14 نوفمبر 2008

نحن محكومون بالموت ياخالد

نحن محكومون بالموت ياخالد
سوزان خواتمي
رحل عاشق الحياة، محتفظا بقلب طفل ومزاج شاعر.. خطفه الموت من ذكرياته التي ظلت تلاحقه فلاتتركه لحظة من ليل او من نهار..محمد خالد القطمة رجل امتلك ذاكرة حديدية وتاريخا مقسوما بين السياسة والصحافة، وبسبب وطأة المرض الاخيرة احتفظ بين سبابته والوسطى بسيجارة مطفأة، وبحلم انجاز كتاب يترك بين دفتيه خلاصة تلك الذاكرة. في مكتبه المكسو بالخشب والمحاط بالهدوء، ستجد لوحة على الباب: (انا اكتب اذن انا غير موجود)، وعلى الجدار الأيسر علق كما من الصور تربطه كحبل الوريد بشخصيات واحداث وذخيرة عمر.. ولن يطول بك الوقت حتى تدهشك رغبة كل من حوله بتنفيذ تعليماته، ثم ستكتشف بالتجربة، ان نبله وكرمه معا كفيلان بضمك الى أولئك الذين يسعون الى ارضائه، رغم ذلك ستبقى عاجزا عن رد جمائله الكثيرة كشخص يؤمن بالعطاء دون انتظار المقابل.. المرض اللحوح افقده الهمة، واحساسه العارم بالنكتة. يتابع نشرات الاخبار ويتحسر مثقل القلب بهاجس الأمة التي مازالت تتهاوى، وهو من جيل دفع ثمن مبادئه وافكاره وعروبته الكثير..كي تعقد صداقة ما مع خالد القطمة عليك ان تكون فطناً ولماحاً، فهو يكتب مقالاته باسلوب ساخر، مليء بالمرارة، في كتابه (هارب من الاعراب ) يسـأله صديقه سمير عطا الله عن ذلك، فيجيب : «لماذا لانحاول ان نضحك من بعضنا وعلى بعضنا بعد ان مضت علينا قرون ونحن نبكي على حالنا ويضحك علينا الاخرون»؟وماعرفت شخصا اكثر نباهة من استاذي خالد في رواية النوادر وربطها بواقع الحال، أو في ملاحظة خلل ما، وتحويله الى قفشة ساخرة، يقول «يتزايد عدد المرات التي تخرج فيها علينا مذيعة التلفزيون لتقول: نأسف لهذا الخلل الفني. من جانبنا نرتاح كثيرا لهذا الخلل لانه اثناء عملية اصلاحه نشاهد صورا رائعة للطبيعة وللعصافير ترافقها موسيقا هادئة تريح الاعصاب وهي افضل بكثير من بعض برامج التلفزيون.. لذلك نرجو ادارة التلفزيون بث الخلل الفني لمدة اربع ساعات يوميا وبث البرامج في ساعتين فقط»15 عاما عمر معرفتي به، ومازلت أتهيب ان ادعوه صديقي رغم انه كان كذلك، وهو ايضا استاذي، قصدته اول مرة بعد فوزي بجائزة مسابقة سعاد الصباح، وله وحده قبل غيره، يعود فضل توجهي نحو الكتابة، قال لي : انت كاتبة قصة.. افكر اليوم، في التفاصيل، فلا أذكر منه توجيها مباشرا، كان يشجع دون اظهار تفوقه كفارق طبيعي بين استاذ وطالب.. هو صاحب السريرة الصافية، واليد البيضاء، الذي يحتفظ بالاصدقاء على مقربة من القلب.مثل شجرة الاعياد كان يحب صنع الفرح وتوزيعه على من حوله، فيفاجئ «طاهر» ببطاقة طائرة ليكون الى جانب زوجته فور ولادتها، ويفاجئ «محمد» باجازة مفتوحة لعلاج آلام ظهره.. كنت أعرف مثلي مثل غيري ان (أبونضال) مريض، وأعرف ايضا معنى رئتين معطوبتين في صدر يقاوم التأوه والالم، لكنه لم يكن يسمح لي بأكثر من سؤال : كيفك؟، فيجيب: منيح.. مختزلا كل مساحة مرضه الخطير.. ومع ذلك فقد فاجاني قراءة اسمه داخل مربع النعي فيما انا على متن الطائرة السورية في طريق عودتي الى الكويت، ومع الاعتذار لتحريفي مقولة سعد الله ونوس فنحن «محكومون بالموت»، الذي ينجح وعلى قدر المساواة بان يخطف كبيرا بقامة قطمة، ومن ثم يترك لنا حيزا من ورقة لنكتب فوقها عزاءنا، الذي سيبقى باهتا وسطحيا واقل بكثير من خالد.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

عزيزتي سوزان،

رحمه الله رحمةً واسعة


قلبي معك

هيفاء أبو النادي

سوزان خواتمي يقول...

يخليلي ياكي ياهيفاء
ويسلمولك احبابك يارب