المؤسس والشاهد خالد قطمة يرحل بعد 35 عاما من العمل في مهنة الصحافة والكتابة
آخر الأخبار يا «أبا نضال» أن المرض والوجع لم يفارقك حتى الموت
كتب حمزة عليان:
ليلة امس الاول اعادني خبر وفاة خالد القطمة الى شريط من الذكريات عن الصحافة الكويتية واللبنانية زاخر بالاحداث والاسرار والمفاجآت وما اكثرها في جعبة امتلأت عن آخرها، تنتظر من يوصلها الى حيث يشاء.التقيته آخر مرة قبل اسبوعين، كان في حالة وداع، ولم يشأ ان يتكلم كعادته «وبقفشاته» اللاذعة، التزم الصمت على غير عادته، لكنه شارك في الحديث عندما سمع ان جمعية الصحافيين تعمل على تكريم الصحافيين العرب الذين عملوا في الصحافة الكويتية، اراد ان يصحح «القاعدة» المهم ان يكون هؤلاء صحافيين بالأساس، اي قبل دخولهم الكويت، لأن الدخلاء على المهنة اصبحوا بالعشرات.هكذا كانت حياته، لصيقة بمهنة الصحافة والكتابة الى حد الاندماج والعشق منذ ان كان على مقاعد الدراسة وحتى لحظة وفاته.خالد قطمة، ذاكرة الصحافة الكويتية الحديثة واحد مؤسسيها، يرحل عن دنيانا بهدوء كما لم نعهده من قبل.صباح امس سجلت في مذكراتي رحيل شخض حمل في ذاكرته إرثا من تاريخ انشاء الصحافة الكويتية، وكان شاهدا على تأسيسها ومشاركا في بنيانها، وشاءت الاقدار ان يدفن في ارض احتضنته واحبها وكان وفيا لها.من نواعير حماه التي تركها شابا قاصدا بيروت، ليخرج منها صحافيا وكاتبا ملتزما حزبيا مع انطون سعادة، ويدخل السجن الى ان يأتي الكويت في بداية الستينات، وفيها كانت التجربة الغنية التي لم تتوقف حتى في ايامه الاخيرة، حيث ينتظر مولودا جديدا من مواليد الصحف بعد ان قام بتجهيزه وترتيبه بانتظار ساعة الصفر التي أزفت لنفسه قبل ان يرى هذا المولود، ولهذا اسمته زميلتنا حنان عبيد بعاشق تأسيس المؤسسات الصحفية.مؤسس للصحافة الكويتية، قول ليس فيه مبالغة من «اليقظة» عام 1970 الى «الهدف» عام 1972 الى «الوطن» عام 1973 الى «الانباء» عام 1976، تلك كانت محطات في تاريخ هذا الرجل، اكملها بتوليه ادارات التحرير ثم الكتابة التي اجادها بلغة سلسة ومبسطة وبأفكار واضحة, فكانت مجموعة من الاصدارات, منها "الاسبوع ستة ايام" و"قصة الدولة الدرزية" وديوان "نهر الاحزان" و"بين الوردة والسكين" و"كلام يشبه الشعر" و"هارب من الإعراب"..عندما يتحدث عن تاريخ الصحافة ومؤسسيها يستذكر اصدقاءه ويتكلم عنهم بإعجاب ووفاء, ادوارهم ومواقفهم. صعب ان ينسى احداً, ومن كان عنده معلومة يريد ان يستوضحها يلجأ اليه شارحاً ومفسراً ومبيناً الوقائع بالتواريخ والاسماء.كثيراً ما كان ينتقد اوضاع الصحافة الكويتية, حتى وان تسبب له ذلك بردود فعل غاضبة, لكنه كان دائماً صريحاً الى حد التمرد, وجد من يعارضه وآخر من يختلف معه وفوق هذا يطرب الحي بحرية افكاره وجرأته.لديه القدرة على الاعتراف بالخطأ, وليس عنده اوهام بحججه ودوره, فهو ليس بمؤرخ ولا روائي, كما قال في احد لقاءاته الصحفية, بل يكتب تجربة في الصحافة الكويتية قد يمر بها شيء من السلبيات التي عاشها, لكنه رجل له عينان لا عين واحدة, فيرى الجمال والقبح, ويرى الظلم والعدل.. هناك, حسب ما كان يعتقد ويصرح, محاولة لتضخيم السلبيات والتغطية على الايجابيات في الحياة.خلاصة التجربة التي أمدّته بمخزون ثقافي ومهني رسمها في عبارة له عندما سئل في حديث له مع الزميل علي صافي."أهم تطوير للصحافة الكويتية ان يتفرغ رؤساء التحرير لعملهم الصحفي الجليل, والنأي عن كل ما هو متصل بأصحاب الصحف من مصالح او مشكلات, واعتبار ان الجريدة للقارئ وليست لصاحبها".خالد قطمة, ذلك الكاتب الذي ابدع في وصف من احبهم, لا سيما والدته وشقيقته الكبرى وصديقه نزار قباني, الذي خاطبه بعد رحيله, ومن ارتبط معهم "ليس هناك في الدنيا ما هو اكثر قسوة من رحيل من تحب, خصوصا اذا كان الراحل صوتاً ابيض في ضميرك المغلف بسواد الاحداث وبشاعة الحقيقة", والنفس الحزينة حتى الموت.آخر الاخبار يا أبا نضال, ليس مرضك كما كنت تشي بذلك, وان كان رحيلك عنا سيفقدنا هذا الوجه الذي زاملناه على مدى ثلاثة عقود, بل لان المرض لم يفارقك منذ ولدت, وحين لا يجرحك الوجع كنت تحسب انك لست انت او ان دنيا غير دنياك هي التي تعيش فيها... أليس كذلك يا صديقنا وانت من قال تلك الكلمات؟سيرته قصة تستحق ان تروى, خصوصا اذا كان هو صاحبها وكما وردت في لقاء اجرته الزميلة حنان عبيد ونشر في "القبس" قبل خمسة اشهر تقريباًَ.كانت زوجته أم نضال, احد الوجوه التي لم تغب عن ذاكرته, ليتركها مع اولادها واسرتها تعيش على ذكراه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق