22 فبراير 2017

لمَ غابت «المعارك الثقافية» عن ربيع الثورات..؟!

رصد لنا التاريخ العديد من المعارك الفلسفية والأدبية والفكرية التي أثمرت رؤى جديدة وفتحت آفاقاً مختلفة أضاءت مسيرة الانسانية، وأنعشت العلوم الانسانية، وقادت عربة الحضارة نحو المستقبل.
البعض منها شهير جداً كمحاورات افلاطون والتي اعتمدت على الحوار والمنهج الجدلي باعتباره طريق اكتشاف الحقيقة. وبعضها ابداعي على الطريقة الشعرية كما في الهجاء المتبادل الذي حفظته لنا كتب الشعر القديم للفرزدق والاخطل وجرير. وبعضها عبثي متوتر كما هي خصومة جان بول سارتر والبيركامو. وبعضها ساخن تحول من النقد الى الخصومة الشخصية كالتي جرت بين العقاد واحمد شوقي وانتجت فيما انتجته كتاب (الديوان في الأدب والنقد). أو تلك التي دارت بين العقاد والرافعي.
وهذا غيض من فيض، فالمعارك الفكرية عالمياً وعربياً لا تعد ولا تحصى، وهناك كتب على قدر كبير من الاهمية تناولت أشهر وأهم المعارك الادبية في التاريخ، يمكن الرجوع إليها والاطلاع على خصومات الفكر الفريدة.
من المعروف أن النهضات الأدبية العظيمة تترافق عادة بالحماسة واشتعال فتيلة السجالات والمداولات وتصاعد وتيرة النقد التي تؤدي إلى نظريات جديدة وتفتح باباً على عوالم لم يسبق التطرق إليها، وذلك في عموم ميادين المعرفة؛ الأدب والفكر والاجتماع والفلسفة.
تلك النقاشات كانت تستأثر باهتمام الصحف فتغني صفحاتها بالمقالات والرسائل المتبادلة، وتتابع عن كثب التفاصيل والمستجدات، بل وتغذيها بمداخلات لأطراف أخرى، متكفلة بمهمة نقلها إلى القراء وجعلها قضية أكثر انتشاراً وأعم فائدة.
منذ خمسين عاماً لم تقدم لنا الحضارة فيلسوفاً جديداً. في زمننا الحالي (الهابط بكل معاييره) لم نعد نرى ولم نسمع ولم تنقل صحفنا لنا معركة فكرية حامية الوطيس، فنحن محاطون بالكامل بأخبار الانفجارات والحروب الطاحنة وأسلحة الابادة الشاملة.
بالطبع هذا لا يعني أننا نفتقر إلى المعارك بين الادباء، فهي موجودة عبر الزمان والمكان، ففي النهاية المثقفون بشر يمتلكون كل نزعات الخير والشر، يعيشون تفاصيل الحياة ونزقها وهمومها ومعاركها كل بحسب طبيعته وبيئته. لكن (الخناقات) الحالية بعيدة تماماً عن مفهوم المعركة الادبية فهي تنطلق من نزاعات شخصية وثأرية وتستخدم وسائل الضرب تحت الحزام. يساعد على اشعالها واشاعتها وتصعيدها مواقع التواصل الاجتماعي التي تنوب عن مهمة الصحافة والصحفيين، وليس عليك كفضولي سوى متابعة البوستات أوالتغريدات بين بعض الادباء والمثقفين لتقف على آخر تطورات النزاع وحصيلته من الأقاويل والاشاعات والتلميحات، فيما يتخذ عدد من المريدين على عاتقهم مهمة تغذية الحدث بالوقود المناسب، متحيزين إلى هذا الطرف أو ذاك، أو متكفلين بدور العميل المزدوج لتعميق الشرخ.

الحقيقة أن متابعة هذه النزاعات – إن كنت تمتلك الوقت – أمر مسلٍ جداً، وعيبه الوحيد أنه غير مفيد بالمرة. 

من تحقيق اجرته أفراح الهندال ونشر في جريدة الكويتية

ليست هناك تعليقات: