12 نوفمبر 2008

رثاء محمد خالد القطمة

الرجل الذي علمنا كيف نمسك بالقلم من الوسط
أعمق من العقل.. أحن من العاطفة
عدنان فرزات
أبعد الكتابات عن العقل أقربها من العاطفة.. ذلك انه من غمرة الحب تتضاءل العقلانية وتتلاشى أضواء الواقع، وقد ينهمر الكلام سخيا دون ضوابط ودون تقتير.. لا لشيء إلا لأن الذين نحبهم يتركون أرديتهم الدافئة فوق أجسادنا الحزينة، نلوذ بها من غربة الزمان.. ويخلعون علينا بردتهم حتى وان بردوا. كان «المعلم» خالد القطمة واحداً من هؤلاء الذين لا تحكم العقل بحبهم، بل تترك للعاطفة سطوتها.. تهواه كما تشاء. وقد يضيق الورق بذكر مآثر هذا «المعلم.. المؤسس»، لكن القلب بصفحاته التي لا تنضب يحمل له في كل نبضة فضلا ومعروفا وموقفا رجوليا، ويذكر باعتزاز قلمه الجريء وتاريخه العريق في تأسيس «مذاهب» صحفية، واتجاهات فكرية إعلامية.. لقد كان يفضل لقب الصحفي على أي لقب آخر.قبل عقد ونصف العقد من الزمن وجدت في غربة الدهر يدين من تبر الحكمة مبسوطتين كضلوع الآباء الذين تركناهم في بلادنا يلهجون بالدعاء لنا بأن نجد آباء مثلهم يعوضونا عن حكمتهم ورأيهم ومشورتهم وحنانهم.. كان هذا البديل هو «المعلم» خالد القطمة.كان الدرس الأول الذي لقننا إياه هو كيفية الإمساك بالقلم.. وذلك بأن نمسكه من «الوسط» فلا نميل به باتجاه اليمين كل الميل ولا باتجاه اليسار كل الميل.كان مخلصا جدا للشاعرة الدكتورة سعاد الصباح، وخاض معارك نبيلة للحيلولة بين الدار وعدد من الطامعين الذين نظروا الى مشروعها الثقافي من باب المال لا الفكر، فاستخلص منهم الدار ووضع خطواتها على الدرب النقي الذي وجدت لأجله.كان يتذكر بوفاء نادر ويردد على مجالس العلن وقفة الوفاء التي وقفتها معه الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح، بعد فترة الغزو الآثم وتركه لعمله، وكان يفرح كبهجة العيد فوق ثغر الطفولة حين نحمل إليه قصاصة من صحيفة كتبت عنها أو عن تجربتها الأدبية.ولأنه بهذا الوفاء فقد هيأ له الله تعالى من يذكر له صنيعه، معهم، وأنا أحدهم، وزميل هذه الصفحة الإعلامي عبدالستار ناجي يذكر له مواقف اكثر عمقا من خلال عمله معه في صحيفة الأنباء. ولأنه «المعلم» فحين نستذكر مواقفه أمامه كنوع من رد الجميل، كان يرمينا بابتسامة توحي بأن نتوقف عن الإطراء.ذات يوم سألته أن يختار الطريقة التي أرد له فيها جمائله، خصوصاً أن الله عز وجل كفاه حاجة الناس في شتى الأمور، فهزمني بابتسامة جديدة.. ولم أجد من يومها ما أرد به له الجميل سوى.. هذا المقال.ولأن أرواح الأنقياء لا تغادر عشق المكان.. فهو الآن مثلنا يقرأ دمعنا، ويسمع نواح القلم وهو يجر حزن حروفنا فوق الورق.. ثم يبتسم كونه مرة أخرى لا يحتاج منا الآن.. سوى الدعاء.

ليست هناك تعليقات: