22 فبراير 2017

المرأة العربية وكتابة الذات: حوار اجراه كمال الرياحي

- كيف تكتبين الجسد الأنثوي في مؤلفاتك ؟
إن إحاطة الكتابة بقوالب جاهزة بمعنى تنميطها، أو إجبارها هو خروج على الشرط الإبداعي لها، وهذا ينطبق أول ما ينطبق على محددات الكتابة خارج فنيتها وأعني بدقة هنا الكتابة الإبداعية..
 فالإبداع بشكل عام هو استنساخ الحياة، صورة أخرى عنها.. ننبش حيواتنا وذاكرتنا، هواجسنا وأنواتنا  لخلق حياة موازية شبيهة أو مناقضة، حالمة أو أشد واقعية من الحياة ذاتها..
 الكتابة شهوة للحياة، وبالتالي يمكن اعتبارها إضافة عمر آخر لحياتنا المحدودة بحكم الموت القصري..
 وهكذا أجد الكتابة على أنها فعل هروب من الموت الفيزيولوجي للجسد الإنساني نحو رغبة في الخلود...
بشكل شخصي وككاتبة قصة قصيرة أغرق في تفاصيل الحياة التي ضمنها حكماً،ودون استدعاء بالاكراه ثيمة الجسد الإنساني برباته ونوازعه.. وليس عبر تجريده وعزله كشيء منفصل، إذ لايمكن عزل الجسد الانساني عن موضوع الإنسان  أو الكتابة عنه بشكل مستقل، لأن أي فصل هو تعسف في المقام الأول ومن ثم هو عدم وعي بفطرية الحياة وشموليتها، وليس للكتابة وحسب.

- كيف تكتب المرأة الجسد الأنثوي و هل تكتب شهوة في الكتابة أم تكتب الشهوة  ؟
كون الجسد الأنثوي أصبح ثيمة لدى الكتاب (ذكورا وإناثاً) فهو نزوع نحو المسكوت عنه، نحو المخفي نحو الملتبس، قد يكون هذا مبرراً.. بل قد يكون مفهوما أن تعبر المرأة عن إحباطات جسدها أو عما يشكله لها جسدها كعائق أمام الحياة في مجتمع يسلعه ويعلبه ويفصله عن حياة الكائن..
  بل وقد يكون مفهوما أيضاً أن يكتب رجل عن الجسد الأنثوي من منطلق أن هذه الأنثى هي شريكته في الحياة وجسدها لا ينفصل عن حقيقة حضورها المادي في لعبة الحياة وهو أي جسدها جزء من وجودها .. لكن الذي يحدث أن هناك رغبة تسويقية تجر البعض ذكورا وإناثا نحو الكتابة عن الجسد وليس منه أو فيه..
للأسف هذا النمط  الكتابي يحقق حضورا سريعاً  لكنه لا يدوم، كفقاعات الهواء، تلفت النظر ثم تتلاشى
أما الكتابات الانثوية والذكورية وأقصد هنا بأقلام كتاب أو كاتبات، التي تملّت الجسد الأنثوي بإمعان، سابرة أغواره وعلاقته بتركيبة النفس، فهي الكتابات التي تدوم وتؤثر وتبقى.
أما لماذا هذه وليست تلك، فأيضاً للأسف مامن مقياس جاهز لسوية الإبداع بما لايقبل الشك أو النقض،  وما من وصفة جاهزة لطريقة تناول الجسد في الكتابة، فربما ما أراه في بعض النصوص توسل الإثارة يراه غيري جزءاً أساسياً من النص، وهذا يحدث حسب زاوية النظر إلى الأشياء  لكل منا وبحسب تشكلاتنا الحياتية والمعرفية.

- هل سقطت المراة  في الكتابة ذات الحسّ الذكوري؟
 كون الكتابة انعكاس الذات تلك التي هي صنيعة مجتمعها، سواء أدركت ذلك أم لا، فإن انعكاس النظرة السلوكية ومن ثم الكتابية سيتبنى بعض أو كل وجهات نظر هذا المجتمع.. وأحياناً برفضه على الإطلاق،
في كلا الحالين القبول الأعمى أو التشدد الأقصى، هو تخبط انفعالي. إن التعبير عن وعي ثقافي مستقل  خارج القوالب التشيئية وبصوته الخاص هو ما يحتاجه الحضور الإبداعي النسائي.. وبالمقابل فإن البنية النقدية الذكورية حين تكون بعيدة عن المنهجية، وفي مقاربات مسطحة انطباعية، فإنها تخذل تجربة المرأة الكتابية، وتعيق نموها التراكمي.

-         هل استغلّت المرأة الكاتبة فضول القارئ الرجل حتّى تحقق شهرتها بترويج الجسد الأنثوي المعطوب؟
النموذج موجود لكن اسمح لي أن السؤال هنا منقوص، لأن هناك الرجل الكاتب الذي حقق شهرته بترويج الجسد. وكلاهما امرأة ورجل/ كاتبة وكاتب، كنموذجين مقصودين يسلعان التجربة الكتابية. السقوط  وارد أما في حال النجاح فسيبقى أني. لست بصدد محاصرة الإبداع بتقييد حرية متناولاته، لكن أريد أن أذكر أن تاريخ الإبداع لم يحفظ لنا سوى النصوص التي خلدت نفسها بخاصية تميزها وليس بناء على آليات ترويجها آنذاك..

- لماذا يدافع النقّاد الرجال عن كتابات نسائية متواضعة فنّيا بدعوى انها جريئة ؟
الكتابة شأن شخصي مثلها مثل كل مفاصل حياتنا، ومادمنا في الكتابة ومهما كان الموضوع الذي تتناوله أرى أن الفنية هي المعيار الأساسي للحكم الناضج على النصوص بغض النظر عن الموضوع.. فلا يمكن لي أن أمجد الجرأة إذا جاءت بشكل مترهل فنيا.. كما يمكن لي أن أمجد وأدافع عن كتابة نافية عنها صفة الابتذال مهما كان طرحها إذا كانت ذات سوية فنية عالية.. السؤال من الذي يحدد ذلك في ظل اختلاط الحابل بالنابل وغياب الناقد الموضوعي، الواضح والجريء في آن؟.. هنا سيكون معياري شخصي وألجأ إلى ذائقتي التي شكلتها عبر قراءتي وعبر رؤيتي للحياة..
بشكل عام أنا أثق بالقارئ وبقدرته الفطرية على الفرز، حتى حين يدفعه الفضول إلى الاطلاع على أعمال (جريئة ) فهو رغم قراءته لهذه الأعمال – وهذا ما يبرر تحقيقها مبيعات عالية- إلا أنه يطلق في النهاية توصيفاً حقيقياً ومختصراً لما قرأ.
أما الناقد فلديه اعتبارات كثيرة، منها ما هو داخل النص، ومنها ما هو خارجه، ومنها اعتبارات تخص الوسط ( الثقافي )، وعدم رغبة أحد بكسب عداوات، كونه أصبح وسطا مغلقاً حاله يشبه حال جلسات النميمة وأعتقد أن الانفصال عن المؤثرات التي خارج النص أصبح أصعب الآن في ظل آليات الاتصال الحديثة.
لذلك تجد من يدافع عن أعمال رديئة ليس فقط لجرأتها بل لاعتبارات شتى وكثير منها أو أغلبها خارج النص..

  - هل يمكن أن يكون مثال نوال السعداوي انموذجا صحيّا لكتابة المرأة ؟ و هل سجنت قضية التحرر كتابة المرأة في حلقة مفرغة ؟
أحيي تجربة نوال السعدواي على صعيد التميز والتفرد .. قد لا أتفق مع كل أفكارها، وهذا أمر إيجابي للتنوع الفكري والانفتاح على مطلق الأفكار دون تبنيها بآلية الببغاوات، لكني أقدر تجربتها الكتابية كنموذج قادر على أن يطرح خياراته وتحدياته في عمق مجتمع مغلق ورافض لأسباب التغيير جملة وتفصيلاً، كما أن لتحليلها المنهجي والعلمي أثره في دراسة خصوصية المجتمع المصري ومشاكله.
ومما هو خارج النص أيضا القضية الحامل، أرى أن سجن كتابات المرأة في قضية تحررها هو ظلم للكتابة، كما هو ظلم لهذه القضية أيضا، ف (تحرر المرأة ) ليس قضية منفصلة عن قضايا المجتمع الأخرى حتى يتم التعامل معها على نحو خاص. إن المرأة جزء من هذا المجتمع وهي لاعتبارات تخص التخلف الذي نعيشه تعاني كما يعاني الآخرون. إن حل مشكل المجتمع بكليتها
( التنمية – البطالة – التعليم – الديمقراطية – حقوق الانسان ) سيعني ضمناً حل قضية المرأة كونها موزعة داخل هذه القضايا، دون انفصال، وبالرغم من الأشياء/ الضغوط التي تخص المرأة بوصفها نوع نعم.. لكن حتى هذه لا يمكن النظر إليها بمعزل عن قضايا المجتمع..
فكيف نطالب بحرية المرأة في مجتمع مقموع بمجمله؟ وكيف للمرأة أن تنجو بنفسها من قضايا المجتمع، وتقيم جزيرتها المعزولة عن المجتمع تبني فيها تحررها؟.
أنا أنظر إلى الحياة بشكل كلي وجمعي، وهذا يعني أن المرأة قبل كل اعتبار آخر هي إنسان مثلها مثل الرجل توحدهما هذه الصفة الجامعة..


نادي الفكر العربي
http://www.nadyalfikr.com/showthread.php?tid=39531&pid=1026747022


ليست هناك تعليقات: