خالد المحب للكويت
طالب الرفاعي
إن الكتابة عن المرحوم محمد خالد القطمة، تعني أموراً أخرى، الكتابة عن صديق عرفته من خلال الصحافة والهم الثقافي العروبي أولاً، وعرفته أكثر من خلال عمله وانشغاله في دار سعاد الصباح. كنت أهاتف «أبو نضال» بين فترة وأخرى، أقول له:«صباح الخير».فيرد بنبرة صوته المميز:«أهلين».وما نلبث أن نلتقي، في مكتبه. يستقبلني باشا ومرحباً، ولابساً الدشداشة. وكأن لسان حاله يقول: أنا ابن هذا البلد، وهو حبي، ويستحق مني أن أرتدي زيه، أحمله لصق قلبي.خالد القطمة، أحد الرجالات العربية الذين أحبوا الكويت بصدق، وعبروا عن صدق حبهم بألف شكل وشكل، ولا أنسى موقفه الأصيل والمحب للكويت أثناء محنة غزو النظام الصدامي للكويت عام 1990. وكان آخر عمل تولاه قبوله القيام بالمسؤولية الثقافية لدار سعاد الصباح، وإصراره على متابعة كل ما يخص شؤونها، وترحيبه بأي مبدع أو مثقف أو ضيف زائر يعبر سماء الكويت.كنت أزور خالد القطمة، أتبادل معه الرأي حول القضايا الاجتماعية والثقافية المطروحة، وكان دائم الحديث عن الكويت، ورجالات الكويت الذين كتبوا بمواقفهم الخالدة تاريخ الكويت الجميل والناصع. وكان يروي ما يقول، لا بوصفه شاهداً بعيداً عن الأحداث، بل بوصفه حاضراً لها، وقارئاً لما بين سطورها، وقادراً على تسجيل مواقفها، ومثمناً دور الرجال في صنع التاريخ، ومؤمناً بأن الكويت دار أمن وأمان، وأنها كانت على الدوام فاتحة صدرها الرحب لاستقبال أي عربي يلجأ إليها.خالد القطمة، لم يكن طارئاً على الكويت، ولم يكن بعيداً عن نبض شارعها الإنساني والسياسي والاجتماعي والثقافي، لهذا كنت أجلس معه في السنوات الأخيرة، لأقرأ تأثره عن مجرى الأحداث، وحسرته على بعض الأمور الدائرة، ولكنه كان مؤمناً بأن هذه الأرض ولادة، وأنها قادرة على أن تحفر لنفسها مكانة، ومكانة مهمة بين الأمم.عرفت في خالد القطمة بساطته وتواضعه وصدقه وعزوفه عن الظهور الإعلامي الكاذب، وعرفت فيه نبذه للمظاهر الزائفة، وقدرته على قراءة الواقع قراءة صحيحة، ومن ثم تخير الطريق الصحيح. خالد الذي تربى في حضن الشعارات العربية الكبيرة، عاش في عقده الأخير، خيبة هذه الشعارات وانكساراتها، وعانى كما جيله من وجع الخيبة وتبعثر الحلم العربي، وكان أكثر ما يؤلمه اقتتال العربي مع أخيه العربي.في إحدى الزيارات الأخيرة له، وجدته وسيجارته، كان غارقاً في هدوئه وأفكاره، وحين سألته عن نظرة الهم التي لاحت في عينيه، قال: «كان حلم جيلنا أن يتوحد العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وها نحن نشهد اقتتاله».إن خيبة وألم خالد قطمة، هي خيبة جيل بأكمله، ووجعه ووجع أمة بأكملها.لخالد القطمة قلب أبيض أحب أهل الكويت، وأحب عطر الكويت، وأحب ثقافة الكويت، لذا قدم لها نضارة شبابه، وعصارة فكره، وارتبط بها مثلما ارتبط بوطنه، وكان قضاء الله أن تغفو روحه فوق ترابها.لروح خالد القطمة الطمأنينة في مثواه الأخير، وله منا الدعاء بالمغفرة، وعسى يا أبا نضال أن يتحقق في القادم من أيام الأمة العربية، ما ناضلت أنت ورفاق لك من أجله.إنا لله وإنا إليه راجعون.
طالب الرفاعي
إن الكتابة عن المرحوم محمد خالد القطمة، تعني أموراً أخرى، الكتابة عن صديق عرفته من خلال الصحافة والهم الثقافي العروبي أولاً، وعرفته أكثر من خلال عمله وانشغاله في دار سعاد الصباح. كنت أهاتف «أبو نضال» بين فترة وأخرى، أقول له:«صباح الخير».فيرد بنبرة صوته المميز:«أهلين».وما نلبث أن نلتقي، في مكتبه. يستقبلني باشا ومرحباً، ولابساً الدشداشة. وكأن لسان حاله يقول: أنا ابن هذا البلد، وهو حبي، ويستحق مني أن أرتدي زيه، أحمله لصق قلبي.خالد القطمة، أحد الرجالات العربية الذين أحبوا الكويت بصدق، وعبروا عن صدق حبهم بألف شكل وشكل، ولا أنسى موقفه الأصيل والمحب للكويت أثناء محنة غزو النظام الصدامي للكويت عام 1990. وكان آخر عمل تولاه قبوله القيام بالمسؤولية الثقافية لدار سعاد الصباح، وإصراره على متابعة كل ما يخص شؤونها، وترحيبه بأي مبدع أو مثقف أو ضيف زائر يعبر سماء الكويت.كنت أزور خالد القطمة، أتبادل معه الرأي حول القضايا الاجتماعية والثقافية المطروحة، وكان دائم الحديث عن الكويت، ورجالات الكويت الذين كتبوا بمواقفهم الخالدة تاريخ الكويت الجميل والناصع. وكان يروي ما يقول، لا بوصفه شاهداً بعيداً عن الأحداث، بل بوصفه حاضراً لها، وقارئاً لما بين سطورها، وقادراً على تسجيل مواقفها، ومثمناً دور الرجال في صنع التاريخ، ومؤمناً بأن الكويت دار أمن وأمان، وأنها كانت على الدوام فاتحة صدرها الرحب لاستقبال أي عربي يلجأ إليها.خالد القطمة، لم يكن طارئاً على الكويت، ولم يكن بعيداً عن نبض شارعها الإنساني والسياسي والاجتماعي والثقافي، لهذا كنت أجلس معه في السنوات الأخيرة، لأقرأ تأثره عن مجرى الأحداث، وحسرته على بعض الأمور الدائرة، ولكنه كان مؤمناً بأن هذه الأرض ولادة، وأنها قادرة على أن تحفر لنفسها مكانة، ومكانة مهمة بين الأمم.عرفت في خالد القطمة بساطته وتواضعه وصدقه وعزوفه عن الظهور الإعلامي الكاذب، وعرفت فيه نبذه للمظاهر الزائفة، وقدرته على قراءة الواقع قراءة صحيحة، ومن ثم تخير الطريق الصحيح. خالد الذي تربى في حضن الشعارات العربية الكبيرة، عاش في عقده الأخير، خيبة هذه الشعارات وانكساراتها، وعانى كما جيله من وجع الخيبة وتبعثر الحلم العربي، وكان أكثر ما يؤلمه اقتتال العربي مع أخيه العربي.في إحدى الزيارات الأخيرة له، وجدته وسيجارته، كان غارقاً في هدوئه وأفكاره، وحين سألته عن نظرة الهم التي لاحت في عينيه، قال: «كان حلم جيلنا أن يتوحد العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وها نحن نشهد اقتتاله».إن خيبة وألم خالد قطمة، هي خيبة جيل بأكمله، ووجعه ووجع أمة بأكملها.لخالد القطمة قلب أبيض أحب أهل الكويت، وأحب عطر الكويت، وأحب ثقافة الكويت، لذا قدم لها نضارة شبابه، وعصارة فكره، وارتبط بها مثلما ارتبط بوطنه، وكان قضاء الله أن تغفو روحه فوق ترابها.لروح خالد القطمة الطمأنينة في مثواه الأخير، وله منا الدعاء بالمغفرة، وعسى يا أبا نضال أن يتحقق في القادم من أيام الأمة العربية، ما ناضلت أنت ورفاق لك من أجله.إنا لله وإنا إليه راجعون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق