03 مارس 2017

ذاكرة غابرييل غارثيا ماركيز ليست حزينة أبداً.. قراءة في رواية (بيت الجميلات النائمات لـ ياسوناري كاواباتا


" بيت الجميلات النائمات" رواية الياباني ياسوناري كاواباتا، هو الكتاب الوحيد الذي ود الكاتب الكولمبي غابرييل غارثيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل لعام 82  لو يكون كاتبه.
هذا الاعتراف جاء في مقدمة قصة قصيرة له عنوانها  – الجميلة النائمة -
لكن يبدو أنها فكرة ( زنانة ) بقيت تلح إلى أن كتبها في رواية تحمل عنوان – ذاكرة غانياتي الحزينات- صادرة عن دار المدى وترجمة صالح علماني.
يتشابه فضاء الروايتان، في بيت دعارة يقدم خدماته على شكل علاقات جنسية مع فتيات صغيرات نائمات تحت تأثير المخدر.. لكن ما الذي يمكن حدوثه بين صحفي في التسعين من عمره وبين صغيرة نائمة طوال ما استغرقه زمن الرواية؟ .
لا يمكن القلق على روائي معتق مثل غابرييل فقد اعتمد على غرائبية هذه العلاقة وتحولها العاصف من رغبة مجون عابر إلى شعور راسخ بالحب.
إنها حكاية صحفي عجوز يريد أن يحتفي بعيد ميلاده فيتصل ب روسا كاباركاس صاحبة ماخور
ليقضي ليلته تلك مع عذراء صغيرة، 
هكذا يلتقي متأخراً بمعجزة الحب الأول وهو في عقده التاسع ليعيش بين لذة وهم يصنعه عن فتاة ينام إلى جوارها دون أن يعرف اسمها وبين واقع حياته التي مرت دون أن يعرف الحب إلا في علاقات جسدية عابرة.. فيؤكد بأنه لم ينم مع امرأة باستثناء داميانا خادمته إلا ودفع لها وسجل اسمها في مفكرة خاصة تحتوي 500 اسم..
لكن " الجنس هو العزاء الذي يلجأ إليه المرء عندما لا يحصل على الحب " .
ولأنه كاتب ولأنه صحفي فقد كرس زاويته الأسبوعية للكتابة إلى هذه الصغيرة التي تبدو " واقعية إلى حد أن لها عيد ميلاد" ، دون أن يلمسها أو يعرف اسمها،  تستبد به لهفة صناعة تاريخ لها فيقرأ لها كتاب الأمير الصغير ويهديها دراجة ، يسمعها موسيقاه المفضلة، ويترك فوق مخدتها بعض الهدايا الصغيرة.
لكن حادثة قتل مصرفي تؤدي إلى إغلاق النزل وتشميعه وأيضاً  توقف ليالي السعادة تلك، وتتحول إلى الخوف والشوق وأيضاً إلى قلق من العثور عليها صاحية، والجزع من فقدها كاحتمال كبير، فيقول :
" الحقيقة أني لم أكن قادراً على تحمل روحي وبدأت أعي الشيخوخة من هواني في الحب "
يتقاطع محور الحب كثيمة أساسية في الرواية مع ذاكرة فذة لرجل تسعيني يتحدث بسلاسة عن تفاصيل حياته..بيئته.. موسيقاه.. كتبه.. وعلاقاته النسائية عبر قفزات زمنية رشيقة استغرقت مئة وثلاث صفحات.
يمكن قول الكثير عن جوانب روعة هذه الرواية، فإلى جانب الشخصيات المرسومة بإتقان واللغة (السحرية ) طرية الملمس، والتماسك المذهل للأفكار وتسللها عبر الصفحات،  فإن"  ذاكرة غانيات الحزينات " رواية تعبق بالأحاسيس الإنسانية التي تترفع عن الجنس وتنتصر لمطلق الحب دون نزوات،  إذ يتجاوز البطل في خاتمة الرواية مشاعر الغيرة التي استبدت به ويسامح حبيبته بل
ويوصي لها بكل ثروته بعد موته، مفضلاً أن تكون إلى جانبه ما بقي له من حياة، متقبلاً النصيحة
" افعل ما تشاء ولكن لا تضيع هذه المخلوقة، فليس هناك نكبة أسوء من موت المرء وحيداً "
تبقى كتابات غابرييل غارثيا مركيز خلطة سحرية بين الخيال والواقع ينتصر فيها للحياة من منطق الحب، ليجعله مقاوماً للموت والانطفاء
" فليست السن هي ما بلغه أحدنا من العمر، بل ما يشعر به "  

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.