلس الأمن الدولي بوقف الحرب، ولأجبرت الأطراف المتعنتة على الجلوس الى طاولة المفاوضات، لكن العملية (تحقق أهدافها) وكي تتحقق أهداف العملية على كل الأصعدة، حتى تلك التي تتم في الخفاء، لابد من أن تدفع الشعوب الثمن غالياً من أرواحها وأمنها وبيوتها والبنية التحتية لمدنها. ان الاستبداد، والطغيان، والظلم، وآليات التدمير الاسرائلية لا منطق لها، والمضحك المبكي أن الفزعة العالمية لمناهضة الارهاب، والتي باتت تقوم على مبدأ ارهاب الارهاب، ستنتبه لاحقاً الى أن عدد القتلى المدنيين في غزة، والذي تجاوز «حتى كتابة هذه السطور» الـ 900 هم من ضحايا الارهاب الاسرائيلي..!

02 يناير 2009

متفائلون حتى مشارف اليأٍس

أول ايام العام الجديد، هذا يعني في العادة، ان نصدق الامل، فنتفاءل بالامنيات، ونتشبث بالاحلام، والرغبات، ونقدم بجسارة على لحظة مكاشفة وتأمل لعام يجيء وآخر مر بعجائبه وازماته غير المتوقعة، فمن اسعار النفط المتفاوتة، الى الازمة المالية العالمية، الى رفع شعارات الاحذية، الى ظاهرة الانسياق الجماعي في اثر مهند التركي الوسيم، الى حادثة مقتل سوزان تميم المأسوف على شبابها، الى رحيل قامات عن عالم الادب الفكر والشعر، وبعض هذا وليس كله كفيل بان يجعلك لا تعرف (وين الله حاطك)، وانا اذ احاول التركيز على جدول الامنيات، وابحث بشق النفس عن التفاؤل،فأوارب الابواب التي لم تقفل، واصم اذني عن نشرات القتلى والجرحى (ببلاش)، وبيانات التضامن والاستنكار، وفتاوى الدين المعاصرة، وأبقي ما استطعت، شمعة روحي متقدة عند حافة الحرية، وابحث في خارطة العالم عن بقعة لم تصنفنا بالارهابيين، وعن واقع لما يعرف بعد درجات اللون الاسود، وكل تلك التدابير الواقية، وخطوات الحيطة، فقط لأحصر الامال التي سأبادركم بها في اول صباحات 2009، اذ ربما تكون اسرائيل قد كفت عن قصف غزة، وانشغلت بسهرة رأس السنة المجيدة، وربما لا يكون اوباما نسخة سمراء مكررة عن سابقه، وربما نتوقف عن الاحتفاظ بالرد، وننتقل الى مرحلة الرد، وربما نختار طريقا افضل لموتنا المجاني، وربما نعترف بأمراضنا العصابية والتعصبية، وربما نكتشف دربا للمحبة خال من الاتهامات، وربما نصبح أنا وإياكم على خير.