الألفة الفاتكة، هي واقع الحال الذي تعيشه ( ام عبدو) بين جدران غرفة يتيمة عليها أن تحتويها هي وابنها وكنتها، وتضطرها لان تسمع الى تفاصيل الحياة الحميمية للزوجين الشابين..! وواقع الحال هذا يختلف كثيرا عن الشروط التي يجب أن تتوافر في السكن كي يمنحنا – كما تقول الكتب- السكينة والأمان، فيستر على خصوصيتنا وأسرارنا وعرينا، والمفروض أن تتوفر فيه أيضا الشرط الصحي، ولا اقصد الشمس والهواء وشروط النظافة فقط، على رغم أهميتها جملة وتفصيلاً ، بل أيضا أن نختار ( البيت ) الذي نعيش فيه، فلا نضطر إليه اضطراراً، لذلك مثلا ، لا أستطيع تخيل معنى " بيت الطاعة" لا بصيغته الشرعية ولا الإنسانية ، حيث تجر الزوجة من شعرها، لتمارس المطلوب منها برغبة الشرع والقانون والعرف الاجتماعي.. تماما كما لايمكن لي تخيل( السجن) على أنه مكان آمن، رغم ما تقدمه ضمانات الأسوار والقضبان والأقفال والحراس.. إذ يكمن الأمان في حرية الخروج والدخول من المكان، دون شروط وقيود إلا الرغبة الشخصية، ولهذا كانت الأبواب،وفي الاماكن المقبضة التي تضغط بوطأتها على الأنفاس حتى تخنقها، لاشي أكثر نفعا من القدرة على التخيل، لصنع عالم أرحب من حصار المكان، والاستعانة بأحلام اليقظة، لاستعادة لقطة باهتة تفسح للروح برهة، فنخلع أجسادنا، ونسترخي إلى لحظة نحب أن نعيشها، ننسحب إلى داخلنا، ونختار القوقعة المناسبة، لعزلة مريحة، في ركن عاطفي، نستعيده من الماضي، أو نبتكره بشريعة (الحاجة ام الاختراع):، همهمات نصغي إليها بانتباه...نجازف في السفر، وخفافاً تحملنا الريح..نستعيد ملمس وجه طفلة.. نسقط في حضن الليل.. نسمع قلبا نسيناه داخل صدورنا.. نساكن عصفورا في عشه أعلى الشجرة.. نتذوق قهوتنا في فنجان من فخار سومري.. نشم رائحة الموج الغاضب.. ونتذكر نقر الحصى على نافذة عاشق.. ورطة الضوء وذنب العتمة.. اسم كتبناه على غبش الزجاج.. ظل يتبعنا كلما هربنا منه.. استراحة الجمر في مدافئ الطفولة.. البرتقالة الأطيب تحت أضراسنا.. الأبيض المتواضع.. خزانة الأسرار.. سترة صوفية بقبة عالية.. ارتعاش يديه.. مناديل التلاويح.. والصمت الذي مازال قادرا على أن يقول الكثير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق