12 يونيو 2008

فوبيا اغضاب الحبيبة: ابراهيم المصري


الأشدُّ وحشةً من حانةٍ بلا زائرين أنْ تُغْضبَ حبيبتك ، سيكون قلبكَ حينها مرتعاً للندم ولن يشفيكَ حتَّى .. قضمُ أظافر قدميك .قد لا تكون مُخطئاً لكنك أغضبتها بأخذ وجهِها إلى الحزن وتلك جريمةٌ تشبه أنْ تتورط في قتل طفلة .. فهل تتوخى الحذر كي لا تُعاقبَ يوماً بنزع أهدابِك.
سوف أحكي لكَ عن نفسي
أنا أحبُّها ...
تلك القديرةُ بجناحين يمكنهما احتضانُ الأرض وإنْ كانت تشبه عصفورةً قادرةً على احتضان سنبلة .. ودائماً ما أعيشُ فوبيا إغضابِها حتى أنْ كفي مبسوطةٌ بانتظار أنْ تعاقبني مثل معلمةٍ تعاقبُ التلميذَ الأحبَّ إلى قلبها .إنها لا تُعاقب وإنما تتركني مُبدداً بابتسامتها مثل قبضة ماءٍ يخترقها سهمٌ أخضر ثم تعيد على قلبي رأفتها : أنا لا أزعل منك .
يجب الآن أنْ .. أزعل .. من نفسي وأنْ أفكر في شكلٍ لعقابها كأن أمتنع عن التدخين أو أمضي يومين على الأقل بدون الاستماع صباحاً لفيروز ومساءً لموسيقى موتسارت .. وهذا عقابٌ في الرفاهية التي تمنعني من تعليق رقبتي بحبل يتدلى من السقف .
يشبه إغضابُ الحبيبة سكبَ اللبن على الأرض استعده إذن أو اسكب دموعك إلى أنْ يصل الماءُ إلى خصرك أو حاول أنْ ترضيها بغير كلمات الاعتذار تلك التي لا يمكن إنفاقها مقابل نومك مطمئناً في حضن حبيبةٍ لا تطلب منك أكثر من أن تكون عاشقاً صالحاً .لا تجلب هدية ولا تنحني
فقط كن قادراً على امتصاص سحابةِ الحزن من وجهها بقبلاتك ، أم أنك لا تتقن القبلات التي تشفي من الغضب وتحدق في يديك ببلاهةِ من استخدمهما لقطع شجرةٍ ورافة .
هل تعلم ؟ ...
حتى أذني كانت غاضبةً مني ولا أعرف لماذا الأذن بالذات تغضب أكثر من بقية أعضاء الجسد ، ربما لأن القلب حينها يكون طريد ذاته وخائفاً من العودة إلى العمل حتى لا تضبطه الحبيبةُ مُتلبساً باحتشاءٍ يشبه نوبةَ الصرع .لكن الأذن هي من يسمع .. كلمةَ الرضا .. وحينها تتدلى في بهجةِ كلبٍ اطمأن أخيراً إلى نومه في البيت .
أنت لستَ كلباً بالتأكيد ولا أنا فماذا لو كنا كلاباً أم أن كرامتنا كعشاق لا تسمح لنا بالنباح حين تطلب الحبيبةُ ذلك ...فلتطلب وسوف أنبح سوف أعوي سوف أموء إرضاءً ليديها اللتين تحبان أخذي كحيوانٍ أليفٍ وأحياناً كقرصانٍ يتوجب عليه هزيمة الأبد والعودة للحبيبة بانتصار الحياةِ على الموت وبانتصار الرضا على غضبٍ قد يفتح أبوابَ جهنم .هي لا تفتح أبوابَ جهنم ولكن العتاب يشق جسدي طولياً ولا أعرف كيف أجمعه مرةً ثانية إلا بين ذراعيها ، فلنكن في فطنةِ من هذبت أرواحهم تَكيةُ صوفيين يخشى أحدهم النومَ على جنبه الأيمن بينما تريد الحبيبةُ أن ينام على جنبه الأيسر ، وإذا لم تطاوعك ملابسك حين ترتديها فالتمس يدها تساعدك على خروجك للحياةِ مكسواً بنبل عينيها.
الجنة تحت أقدام الحبيبات ...
لأنهن حبيباتٌ وأمهاتٌ أيضاً وصديقاتٌ وعاشقاتٌ يبذلن من أرواحهن حريراً لا تنسجه المغازل ولا أنوال النسيج الحديثة ، بل ينسجه الدم المتفصد من قلوبهن .. فانظر أيَّ قلبٍ قد تغضبه حتى ولو لم تكن مُخطئاً .
بعض الخطايا بلا مغفرة
مثل أنْ تطلب الحبيبةُ .. قبلة
فتسهو عنها بتأمل الكواكب في أذنيكَ وقرٌ أنتَ وفؤادك أصَمْ
وعيناك لا تلمَّانِ جيداً بتضاريس شفتيها الناهضتين ..
يا إلهي ..
وتدعي أنك عاشقٌ ، كيف هذا وأنتَ محملٌ بخطايا لن يغفرها الله حين تقف بين يديه ويسألك :ماذا قدمت لآخرتك ؟
ثم يشير إلى حبيبتك ...
هل ستقول إنَّ العمل والديون وزحام المواصلات والبحث عن الذات وأموراً تافهةً أخرى عبأتك بأوزارٍ قد تغفرها حبيبتُك حين يسألها الله :
هل تغفرين له ؟
كلُّ حبيبةٍ .. مغفرة فكن حذراً حتى لا يبلغ السيلُ الزبى
هل تعلم ماذا يعني السيلُ وماذا يعني الزبي ؟
حسناً ...
السيلُ : طوفانٌ من الماء
الزبى : كلمة عليك البحثُ عنها في القاموس أنا لا أمزح يلزمك الكدح قليلاً
ربما صادفت كلماتٍ تثري لسانك بالعبارات الحلوة التي نحتاجها لمغازلةِ الحبيبةِ بدلاً من إغضابها .
ومع ذلك سوف أخبرك بتفسيري الخاص لكلمة : الزبى إنها تعني التورطَ في جريمةٍ مثل أن تقتل طفلة أو تغضب حبيبتك ثم تشعر أنك وحيد في صحراء منبوذة ، تتساقط أطرافك كأنك مصابٌ بالجذام وتتقرح روحك من احتمال أنَّ الحبيبة غير راضيةٍ عنك ولن يفيدك الإفراط في التدخين ولا الرسائل القصيرة على الموبايل ولا حتى أن تهاتفها وتدعوها إلى مصالحةٍ على هدية .
عن نفسي ...
لا أتحمل كلَّ هذا وإنما أدندنُ بأعصابي على إيقاع قلبها وإذا تألَمَت أكون في التأوه ، فنحنُ في الحلول جسدياً .. وبالطبع ، الحرص الزائد عن الحد يؤدي إلى ارتكاب الخطايا ، غير أنني دائماً ما أرتل .. فرتل معي :أعوذ بمغفرتك يا حبيبتي من ذنوبي وأعوذ يا حبيبتي من غضبك بواسع رحمتك .
ابراهيم المصري شاعر ومخرج من مصر يعيش في الامارات

ليست هناك تعليقات: