خالد القطمة... رحل عن عالمنا مخلفاً أثراً نعشقهامتطى صهوة القلم كأحد مؤسسي الصحافة الكويتية
سالم أيوب
سالم أيوب
محمد خالد القطمة... عشق القلم فعشقه كل من يطرب لدفقات الكلمات واسترسال الجمل الجميلة التي تفوق الوصف عندما يقرأ له، رحل فقيد الصحافة وفارس الكلمة الحرة التي لا تخلو من النقد الجريء وصاحب عدة دواوين شعرية، بعد أن ساهم في تأسيس العديد من الصحف الكويتية التي تنقل في ما بينها خلال مسيرة عطائه المهني في عالم الصحافة، فقد كان يطرب فرحاً بالتحدي حين يستهل تأسيس صحيفة جديدة أو إعادة تأهيل أخرى.
كان الفقيد كاتباً جريئاً دخل صراعات طويلة مع أنظمة وأشخاص لا تقيم للحرية وزناً، فكان ذاك الشخص الذي لا يُنسى برحيله عن الدنيا الفانية بل يبقى إرثاً نتداوله في عالم الصحافة الكويتية.
بعد رحلة طويلة من الابداع وبعد صراع طويل مع المرض رحل عن دنيا الواقع المبدع والإعلامي الكبير محمد خالد القطمة عن عمر يناهز 74 عاما، رحل كي نتذكره، عند كل كلمة نخطها في صدر صفحات صحفنا، كالمعلم والملهم لمن سبق من الصحافيين أو اللاحق منهم إذا اقتدوا بفنون مدرسته في الكتابة.
امتطى الفقيد صهوة قلمه في رحلة طويلة من الإبداع الإعلامي والشعري ثم الإداري خلال عمله الأخير مديرا لدار نشر سعاد الصباح. هو صفحة من التاريخ، لا يستطيع الزمن ان يطويها من ذاكرتنا، امتدت لـ 35 عاماً من العطاء استطاع خلالها أن يمزج حالة الإبداع بالحالة الوجدانية التي كللت مسيرة حياته باقتدار، ولغيره كانت منارة لمن يرنون إلى التميز في حضرة بلاط صاحبة الجلالة «الصحافة».
كتب الفقيد الشعر وكتب المقال أيضاً... فكيف كان يفرق بين الأسلوبين في التعبير؟ قال رحمه الله: «المقالة هي أنا أما الشعر فانه التعبير الذي لا أملك السلطة عليه. في المقالة أقول ما أؤمن به ولا يتحقق لي ذلك في الشعر. لذلك كنت وسأبقى أرفض تسميتي بـ (الشاعر). هذه التسمية واسعة جداً على أمثالي. الشعر مملكة لست صاحب عرش فيها ولا طامع فيه».
لقد كان متواضعاً جداً ولا ينسب نفسه إلى مجال يرى أن هناك من هم الأقدر على حمل لوائه، ولكنه في عالم الصحافة التي عبر من خلالها عن أفكاره بحنكة السياسي المقتدر لم يتنازل عن عرشه الذي بناه. ولكن بعد مضي سنوات طويلة من أحداث عاناها العالم العربي، اختصر خلاصة عمره السياسي بأن قال: «ليس هناك ما يستحق أن تموت من أجله. ما أراه في لبنان وغزة والعراق والجزائر يجعلني، ولأول مرة، كارهاً لعروبتي وأشعر بالمهانة. نظرة واحدة إلى «غزة» جعلتني أتمنى لو لم أولد في هذا العصر وفي هذه الأرض وباللسان العربي».
النشأة والعائلة
ولد عام 1934 في مدينة حماة في سورية، درس في مدارسها الابتدائية وبعدها ذهب الى المدرسة الأميركية في طرابلس بلبنان ثم الجامعة الأميركية في بيروت، وحاز ليسانس الآداب عام 1957.
أما حياته الشخصية فقد نشأ في أسرة مترابطة، وكان يحب والده كثيراً معجباً به لأقصى درجة بسبب ذكائه ونجاحه في عمله كمحام، أما عن علاقته بوالدته فقد كانت مميزة جداً على الدوام لعطفها وحنانها عليه وتشجيعها الدائم له، لكن علاقته بإخوته وأخواته لم تكن متواصلة بسبب هجرته وتركه البيت منذ عام 1947.
تزوج من «نورا عازار» حيث تعارفا في احدى الحفلات إلى جانب أنهما سجنا معاً في اوائل عام 1962، وعندما خرجا من السجن تزوجا في اليوم التالي مباشرة، له من البنات نضال ومنى وحبيبة وله ابن واحد اسمه مجد، وبسبب ظروفه الصحية لم يعد يستطيع مزاولة هواياته في أيام الشباب، حيث كان يكتفي بمشاهدة مباريات كرة القدم.
مسيرته المهنية
ساهم الفقيد في تأسيس وتدعيم العديد من المؤسسات الصحافية الكويتية، وكان احد رواد الصحافة الكويتية والعربية، بدأت مسيرته المهنية حين كان للقدر كلمة عندما سجن في ثكنة الامير بشير في اليوم المحدد له لمناقشة اطروحته لنيل درجة الماجستير، وأول ما كتبه نشر على الصفحة الاولى في جريدة «صدى لبنان»، ثم عمل مدير تحرير جريدة البناء، وهي جريدة للحزب السوري القومي الاجتماعي، وعمل ايضا مديرا لادارة البرامج الثقافية في التلفزيون السوري ثم فصل من عمله في عهد الانفصال عام 1963.
ولعزوفه عن الخدمة العسكرية في الجيش السوري استدان ورهن بيت والدته ليدفع البدل العسكري، مما جعله تحت وطأة تسديد دين مرهق. قرر محمد خالد القطمة الهجرة فكانت الكويت هي وجهته التي جاءها عام 1963، وكانت بدايته العملية في جريدة الرأي العام، التي استمر بها 7 سنوات، ثم أسس مجلة اليقظة عام 1970 تلتها جريدة الهدف عام 1971، ثم جريدة الوطن عام 1973 إلى أن حط ترحاله في واحته الخضراء (جريدة الأنباء) عام 1976 التي استمر فيها لـ 15 سنة.
واثناء الغزو الغاشم كلّف بإصدار جريدة الأنباء في القاهرة، وهكذا كان مشواره الطويل في التأسيس والعمل الصحافي ليعتزله بعد التحرير وينضم الى دار سعاد الصباح للنشر، ويصبح مديرا لها الى يوم رحيله عن الدنيا. وانطلاقاً من رابط الوفاء مع معشوقته «الصحافة» اكتفى باطلالات سريعة من خلال بعض الكتابات في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية.
الذكريات والشعر... و«قباني»
مع أن الفقيد توقف عن كتابة الشعر ولكن أحياناً كان يعبره شطراً منه وأحياناً كثيرة لا يكمل أبياته. وكان متعلقاً جداً بالذكريات فلم تتركه لحظة من ليل أو من نهار. وأكثر ما سكنته من ذكريات العمر هي في بيروت، والجامعة الأميركية تحديداً. فكان يشعر أن تلك السنوات العشر هي كل عمره ولعلها كانت كذلك. فقد عرف خلالها العقيدة السورية القومية الاجتماعية والنضال والسجن والدراسة والصحافة والحب فالزواج.
وكانت له علاقة جيدة بالشاعر الراحل نزار قباني وكان يهاتفه بعد أمسياته الشعرية أحيانا وهو في «البانيو»... فما حكاية جلوس نزار قباني بالبانيو بعد كل أمسية؟
يسرد الفقيد في احدى مقابلاته: أنه كان يتحسس من أن نزار قباني كان صديقه، مع أنه كان كذلك، ويضيف: منذ رحيل هذا الجبل والكل يزعم أنه كان صديقه. الجبال لا تصادق التلال أو السفوح، أنا أقول إنه كان يعرفني. من حظي أنني التقيته مرات إحداها كانت بعد أمسية شعرية له في معرض الكتاب بالقاهرة، أذكر أن جماهير عشاقه حاولت حمل السيارة التي كان يستقلها.
ويتابع: بعدها ذهب إلى فندق هيلتون النيل، وكنت أنزل فيه أيضاً. رن الهاتف وكان «الرائع» هو المتحدث. قال لي: هل رأيت ما رأيت. كان فرحاً كطفل طاهر. قال: أنا في البانيو أرتاح بعد هذا التعب. كان مخلصاً لشعره ولجمهوره لذلك كانت الأمسية تتعبه فيرتاح إلى الماء الساخن.
ويردف: أما حياة نزار قباني الشخصية فإنك تعجب حين تعرف أنه كان ذلك الإنسان العادي البسيط، البعيد عن المظاهر أو حب السهر أو الطرب. أكثر ما كان يمتعه هو الحديث في السياسة أو الشعر، وكم كان يسعده أن يكون بين مجالسيه من يحفظ بعضاً من شعره. كان يحب الأوفياء وهو الوفي وكان حريصاً على احترام الآخر واحترام ذاته.
كان الفقيد كاتباً جريئاً دخل صراعات طويلة مع أنظمة وأشخاص لا تقيم للحرية وزناً، فكان ذاك الشخص الذي لا يُنسى برحيله عن الدنيا الفانية بل يبقى إرثاً نتداوله في عالم الصحافة الكويتية.
بعد رحلة طويلة من الابداع وبعد صراع طويل مع المرض رحل عن دنيا الواقع المبدع والإعلامي الكبير محمد خالد القطمة عن عمر يناهز 74 عاما، رحل كي نتذكره، عند كل كلمة نخطها في صدر صفحات صحفنا، كالمعلم والملهم لمن سبق من الصحافيين أو اللاحق منهم إذا اقتدوا بفنون مدرسته في الكتابة.
امتطى الفقيد صهوة قلمه في رحلة طويلة من الإبداع الإعلامي والشعري ثم الإداري خلال عمله الأخير مديرا لدار نشر سعاد الصباح. هو صفحة من التاريخ، لا يستطيع الزمن ان يطويها من ذاكرتنا، امتدت لـ 35 عاماً من العطاء استطاع خلالها أن يمزج حالة الإبداع بالحالة الوجدانية التي كللت مسيرة حياته باقتدار، ولغيره كانت منارة لمن يرنون إلى التميز في حضرة بلاط صاحبة الجلالة «الصحافة».
كتب الفقيد الشعر وكتب المقال أيضاً... فكيف كان يفرق بين الأسلوبين في التعبير؟ قال رحمه الله: «المقالة هي أنا أما الشعر فانه التعبير الذي لا أملك السلطة عليه. في المقالة أقول ما أؤمن به ولا يتحقق لي ذلك في الشعر. لذلك كنت وسأبقى أرفض تسميتي بـ (الشاعر). هذه التسمية واسعة جداً على أمثالي. الشعر مملكة لست صاحب عرش فيها ولا طامع فيه».
لقد كان متواضعاً جداً ولا ينسب نفسه إلى مجال يرى أن هناك من هم الأقدر على حمل لوائه، ولكنه في عالم الصحافة التي عبر من خلالها عن أفكاره بحنكة السياسي المقتدر لم يتنازل عن عرشه الذي بناه. ولكن بعد مضي سنوات طويلة من أحداث عاناها العالم العربي، اختصر خلاصة عمره السياسي بأن قال: «ليس هناك ما يستحق أن تموت من أجله. ما أراه في لبنان وغزة والعراق والجزائر يجعلني، ولأول مرة، كارهاً لعروبتي وأشعر بالمهانة. نظرة واحدة إلى «غزة» جعلتني أتمنى لو لم أولد في هذا العصر وفي هذه الأرض وباللسان العربي».
النشأة والعائلة
ولد عام 1934 في مدينة حماة في سورية، درس في مدارسها الابتدائية وبعدها ذهب الى المدرسة الأميركية في طرابلس بلبنان ثم الجامعة الأميركية في بيروت، وحاز ليسانس الآداب عام 1957.
أما حياته الشخصية فقد نشأ في أسرة مترابطة، وكان يحب والده كثيراً معجباً به لأقصى درجة بسبب ذكائه ونجاحه في عمله كمحام، أما عن علاقته بوالدته فقد كانت مميزة جداً على الدوام لعطفها وحنانها عليه وتشجيعها الدائم له، لكن علاقته بإخوته وأخواته لم تكن متواصلة بسبب هجرته وتركه البيت منذ عام 1947.
تزوج من «نورا عازار» حيث تعارفا في احدى الحفلات إلى جانب أنهما سجنا معاً في اوائل عام 1962، وعندما خرجا من السجن تزوجا في اليوم التالي مباشرة، له من البنات نضال ومنى وحبيبة وله ابن واحد اسمه مجد، وبسبب ظروفه الصحية لم يعد يستطيع مزاولة هواياته في أيام الشباب، حيث كان يكتفي بمشاهدة مباريات كرة القدم.
مسيرته المهنية
ساهم الفقيد في تأسيس وتدعيم العديد من المؤسسات الصحافية الكويتية، وكان احد رواد الصحافة الكويتية والعربية، بدأت مسيرته المهنية حين كان للقدر كلمة عندما سجن في ثكنة الامير بشير في اليوم المحدد له لمناقشة اطروحته لنيل درجة الماجستير، وأول ما كتبه نشر على الصفحة الاولى في جريدة «صدى لبنان»، ثم عمل مدير تحرير جريدة البناء، وهي جريدة للحزب السوري القومي الاجتماعي، وعمل ايضا مديرا لادارة البرامج الثقافية في التلفزيون السوري ثم فصل من عمله في عهد الانفصال عام 1963.
ولعزوفه عن الخدمة العسكرية في الجيش السوري استدان ورهن بيت والدته ليدفع البدل العسكري، مما جعله تحت وطأة تسديد دين مرهق. قرر محمد خالد القطمة الهجرة فكانت الكويت هي وجهته التي جاءها عام 1963، وكانت بدايته العملية في جريدة الرأي العام، التي استمر بها 7 سنوات، ثم أسس مجلة اليقظة عام 1970 تلتها جريدة الهدف عام 1971، ثم جريدة الوطن عام 1973 إلى أن حط ترحاله في واحته الخضراء (جريدة الأنباء) عام 1976 التي استمر فيها لـ 15 سنة.
واثناء الغزو الغاشم كلّف بإصدار جريدة الأنباء في القاهرة، وهكذا كان مشواره الطويل في التأسيس والعمل الصحافي ليعتزله بعد التحرير وينضم الى دار سعاد الصباح للنشر، ويصبح مديرا لها الى يوم رحيله عن الدنيا. وانطلاقاً من رابط الوفاء مع معشوقته «الصحافة» اكتفى باطلالات سريعة من خلال بعض الكتابات في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية.
الذكريات والشعر... و«قباني»
مع أن الفقيد توقف عن كتابة الشعر ولكن أحياناً كان يعبره شطراً منه وأحياناً كثيرة لا يكمل أبياته. وكان متعلقاً جداً بالذكريات فلم تتركه لحظة من ليل أو من نهار. وأكثر ما سكنته من ذكريات العمر هي في بيروت، والجامعة الأميركية تحديداً. فكان يشعر أن تلك السنوات العشر هي كل عمره ولعلها كانت كذلك. فقد عرف خلالها العقيدة السورية القومية الاجتماعية والنضال والسجن والدراسة والصحافة والحب فالزواج.
وكانت له علاقة جيدة بالشاعر الراحل نزار قباني وكان يهاتفه بعد أمسياته الشعرية أحيانا وهو في «البانيو»... فما حكاية جلوس نزار قباني بالبانيو بعد كل أمسية؟
يسرد الفقيد في احدى مقابلاته: أنه كان يتحسس من أن نزار قباني كان صديقه، مع أنه كان كذلك، ويضيف: منذ رحيل هذا الجبل والكل يزعم أنه كان صديقه. الجبال لا تصادق التلال أو السفوح، أنا أقول إنه كان يعرفني. من حظي أنني التقيته مرات إحداها كانت بعد أمسية شعرية له في معرض الكتاب بالقاهرة، أذكر أن جماهير عشاقه حاولت حمل السيارة التي كان يستقلها.
ويتابع: بعدها ذهب إلى فندق هيلتون النيل، وكنت أنزل فيه أيضاً. رن الهاتف وكان «الرائع» هو المتحدث. قال لي: هل رأيت ما رأيت. كان فرحاً كطفل طاهر. قال: أنا في البانيو أرتاح بعد هذا التعب. كان مخلصاً لشعره ولجمهوره لذلك كانت الأمسية تتعبه فيرتاح إلى الماء الساخن.
ويردف: أما حياة نزار قباني الشخصية فإنك تعجب حين تعرف أنه كان ذلك الإنسان العادي البسيط، البعيد عن المظاهر أو حب السهر أو الطرب. أكثر ما كان يمتعه هو الحديث في السياسة أو الشعر، وكم كان يسعده أن يكون بين مجالسيه من يحفظ بعضاً من شعره. كان يحب الأوفياء وهو الوفي وكان حريصاً على احترام الآخر واحترام ذاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق