إن إنتقاد الكاتبة المرأة في إبداعها بأنها تجنح نحو ثقافة الرجل وتكرر أنماط تفكيره، يعود إلى طبيعة المجتمعات التي مازالت تحت سيطرة نظرة ذكورية تحدد معايير الوعي، فالرجل العقل في مقابل المرأة العاطفة [كذلك الكثير من المتقابلات الحتمية] والتي تنمو كنماذج نمطية وقائمة منذ الأزل، ويعتبر كسر الأنماط إستثناءا لا قاعدة، لهذا تأتي الكتابة بعمومها بما يتوافق مع السلوك الحياتي، والشخصيات في السرد تحمل عناصر الواقع على فجاجته إذ غالباً ما تدفع الشخصية الناشز الثمن في اضطهاد المجتمع، هذا الخطاب نجده في عموم الأعمال الروائية والقصصية عادة، ومن الظلم تحميله للمرأة الكاتبة وحدها. أما إن تحدثنا عن تبني المرأة في كتاباتها الأعراف والمفاهيم السائدة وابتعادها عموماً عن الصراحة في تبني قيم مخالفة وطرحها والدفاع عنها، فهذا الأمر مشروط بوعيها لوضعها الخاص الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والفكري وما تريده بالفعل من الكتابة، هذا الوضع لا يختلف فيه المرأة الكاتبة عن الرجل الكاتب، فالإبداع الذي يشترط مناخاً من الحرية صار يعاني من تحسبات كثيرة، بعد أن طالته المساءلة التي تصل أحياناً إلى القضاء أو إلى التكفير.. لهذا فأنا على وجه الدقة لا أجد تصاعداً يمكن تسميته بظاهرة "المرأة الكاتبة التي تتكلم بلسان الرجل" إلا فيما يأتي ضمن ضرورة وخصوصية النص.. بل على العكس، في مرحلة سابقة، كنت ألاحظ ميلاً قد يصل إلى حد الإفراط في التعبير عن خصوصية الذات الأنثوية وطغيان الصوت النسائي على غيره من أصوات العمل، بحيث يتحول إلى بوح إنفعالي وبالتالي إلى عبء يفقد دلالاته الجمالية والموضوعية.. خاصة حين يتعلق بالإضطهاد والمعاناة الذين يسببهما الرجل، فتدور الكتابة في فلك رد الفعل وتحدي الذكورة.. أما اليوم فبالإمكان وبسهولة رصد أسماء كاتبات انتهجن الجرأة، والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى الإباحة سواء كان بهدف الإنتشار واستقطاب اهتمام الإعلام الذي يحتفي بكسر التابوهات بغض النظر عن القيمة الإبداعية، أو بهدف تشكيل قطيعة غير مسبوقة، وتسجيل مواقف حادة في وجه القمع الممارس ضد صوت المرأة.. وأقصد هنا على وجه الخصوص عدد من الروائيات السعوديات.. وفي مجمل الأحوال فإن المنتج الأدبي الحديث صار يرتبط بالذات مما يفسح مجال التعبير برحابة سواء للكاتبة المرأة أو الكاتب الرجل. كما أرى أن النظر إلى القلم النسائي وتوجهاته، وعدم شموليته ضمن رؤية عامة نقدية للمنجز الإبداعي عموماً، هي نظرة يجب تجاوزها إذ أن المرأة لم تعد ضيفاً طارئاً على الأدب، فبحسب ما رصده الناقد نضال الصالح إحصائياً أظهر عقد التسعينات خمسة وأربعين صوتاً نسوياً جديداً في الرواية والقصة في سورية، أي نحو ضعفي ما قدمته تجربة السرد السورية طوال ستة عقود من تاريخها.. في النهاية، أجد أن المرأة الكاتبة استطاعت طرق كل مجالات الإبداع بتميز وثقة وخصوصية مشهودة، ماعدا ما يخص الكتابة الساخرة، فهذا المجال، ربما الوحيد، الذي لم تتحقق فيه المبدعة بصمتها الخاصة.. فلماذا؟
مشاركتي في تحقيق اجرته الصحفية نوّارة الحرش
http://www.alnoor.se/article.asp?id=90864
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق