06 يونيو 2008

الخطاب الديني وصناعة الخوف: حامد بن عقيل( مقال منع من النشر)

'أبي، أنظر ما فعلت معلمة اللغة الإنجليزية في صوري التي على غلاف كتاب اللغة العربية'، وقدّمت لي سارة كتابها الذي تجاوزت معلمة اللغة الإنجليزية دورها حين مدّت يدها إلى كتاب ليست هي المعنية بتدريسه لطالبة الصف الثاني الابتدائي، وحتى لو كان الكتاب كتاب اللغة الإنجليزية فإن من المسلمات أن تترك المعلمة قناعاتها الدينية جانبا وهي تتعامل مع صور أرادت طفلة أن تزين بها غلاف كتابها فقامت المعلمة بوضع خط على رقاب هذه الصور. فصلت معلمة الإنجليزي الرأس عن الجسد!، دون شرح، ودون مبرر سوى الحرام الذي قد نتفق عليه وقد نختلف، لكننا لن نستطيع شرحه لطالبة في بداية سنتها التاسعة.مع سارة أيضا، وفي درس حول صفة الوضوء، أعلنت معلمة الدين أن التي لا تصلّي يخرج لها في قبرها ثعبان أقرع لتعذيبها على إهمالها وتقصيرها!. أجزم أن أحداً لم يطلب من هذه المعلمة تخويف ابنتي، وجميع طالبات الفصل، باسم الدين. وأجزم أن هذه الموعظة لم تكن سوى 'حسبة' يمارسها المعلمون في وطني بشكل يومي وعند كل سانحة بهدف وعظ الطلاب والحرص على أن يلتزموا الطريق القويم. لكن، أي طريق قويم هذا الذي يستهدف طلاب وطالبات المرحلة الابتدائية بوعظ لا يمكن وصفه بمفردة سوى مفردات الرعب والتخويف. وعظ يبدأ بفصل الرأس عن الجسد في صور 'زيَّنَتْ' بها طفلة كتابها، ولا ينتهي بالضرورة بالثعبان الأقرع الذي لن يرحم الصغار في قبورهم!.إن ما تقوم به وزارة التربية والتعليم في السعودية يشبه إلى حدّ كبير ما تقوم به وزارة الداخلية، فالأخيرة تفاخر بأنها قضت على الإرهاب، وأن لديها لجنة لمناصحة من ضلوا السبيل!، ولجنتها ما هي إلا مجموعة من المشائخ الذين كان لهم دور في إرسال أبنائنا إلى مجاهل أفغانستان، أو إلى أزقة الشيشان وبغداد وسراييفو. إن لم يكونوا قد مارسوا هذا الدور بأنفسهم فإنهم منتمين إلى ذات الخطاب المحرّض على الجهاد منذ أحداث الحرم في بداية هذا القرن الهجري وحتى أحداث تفجير العليا بعد غزو الكويت!. أما وزارة التربية والتعليم فإن جهدها المميز في تطوير مناهج التعليم في بلادنا يذهب أدراج الرياح لأنها تركز في تدريب معلمينا على المادة العلمية وطرق واستراتيجيات التدريس، متجاهلة أن من يقوم بتدريس هذه المقررات ما هم، في أغلبهم، إلا مجموعة محتسبة يمررون من أفكارهم ما يتناقض تماما مع التطوير الذي تحرص عليه الوزارة.المشكلة الأساسية في المملكة العربية السعودية تكمن في المنابر التي لازالت تجيِّش الناس ضد الآخر، وتدعوهم إلى شراء الآخرة بمحاربة كل من لا ينتمي إلى مذهب ديني محدد بضوابط لها بداية وليس لها نهاية، ولعل آخر مظهر من مظاهر هذه الحرب المستمرة ما صدر على هيئة بيان لاثنين وعشرين عالماً سعودياً بعنوان: ' احذروا الاغترار بحزب الله .. والرافضة مذهب بني على أصول كفرية'، دون نظر لوحدتنا الوطنية، أو حتى لمبدأ التسامح الذي جاء به محمد بن عبدالله. ثم إنني لم أعد أستغرب أن أجد خطيباً يقف على المنبر ليردد: 'كيف لا نخاف الشرك ونحن نرى كثيرا من (علماء) الأمصار الإسلامية لا يعرفون من التوحيد إلا ما يعرفه المشركون! دون معرفة بتوحيد الألوهية ومقتضياته!!'. نعم، فالتوحيد المفصّل إلى ربوبية وألوهية وأسماء وصفات هو الفيصل، بكافة اشتراطاته، وبكل ما يحمله من إقصاء ونبذ وتعسف في سبيل إثبات أننا البلد الوحيد الذي يسير على الجادة، ومن هذا الخطاب نتج سلوك الاحتساب الذي دخل مدارسنا في هيئة ثعبان أقرع ليفزع طالبات الصف الثاني الابتدائي عندما لا يصلين، أو جاء في هيئة حسبة تعطي نفسها الحق في فصل رأس الصورة عن جسدها على غلاف كتاب طفلة. والأمر لا يتوقف على 'محتسبة' التعليم العام، بل يتجاوزه إلى جامعاتنا، وبقية مؤسساتنا المدنية، إذ إن كل ما تقوم به الدولة من تطوير يصطدم 'وجوباً' بفكر متطرف لازال يتردد على منابرنا ليهدم كل بناء يريد لنا أن ننضم إلى ركب الحضارة الإنسانية المتسامحة والرحيمة.
حامد بن عقيل
ناقد وشاعر وكاتب سعودي

ليست هناك تعليقات: