16 نوفمبر 2008

رثاء محمد خالد القطمة

خالد الذِكر أو الذكر الخالد
فاطمة حسين

لقد غيب الموت قبل ايام قليلة الصحافي القدير والكاتب الكبير محمد خالد قطمه.. واحد من فرسان الكلمة الصادقة - رغم قلتهم - وأحد الاعمدة التي نشأت على اكتافها صحافة الكويت. وصاحب الفضل الكبير في غرس بذور «الحرفية» في شارع الصحافة. الرجل الذي احبه تلامذته واصدقاؤه، واحترمه تلامذته ايضا واعداؤه.

قابلته في النصف الاول من سبعينات القرن الماضي، قدمني له الاستاذ الكبير محمد مساعد الصالح رئيس تحرير مجلة «الهدف» آنذاك وكان المرحوم يشغل منصب ادارة تحريرها، قدمني كمساهمة جديدة لكتابة الصفحة الاخيرة وكانت بعنوان «وجهة نظر».

ما ظهر لي ساعتها من شخصيته سوى النشافة بدلا من الطراوة المتوقعة والجدية بعيدا عن الهزل، والاصرار على الدقة المتناهية دون تراخٍ ولا تنازلات، حتى برزت امامي علامة استفهام كبيرة كيف يمكنني ان اتعامل مع هذا الشخص؟؟؟ فغلب فكري اهمية البحث عن مساحة مشتركة حتى وجدنا نفسينا نلتقي في واحة وسط الصحراء العربية الممتدة من الخليج الى المحيط وتعاونا على الإنبات فيها، بعضا من إيمانه بالقومية السورية وزعيمها انطوان سعادة وبعضا من ايماني بالقومية العربية وعرابها ساطع الحصري.. لكننا اختلفنا على الأولويات والاختلاف صحة نسجت بساطا أحمديا لصداقتنا حتى يوم خطفته يد المنون.

عملت معه وتحت امرته كاتبة متدربة، لكنني لا أنسى غيمة الخوف التي كانت تحتل تجويف صدري كلما أمسكت بالقلم متصورة حركة قلمه الأحمر عند المراجعة، لكن يشهد الله عليّ وهو اليوم بين يدي ربه انني ما سمعت منه قط سوى كلمات الإطراء والتشجيع.

لقد أضاء لي ابونضال دروب قلمي بديلا عن القول عبر الأثير المسموع منه والمرئي - الذي استنزف طاقتي كما كان يتصور - لأن الكتابة - كما كان يردد على مسامعي هي توثيق للفكر ومرونة للغة تأخذ الإنسان باتجاه النمو - ثم يضحك - حتى يصل الى حدود الإدانة المؤكدة فلا مفر ولا مبررات للإنكار.

ليرحمه الله، عندما انضم الى كوكبة العاملين في الرأي العام أشبعنا من جوع كنا نبحث عن سده في صحافة لبنان وخاصة النهار والحياة حتى دخل عالم التأسيس على الأصول التي كان يتقنها فكانت «اليقظة» ثم «الهدف» ثم «الوطن» حتى وصل الى «الأنباء» واستقر بها مؤسساً ومديرا للتحرير ومستشارا من 1976- وحتى عام 1990 فكان هو المؤسس والصانع والاب الروحي -مهنياً- زمن قد شكل فيه هو وبعض من ربعه مثل سمير عطا الله وغيرهما فصاغوا موجة اعلامية جادة وجاذبة وعالية المهنيةونثروها في شارع الصحافة وأظن ان القيادات الصحفية اليوم هم خريجو تلك المدرسة ونتاج تلك الموجة.

واذكر هنا للكاتب صالح الشايجي برنامجاً تلفزيونياً جاداً استضاف فيه كل الاخوة العرب الذين احبوا الكويت كأبنائها واكثر، وعندما استضاف (المرحوم) رفض ان يسمى (الكويت) وطنه الثاني واطلق مقولته المشهورة (الوطن التوأم).

لخالد قطمه عوالم كثيرة وكبيرة لكن الصحافة كانت له عالم العوالم يحيا بها يتنفس عبرها ويغضب عندما يختصر القوم الصحافة بالورق والقلم فهي بالنسبة له حياة متكاملة نامية متحركة فالصحافة لديه علم وفن وحرفة وتحتاج للمهارة في كل باب من تلك الابواب وفي نمو مستمر فهي كالإنسان نموه يأتي بالتوالد والتجدد حتى يستمر شبابه.

يرحمك الله ايها العزيز لقد اسعدت الكويت في حياتك بعملك وفي مماتك باحتوائها لجسدك، واظن ان جسدك ايضاً يسعد اليوم باستقراره وسط تراب احبه طوال عمره، هذا هو الحب المتبادل فليتغمدك الله برحمته.

ليست هناك تعليقات: