01 فبراير 2011

الخبز الكافر

سوزان خواتمي: فجأة، بدأ الاهتمام بالجوع والجائعين بعد أن تبين بأنه السبب الوحيد الذي هزم الخوف، وأشعل الثورة، فانتبه المعنيون الذين يقتصر نظامهم الغذائي على الكاتو إلى رغيف الخبز؛ مسعى الجياع، والفقراء، وحلم البطون الخاوية.



مؤخراً بثت قناة اورينت التلفزيونية تحقيقاً تناولت فيه تدني الدخل في سوريا وارتفاع الأسعار، ونتائج ذلك على المواطنين، جاء فيه نقلاً عن جريدة الوطن بأن مهندساً اضطرته الظروف للعمل سائقاً لسيارة تاكسي، ما جعل نقابته تطالب بفصله ! والحقيقة لم أفهم لماذا لم يعدّل ذلك البائس خياراته، وينضم لجماعة (تدبير الراس) الشائعة ؟ هل بسبب معايير الشرف الرادعة، ونظافة اليد، أم لأن مواقع (البلع) مشغولة بالكامل، على حد تعبير أحد الخبثاء !


إن انتباه ملتهمي الكاتو للغلاء المعيشي بما لا يتناسب مع دخل الفرد، جعل وزارة الصحة تتراجع عن خطتها في رفع أسعار الدواء، كما تم تخفيض أسعار بعض المواد التموينية من غير أن يلتزم التجار بذلك فعلياً.


بحسب مجلة جلوبال فاينانس صنفت سوريا باعتبارها من البلاد الأقل دخلاً، محرزة المرتبة 11 عربيا و111 عالمياً، وفي المقابل لم يقع تحت يدي دراسة رسمية تحدد نسبة دخل الأغنياء ومصادر رزقهم، لا عالمياً ولا عربياً، كي نتعاطى مع مقارنات منهجية. ومع ذلك تزداد الفروق وضوحاً بين ذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون التكفل بتأمين حاجياتهم الضرورية من مأكل ومسكن وتدفئة، وبين طبقة الأثرياء وأصحاب المال وميزات الترف التي يعيشونها، بحيث صار التفاوت الطبقي سمة واضحة في النسيج الاجتماعي السوري، خاصة بعد أن ذابت الطبقة الوسطى وتلاشت.


إن حالات الفقر والعوز يتسعان في بلادنا بحيث يصبح الكلام عنهما ليس مجرد حديث رمزي عن تدني الدخل، في مقابل زيادة ثراء البعض، ولو استمر الحال بالإيقاع نفسه فسيكون مصيرنا كمصير دول أفريقيا الأشد فقراً.


ربما لن يصدق أحد أن امرأة مسكينة توفاها الله منذ أيام، كان ابنها يضربها (هي مبالغة صحفية، إذ أنه كان يكتفي بنحرها في رأسها فقط) كلما طلبت رغيفاً إضافياً عن حصتها اليومية ! وهنا يمكن تفسير القصة بعدة وجوه، إذ يمكن للابن العاق (وما أكثرهم) قد وصل أخلاقياً إلى الدرك الأسفل، أو ربما هو جشع الأم، وجوعها المبالغ به، وكان عليها أن تتفهم بأن ثمن ربطة الخبز بلغ 15 ليرة ! فإذا رجعنا إلى نموذج المهندس السائق الغلبان بشقائه، يتضح بأن الفقراء مازالوا يصرون على الحياة، ليس بالصبر على الأوضاع المعيشية، والتحايل عليها فقط، بل وبالاضطرار أحياناً إلى ضرب الأمهات، لتقنين الأرغفة !


وفي ظل استمرار هكذا ظروف تصبح المطالبة برفع المستوى المعيشي، والحفاظ على الكرامة الإنسانية ليس مجرد ترف، بل حاجة، لأن هناك من يريد أن يكفيه عمله قوت يومه؛ وهناك من لا يقبل بضرب أمه.






ليست هناك تعليقات: