03 مارس 2017

ساق العرش رواية تنتقد ذهنية المجتمع الكويتي وتتبناها : قراءة في رواية (ساق العرش) للكاتب محمد هشام المغربي

مقدمة لابد منها:
 (ساق العرش) رواية صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2007، جاءت في 192صفحة من القطع المتوسط، وتعتبر العمل السردي الأول للشاعر محمد هشام المغربي بعد أربعة دواوين شعرية، عنوان الرواية وكذلك مفتتحها الذي يبدأ بمقولة للإمام علي بن أبي طالب " أرى تراثي نهباً" يهيئنا كقراء إلى تلمس أجواء العمل، وهيكله العام..  وكلاهما، العنوان والمقولة ، تحيلان إلى أجواء دينية شيعية.. فماهي الرسالة التي أراد الكاتب ايصالها إلينا عبر تلك الاشارات، وهل حقق غايته؟

عن ساق العرش:
الرواية توزعت على فصول أربعة حمل كل منها عنواناً مختلفاً: الثلث الباقي/ متاه النأي/ هجرة الموال الأخير/ غنائم فادحة.
أما الاحداث فتدور  حول (أحمد النازح ) الذي يعاني منذ الصفحات الأولى من خلل النسيج الاجتماعي الكويتي، والذي ينظر إلى درجة مواطنة الفرد من خلال أصوله الأولى، وقلق أحمد لايقتصر فقط على المواجهات اليومية لجنسية تعود في أصلها إلى العراق، بل أيضاً الظروف السياسية التي تجعل من ورقة التجنيس تلك ليست أكثر من سبة وتهمة بعد أن غزا صدام الكويت.. " فأنا لست نجدياً مثلك ولا فارسيا كغيرك .. أنا الثلث لباقي" ص33 ...
وحبكة الرواية تدور حول سر يحتفظ به أبو أحمد متكتماً حول نسبه وجذور عائلته، مخفياً الورقة التي توضح ذلك النسب،  ومن خلال فقرات تتقاطع وتتصل من حيث السرد الزمني نتواصل مع ذاكرة أحمد وسيرورة حياته بين الجدة والأب ورفقاء الجامعة، التي يتطرق من خلالها إلى المشهد السياسي والاجتماعي داخل الكويت، وأخيراً علاقته المتوترة مع عبلة الفتاة التي أحبها وتزوجها ومن ثم فقد عاطفته نحوها..!
الشخصية المحورية الثانية في الرواية هي (علي )الجندي  في الجيش العراقي، لا يبدو مقتنعاً بمعركة هو مجرد أداة فيها، فشخصيته بعيدة عن العنف والقتل، يظهر محايداً ، مجبراً، وعالقاً تحت وطئة ظروفه، يتعاطف مع أهل الكويت البلد التي جاءها غازياً، ويسكت عن نشاط شبان من المقاومة يسكنون في حي ( الدوحة )، الحي الذي يتولى هو ومجموعته حراستها، يُقتل شاب من تلك المجموعة، فتؤول له ملكية صندوق خشبي يحتوي على أبيات شعرية قديمة لايبدو أن هناك رابط بينها..
وبعد أن يعود إلى بلده يسكنه هاجس حل رموز الورقة بطريقة السيمياء والدلالة متنقلا في العراق بين مدينة وأخرى ليصل في نهاية المطاف إلى حل الشفرة ويكتشف أنها وثيقة نسب تعود إلى آخر ابن من سلالة الخليفة العباسي السادس والعشرين، العائلة التي هربت من بطش الوهابين في العراق فلجأت باسم مستعار إلى الكويت.. لكن قبل أن تصل الورقة إلى صاحبها الذي يقضي اجازة عند أهل زوجته في الاردن يقتل بطريقة غامضة وتنتهي الرواية .

المتن/ الخطاب
إذ يقول بول ريكور" إن النصوص تفرض ضوابط تفسيرها" ، وأنا هنا كقارئـ/ة لاأدعي سوى أني تتبعت الاشارات التي تركها كاتب الرواية عبر محورين متوازين، معتمداً على عامل المصادفة الذي يدير أغلب مفارقات حياتنا، في أسلوب حداثي بعيد عن كلاسيكية القص، هذا الشكل الحداثي الذي يهمل الإطالة والوصف،  ويبني الرواية على القطع والوصل للاحداث وللزمن دون التقيد بتسلسل محدد، إن الإشارات المبثوثة داخل العمل سواء من خلال الشخوص أو من خلال الراوي تأتي لتعمق فهم المجتمع الكويتي ضمن عين تراه من الداخل، وإذ تمضي هذه الإشارات بحمولاتها الخفيفة التي تميل إلى تقديم الاجتماعي من خلال عبئه النفسي أو نقل هذه العبء النفسي المتشكل بسبب الفضاء الاجتماعي للنص فهي تشكيل سواقي تحفر مجراها في ذهن ومعرفة القارئ عن المجتمع الكويتي لتلتقي في نهاية النص في بحيرة واسعة يمكنها أن تحيل إلى معرفة القارئ بهذا المجتمع، فقارئ الرواية ستكون معرفته بالنسيج الاجتماعي للكويت أعمق منها قبل قراءته لهذا العمل، ولأكن أكثر مصداقية، استدعتني شخصياً لأستوضح عن بعض النقاط، ولأفهم المشهد الاجتماعي العام .

الحبكة، والشخصيات:
تدور حبكة الرواية بكل فصولها حول قضية مازالت شائكة، تعاني منها الكويت في صراعات داخلية مذهبية وعرقية تصنع شعباً متنافراً على عدة مستويات، هي قضية الانتماء، واختلاطاتها مع مفهوم المواطنة، وسطوة مايعنيه كل ذلك في مفردات تصوغ مفاهيم هذا المجتمع، الذي يؤكد ضمنا وعلانية على الجذور وقيمة النسب والأصل والفرع. " مديرنا كلما رآني يربت على كرامتي ( المو أصلية) بالشغف نفسه الذي يربت فيه على مؤخرة منيرة" ص50، مما يساهم في خلق مشاعر اغتراب ونقمة وانطواء على الذات، وهو الوضع الذي تحتكم إليه شخصية البطل( أحمد ) بمشاعرها وعلاقاتها، كأنه وسط دائرة طباشير، يتمزق بين وطن ينتمي إليه، ووطن لم يعد له ولا يعرف جذوره فيه.. ولأننا في عالم لايملك العصا السحرية لحل المشاكل، فأحمد يتعايش مع ظروفه، وإن لعنها في داخله، ويتلازم هذا مع مشاعره نحو عبلة زوجته التي يكرهها ضمناً ويهرب من مواجهتها إلى الاستلقاء في حمامه الساخن، يريح أعصابه من أي جدل محتمل، ولابأس البتة من أين يدفع المال
( كأتاوة) ليضمن ذلك، فعبلة أيضاً لم تحبه كإنسان، وكل مايهمها منه حسابه في البنك، ولذلك فهذه الشخصية بقيت تتحرك في سياقات الصدفة وماتفرضه الظروف، ولايتغير هذا الحال حتى حين ينضم إلى مجموعة شبان المقاومة، ولأنها شخصية هشة منذ البداية فهي تبقى كذلك حتى النهاية.
وفي المقابل فإن شخصية العراقي (علي )تبدو لنا مسالمة، تحتكم لظرفها، فهو جندي في حرب لاتمثله، وتنتابنا الدهشة من صداقته وتعاطفه بل وتغطيته لنشاط شباب المقاومة، وهو تورط خطر في ظرف لايعرف الرحمة، لكن علي لايخشى  على نفسه، ونجده بدافع الفضول أو بدافع تحمله لعبء مقتل صاحب الصندوق أمامه، فهو لايقف ساكناً بل يحاول بكل السبل والوسائل حل رموزها والوصول الى معانيها .
الحوار:
جاء الحوار بَرقي خاطف مكثف ومبتور، كلمات قليلة خبرية تتدافع على ألسنة أصحابها، غايتها الاخبار والتوضيح ، وبنفس الروح تقريباً تتقافزالأحداث بسرعة في الزمان  والمكان بضربات سريعة من الكلمات، فنكاد لانرى قبل الفصل الأخير أي توسع أو مونولوج داخلي مطول، وكأن الراوي يتعمد ذلك، فيما عدا تسريب لاشارات مختصرة لتصوير المشاعر والتركيز على حالة الزعزعة النفسية للبطل في مكان جغرافي يعتد بأصوله ونسبه ..
في  الفصل الأخير تتحول اللغة السردية عن وجهتها لتحل مكانها  اللغة الشعرية والمعبرة عن حالة الحب الطارئة، فما يتباطأ الايقاع السردي ليهتم أكثر بالتفاصيل.. فتظهر قدرات الشاعر/ الرواي لتورطنا بالجو العاطفي للحالة.
رأي:
تأتي الخاتمة بنهاية فجائعية هي موت البطل أو مقتله الغامض، لتضعنا أمام فداحة مفهوم الخسارة، وانهزام الانسان قبل أن يعثر على أناه، مخلفاً وراءه أحلامه وأوهامه في الحب والانتماء والمواطنة..
الرواية لا تتبنى مقولات كثيراً، ولا تتطرق لاشكاليات خارج فكرتها الأساس، فهي منذ لحظتها الأولى مشدودة إلى بناء روائي محكم بلا استطرادات ، لكن بدا لي أن الكاتب من خلال الرواية والتي من المفروض أنها تنتقد فكرة حكم القيمة المستمدة من الاصول أيا تكن، وتنتصر للانسانية ومجمل السلوكيات، إلا أنه في الوقت نفسه نراه يعزز تلك القيمة ضمن منطق الأعراف والتقاليد، فيفرد فصلا كاملاً ساعياً وراء نسب، منساقاً  ضمن الأعراف والتقاليد نفسها، ويمتد هذا  ليشمل شخصية البطل أحمد التي تجدها في نقاشاتها ناقمة على فكرة الأصول التي تحكم النظرة الاجتماعية لكنه في الوقت نفسه يسعى جاهداً لمعرفة أصول انتمائه، بل أن البطل يتورط من حيث يدري أو لايدري، فيلقي حكم قيمة مضمر حين يقول في الصفحة 32: " لو أن أبي نطق بأصلنا أو أشهره أيا كان.. أقبل حتى لو كنت هندياً!"
إضافة إلى أن فكرة المعاناة بقيت بعيدة عن تعاطفنا الكامل، كونها اقتصرت على استنطاق داخلي حول هاجس النسب ضمن أجواء يسر وتعايش وعلاقات مستوفية لشرطها الاجتماعي بشكل عام، وإذ تدور فكرة الرواية حول التراتبية الاجتماعية المستمدة من النسب والأصل وغياب فكرة المواطنة الكاملة التي أصبح لها إطار قانوني هو درجات الجنسية؛ فقد  تجاهلت الرواية عرض مشكلة غير محددي الجنسية أو ممن يسمون الـ( بدون)، والتي تعتبر قضية تمس أيضاً النسيج الاجتماعي وفكرة المواطنة.


ليست هناك تعليقات: