03 مارس 2017

عورة : تنويعات القص الرشيق عند دلع المفتي: قراءة في مجموعة (عورة)


عبر 150 صفحة من القطع المتوسط تخرج إلينا مجموعة تحمل عنوان (عورة ) الصادرة مؤخراً عن دار جسور للترجمة والدراسات والنشر والتي حوت 28 نصاً.. وهو الاصدار الثاني للكاتبة بعد روايتها – هن لسن أنت -
تقطف الكاتبة دلع المفتي حكاياتها من شجر الواقع، فتنقله إلينا عبر حوار خاطف لشخوصها أو مشهد عابر تقتطعه من مسرح الحياة الكبير، وهي تفعل ذلك من دون افتعال، ببساطة وعفوية ومباشرة تتجه نحو فكرتها، كما الخط المستقيم الذي هو أقصر الطرق، مقتصدة في عباراتها وجملها، من غير فائض مكونة باقة من النصوص المتنوعة بين القصة القصيرة وق ق ج أي التي نالت في وقت قصير مكانتها في المشهد الأدبي..
هذا التنوع يمكن اعتباره ثيمة تؤكد فيه الكاتبة أنها لا تبحث عن آليات محددة أو منهجية ثابتة تكرسها لكتابة نصوصها، فالفكرة بتجلياتها هي فقط ما يشغلها فتترك العنان لتلقائية ذاتها المحركة عبر حدث يأتي – غالباً - على  لسان الراوي العارف بكل شيء..
ومض الفكرة يلمع في كل نص مشكلاً ملمحاً مهماً مجتزأ من شاسع الحياة، نقلته المؤلفة من سذاجة عروس لم تتخط السابعة عشر تعاني من الارتباك والتعثر ومما بقي من طفولتها فيما هي على عتبات مرحلة الزواج الغامضة..
هكذا تأتي الفكرة إنسانية مبللة بمشاعر فياضة من التعاطف كما في " شعرها المنثور"  التي تحكي معاناة مريضة أثناء علاجها بالكيميائي الذي يؤدي إلى تساقط شعرها.. تلك القصة مهداة إلى روح منى مما يحمل القارئ على مزيد من التعاطف لحدث ليس مجرد تخيل فحسب.  
أما قصة " خطوات" فهي عن متسول أعمى يتخذ من ناصية شارع مكاناً دائماً له، لكن الفقر والحاجة لم تسلخاه عن العطاء..!
تلجأ دلع المفتي أحياناً إلى وضع فكرتها في قالب ساخر متهكم، كما حدث في نقلها لتصرفات خارجة عن اللياقة لكاتبة كانت بالأمس القريب تدعي الأدب والتأدب عبر لقاء تلفزيوني !..
من المؤكد أن الإلمام بكل أفكار المجموعة القصصية " عورة" من خلال هذا العرض المتعجل يكاد يكون مستحيلاً، سوى أنه يمكننا ملاحظة بعض النصوص التي تشكل في طرحها  قلقاً تساؤلياً، كإشارة استفهام لسؤال تبحث الكاتبة من خلال القارئ عن جواب حاسم لها..
فهل العورة هي عورة الجسد أم عورة الروح..؟
وهل الخروج عن قوالب الحياة الجافة هو خروج عن لياقة الاحترام؟
وهل جلوس المرأة في العدة هي الطريقة الأمثل لإظهار حب الزوجة الأرملة وإخلاصها؟ 
يبدو جلياً اهتمام دلع المفتي بوجوه المرأة الكثيرة، معنية بالتفاصيل الصغيرة، متنقلة بين مشاهد تدركها عين فاحصة لأم تنقلب من كائن ضعيف يتقبل الركل والضرب إلى وحش بري حين تصل المهانة والألم إلى جسد ابنتها الصغيرة.. أو لزوجة تؤمن بحدسها بشكل قاطع أقرب ما يكون إلى اليقين من غير احتمالات أخرى.. أو حتى في حكاية جدة تتلبسها وساوس الطهارة فتجعلها تغسل كل شيء سبعاً.. أو في ذعر مستبد لأم على براءة طفلتها فتقدم جسدها بديلاً دون كثير تفكير..
وأيضاً انسياقاً مع الفكرة وسطوة متطلباتها جاءت قصتان من المجموعة تحولت فيها الأشياء ( الطبلة – اليد) إلى كائنات ناطقة تحكي معاناتها..
هي تنويعات رشيقة عبر قصص المفتي.. كمنجز تأتي قيمة النص عبر الحيز الذي يتركه عند المتلقي..
إن حيوية المجموعة في اختلاف حدتها وتنوع إسلوبها وتطرقها إلى الشائك والعادي والمهم وحتى الأقل أهمية من القضايا يجعل الحكاية/ النص يصل إلى مبتغاه المراد منه، من غير أن يعاني مشاكل تتعلق بعدم الوضوح أو الإبهام الذي تتعمده بعض الكتابات

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.