27 نوفمبر 2008

جدتي زينب

في رواية دونكيشوت، ظل البطل يحتضر طيلة ثلاثة أيام وهو محاط بالناس الذين يحبونه، لكن ذلك لم يمنع صديقه سانشو عن أن يكون منشرح المزاج (لأن واقعة وراثة شيء ما تمحو أو تخفف الحزن من أن الانسان ميت ولابد) لذلك سأبحث عن كل الجينات التي أفترض أن جدتي أورثتها لي، وسأنظر الى المرآة بدقة لأرى مستقبل تجاعيدي، هل سيكون لي وجهها.. ظل ابتسامتها.. اسنانها الاصطناعية اللامعة.. بل هل سأستطيع حمل شيء من قلبها الذي لايفنى؟ هناك من سيقول لي: وأي غرابة في أن تكون الجدة حنونا؟ وأقول: ليس كزينب، ليس كجدتي، فالحب لم يمر بين كفيها الا كي يقيم، ومن صوتها تَنبت الحكايات.. كانت تلك العجوز التركية تمددني على ساقيها حتى أنام، وتؤمن بأن حشر كل ما عندها داخل فمي جزء حتمي من الحب. في سنواتها الأخيرة التي طالت حتى أضجرتها، كانت قد أكملت استعداداتها لتذهب دون تكهنات الى راحتها، موقنة بايمانها وتقاها، بل لطالما فصلت لنفسها أفضل (سيناريو) ممكن لموت وشيك، أن يكون الجو معتدلاً مثلاً، كي لا يتجشم الآخرون عناء سوء الطقس، أو في صبيحة أول أيام العيد، اذ ستطرق العائلة جميعها بحكم العادة بابها..! بل كانت تشتهي لنفسها طريقة موت بعينها، سهلة، مريحة ( اكابرلية) ولا تربك أحداً.. ولكن الموت لم يكن قريبا كما أرادت، عاما بعد عام، تضمني الى صدرها وتتوقع أنها المرة الأخيرة، ولم تكن..!ماتت جدتي، ولم يكن موعدا قريبا، ولم يكن يوم عيد، ولا كانت على فراشها كما تمنت، بل على سرير المرض في مشفى كئيب، وبين أطباء تعودوا رؤية الألم حتى ماعادوا يبالون به..الأحزان تغسل النفوس، تنشرها تحت الشمس، وحين تمتلكك حقاً، تعفيك من وجودها، وتتركك أسير سطوة الحنين، وفي تساؤلاتك اللانهائية عن أسرار الكون، عن اليقين، عن مغزى الرحيل، وعن جهاته، فأين نذهب، ولماذا نذهب؟..جدتي بزوادة قناعاتها لم تخف من الموت، أما أنا فهدني الغياب، وكلما حل ليلٌ ولمست صلابة الأرض، أشفقت عليها من العتمة والوحدة والبرد..

23 نوفمبر 2008

رثاء محمد خالد القطمة

خالد القطمة .. فقط
حسن احمد عبد الله


أغمض على التاريخ روحه، وترك القصيدة شاردة في برية السؤال ، هكذا طوى ابو نضال ثلاثة أرباع القرن من الحيوية والنشاط والبشاشة والكفاح ، وكعادته دائما مجلجلا بالفرح ، صامتا بالألم مضى.
كان الزمن عن خالد القطمة قصيدة تكتب مفرداتها الايام ، فمرة مشرقة بالذكريات، ومرات بالمواقف، وهو من الجيل الذي كانت حياته مواقف ، اذ كانت الحياة وقفة عز فقط عنده ، منذ أن تلتقيه وحتى تودعه تبقى متشوقا للمزيد من الأحاديث والذكريات، هذا الرجل الذي أمضى 53 عاما في الصحافة ، كتب فصلا مهما من تاريخ الصحافة العربية ، هذه الصحافة التي كانت تكتب بأهداب العين وتقرأ بخفقات القلوب ، كانت المرآة التي ترى فهيا اشراقات الأرواح ، هذه الأرواح التي كان أبو نضال أحد الذين صنعوا خبزها، عجنوا تعبهم بالأرق والعرق، وبالدم أحياناً.
طوال عقد من الزمن كان عزيزنا الحكيم الذي يلقي حكمته في برية السؤال ، ليس لفارق العمر عنده أي معنى لأنه مؤمن بالعقول ، بالتلاقح بين الأفكار، هذا الرجل الذي غادرنا أول من امس يترك فينا الكثير.. الكثير من المحطات التي نقف عندها.
تاريخ خالد القطمة ليس مجهولا لنعيد التذكير به ، فهو في حد ذاته بعض تاريخ المنطقة، فلقد كان جريئا إلى درجة أن يكشف الى العالم اجمع فصلا من مخطط جهنمي لتقسيم بعض بلاد الشام حين نشر كتابه الشهير "الدولة الدرزية " وكان شفافا كالماء الرقراق في قصائده
أبو نضال " صدى لبنان" ، " البناء" ، " الايام" ، " الرأي العام "، " اليقظة " ، " الحدث" ، " الوطن" ، " الانباء" .
أبو نضال " الاسبوع سبعة أيام " " أبو اللطف" وسبحة طويلة من اللحظات التي تجعلك تعيد تهجئة الاسم مرة أخرى، لتعيد اكتشاف الرجل ، أبو نضال " دار سعاد الصباح" النموذج المشرق في عالم الابداع العربي
عصيةالعبارة أمام هول الصدمة ، لكن هذا هو القدر،أبو نضال الراحل ، سيرة أولى في زمن صعب، زمن المرارات العربية، زمن الانكسارات العربية، زمن الحض على التوقد كالجمر، هكذا كان الرجل الكبير في كل شيء يحضك على البدء دائما من جديد، على عدم الاستسلام للمرارات ، على عدم قبول الهزيمة، لقد كان قصيدة تعيد ترديدها دائماً..
أبو نضال .. وداعا
أمام رحيل هذا الكبير لايمكننا ان نقول الكثير .. لأننا في حضرة هذا الغياب المحزن..نتذكر فقط خالد القطمة.. فقط

21 نوفمبر 2008

رثاء محمد خالد القطمة



أبا نضال.. وداعا
كتب جابر محمد الهاجري :
تلقيت مكالمة من أحد ما يقول انه في طريقه إلى الشاليهات فوجد نفسه على مشارف الجهراء، فضحكنا «ضحك طفلين معاً»، واستغرقت في تلك المكالمة ونسيت أني بصحبة اثنين من كبار مؤسسي الصحافة العربية، كان ذلك قبل سنوات وكنا في بهو فندق الشيراتون.. فعدت إليهما معتذرا، فسألني خالد قطمة ضاحكا: «شو القصة ضحكاتك واصلة لآخر الدنيا.. فرحني شو؟».. رحمه الله، بابا خالد قطمة كان جميلاً رائعاً طفولياً في ضحكته وفي صفائه وصدقه، كنت أجد المتعة في لقائه مع سمير عطا الله أستاذي وصديقي العزيز كلما زار الكويت، حيث أرى لوحة جميلة من الوفاء والشوق والإخلاص بين صديقين حميمين في زمن ندر فيه الوفاء، كان لقاؤهما ممتعاً لي وفيه من الفائدة المعلوماتية والثقافية والصحافية الشيء الكثير، رحل الجميل خالد قطمة وكان أقل الواجب هو حضور اللقاء الأخير معه بحضور جنازته، طيب الله ثراه.رحل ذلك «الهارب من الأعراب»، وبرحيله طويت صفحة أخيرة في مسيرة أحد العمالقة في الصحافة العربية وخصوصا صحافة الكويت التي كان له الفضل في تأسيس العديد من الدور فيها، كان جميلا وكنت استمتع بنصائحه الصادقة والمعبرة عن حب. كان ينتقد مشيرا الى نقاط الخلل لأجل تقويمها كي تبقى صحافة الكويت في صدر الريادة كما يريدها.لن يكون هناك لقاء ثلاثي، وحتما لن ننسى الجميل خالد قطمة، وليس لنا سوى أن نتقدم بالعزاء لكل عشاق الكلمة الحرة الصادقة ولكل ابناء صاحبة الجلالة العربية والعزاء للأصدقاء والعزاء لسمير عطا الله الذي زاد من حزننا على راحلنا العزيز أبي نضال في تلك المكالمة التي يغالب فيها أبو نصري عبراته ودموعه.. حيث لن تكون هناك لقاءات أخرى مع خالد قطمة و«قفشاته» الجميلة.. لن يكون هناك سؤال من خالد قطمة عن أحوال صديقه سمير عطا الله كلما التقيت به.. ولن يكون هناك اشتياق لأخبار خالد قطمة وأحواله من سمير كلما التقينا في بيروت.. الرحيل سمة الحياة والوفاء من شيم الكبار.. رحل خالد قطمة كبيراً ورجلاً صاحب مواقف رجولية مع الكويت وأبناء الكويت.. لن ننسى عطاء خمسين عاماً في خدمة الكويت وصحافتها..أبا نضال سنفتقدك كثيرا يا صديقنا الكبير.. العزاء للسيدة نور ولمجد ولشقيقاته.. البقاء لله..

16 نوفمبر 2008

رثاء محمد خالد القطمة

خالد الذِكر أو الذكر الخالد
فاطمة حسين

لقد غيب الموت قبل ايام قليلة الصحافي القدير والكاتب الكبير محمد خالد قطمه.. واحد من فرسان الكلمة الصادقة - رغم قلتهم - وأحد الاعمدة التي نشأت على اكتافها صحافة الكويت. وصاحب الفضل الكبير في غرس بذور «الحرفية» في شارع الصحافة. الرجل الذي احبه تلامذته واصدقاؤه، واحترمه تلامذته ايضا واعداؤه.

قابلته في النصف الاول من سبعينات القرن الماضي، قدمني له الاستاذ الكبير محمد مساعد الصالح رئيس تحرير مجلة «الهدف» آنذاك وكان المرحوم يشغل منصب ادارة تحريرها، قدمني كمساهمة جديدة لكتابة الصفحة الاخيرة وكانت بعنوان «وجهة نظر».

ما ظهر لي ساعتها من شخصيته سوى النشافة بدلا من الطراوة المتوقعة والجدية بعيدا عن الهزل، والاصرار على الدقة المتناهية دون تراخٍ ولا تنازلات، حتى برزت امامي علامة استفهام كبيرة كيف يمكنني ان اتعامل مع هذا الشخص؟؟؟ فغلب فكري اهمية البحث عن مساحة مشتركة حتى وجدنا نفسينا نلتقي في واحة وسط الصحراء العربية الممتدة من الخليج الى المحيط وتعاونا على الإنبات فيها، بعضا من إيمانه بالقومية السورية وزعيمها انطوان سعادة وبعضا من ايماني بالقومية العربية وعرابها ساطع الحصري.. لكننا اختلفنا على الأولويات والاختلاف صحة نسجت بساطا أحمديا لصداقتنا حتى يوم خطفته يد المنون.

عملت معه وتحت امرته كاتبة متدربة، لكنني لا أنسى غيمة الخوف التي كانت تحتل تجويف صدري كلما أمسكت بالقلم متصورة حركة قلمه الأحمر عند المراجعة، لكن يشهد الله عليّ وهو اليوم بين يدي ربه انني ما سمعت منه قط سوى كلمات الإطراء والتشجيع.

لقد أضاء لي ابونضال دروب قلمي بديلا عن القول عبر الأثير المسموع منه والمرئي - الذي استنزف طاقتي كما كان يتصور - لأن الكتابة - كما كان يردد على مسامعي هي توثيق للفكر ومرونة للغة تأخذ الإنسان باتجاه النمو - ثم يضحك - حتى يصل الى حدود الإدانة المؤكدة فلا مفر ولا مبررات للإنكار.

ليرحمه الله، عندما انضم الى كوكبة العاملين في الرأي العام أشبعنا من جوع كنا نبحث عن سده في صحافة لبنان وخاصة النهار والحياة حتى دخل عالم التأسيس على الأصول التي كان يتقنها فكانت «اليقظة» ثم «الهدف» ثم «الوطن» حتى وصل الى «الأنباء» واستقر بها مؤسساً ومديرا للتحرير ومستشارا من 1976- وحتى عام 1990 فكان هو المؤسس والصانع والاب الروحي -مهنياً- زمن قد شكل فيه هو وبعض من ربعه مثل سمير عطا الله وغيرهما فصاغوا موجة اعلامية جادة وجاذبة وعالية المهنيةونثروها في شارع الصحافة وأظن ان القيادات الصحفية اليوم هم خريجو تلك المدرسة ونتاج تلك الموجة.

واذكر هنا للكاتب صالح الشايجي برنامجاً تلفزيونياً جاداً استضاف فيه كل الاخوة العرب الذين احبوا الكويت كأبنائها واكثر، وعندما استضاف (المرحوم) رفض ان يسمى (الكويت) وطنه الثاني واطلق مقولته المشهورة (الوطن التوأم).

لخالد قطمه عوالم كثيرة وكبيرة لكن الصحافة كانت له عالم العوالم يحيا بها يتنفس عبرها ويغضب عندما يختصر القوم الصحافة بالورق والقلم فهي بالنسبة له حياة متكاملة نامية متحركة فالصحافة لديه علم وفن وحرفة وتحتاج للمهارة في كل باب من تلك الابواب وفي نمو مستمر فهي كالإنسان نموه يأتي بالتوالد والتجدد حتى يستمر شبابه.

يرحمك الله ايها العزيز لقد اسعدت الكويت في حياتك بعملك وفي مماتك باحتوائها لجسدك، واظن ان جسدك ايضاً يسعد اليوم باستقراره وسط تراب احبه طوال عمره، هذا هو الحب المتبادل فليتغمدك الله برحمته.

14 نوفمبر 2008

نحن محكومون بالموت ياخالد

نحن محكومون بالموت ياخالد
سوزان خواتمي
رحل عاشق الحياة، محتفظا بقلب طفل ومزاج شاعر.. خطفه الموت من ذكرياته التي ظلت تلاحقه فلاتتركه لحظة من ليل او من نهار..محمد خالد القطمة رجل امتلك ذاكرة حديدية وتاريخا مقسوما بين السياسة والصحافة، وبسبب وطأة المرض الاخيرة احتفظ بين سبابته والوسطى بسيجارة مطفأة، وبحلم انجاز كتاب يترك بين دفتيه خلاصة تلك الذاكرة. في مكتبه المكسو بالخشب والمحاط بالهدوء، ستجد لوحة على الباب: (انا اكتب اذن انا غير موجود)، وعلى الجدار الأيسر علق كما من الصور تربطه كحبل الوريد بشخصيات واحداث وذخيرة عمر.. ولن يطول بك الوقت حتى تدهشك رغبة كل من حوله بتنفيذ تعليماته، ثم ستكتشف بالتجربة، ان نبله وكرمه معا كفيلان بضمك الى أولئك الذين يسعون الى ارضائه، رغم ذلك ستبقى عاجزا عن رد جمائله الكثيرة كشخص يؤمن بالعطاء دون انتظار المقابل.. المرض اللحوح افقده الهمة، واحساسه العارم بالنكتة. يتابع نشرات الاخبار ويتحسر مثقل القلب بهاجس الأمة التي مازالت تتهاوى، وهو من جيل دفع ثمن مبادئه وافكاره وعروبته الكثير..كي تعقد صداقة ما مع خالد القطمة عليك ان تكون فطناً ولماحاً، فهو يكتب مقالاته باسلوب ساخر، مليء بالمرارة، في كتابه (هارب من الاعراب ) يسـأله صديقه سمير عطا الله عن ذلك، فيجيب : «لماذا لانحاول ان نضحك من بعضنا وعلى بعضنا بعد ان مضت علينا قرون ونحن نبكي على حالنا ويضحك علينا الاخرون»؟وماعرفت شخصا اكثر نباهة من استاذي خالد في رواية النوادر وربطها بواقع الحال، أو في ملاحظة خلل ما، وتحويله الى قفشة ساخرة، يقول «يتزايد عدد المرات التي تخرج فيها علينا مذيعة التلفزيون لتقول: نأسف لهذا الخلل الفني. من جانبنا نرتاح كثيرا لهذا الخلل لانه اثناء عملية اصلاحه نشاهد صورا رائعة للطبيعة وللعصافير ترافقها موسيقا هادئة تريح الاعصاب وهي افضل بكثير من بعض برامج التلفزيون.. لذلك نرجو ادارة التلفزيون بث الخلل الفني لمدة اربع ساعات يوميا وبث البرامج في ساعتين فقط»15 عاما عمر معرفتي به، ومازلت أتهيب ان ادعوه صديقي رغم انه كان كذلك، وهو ايضا استاذي، قصدته اول مرة بعد فوزي بجائزة مسابقة سعاد الصباح، وله وحده قبل غيره، يعود فضل توجهي نحو الكتابة، قال لي : انت كاتبة قصة.. افكر اليوم، في التفاصيل، فلا أذكر منه توجيها مباشرا، كان يشجع دون اظهار تفوقه كفارق طبيعي بين استاذ وطالب.. هو صاحب السريرة الصافية، واليد البيضاء، الذي يحتفظ بالاصدقاء على مقربة من القلب.مثل شجرة الاعياد كان يحب صنع الفرح وتوزيعه على من حوله، فيفاجئ «طاهر» ببطاقة طائرة ليكون الى جانب زوجته فور ولادتها، ويفاجئ «محمد» باجازة مفتوحة لعلاج آلام ظهره.. كنت أعرف مثلي مثل غيري ان (أبونضال) مريض، وأعرف ايضا معنى رئتين معطوبتين في صدر يقاوم التأوه والالم، لكنه لم يكن يسمح لي بأكثر من سؤال : كيفك؟، فيجيب: منيح.. مختزلا كل مساحة مرضه الخطير.. ومع ذلك فقد فاجاني قراءة اسمه داخل مربع النعي فيما انا على متن الطائرة السورية في طريق عودتي الى الكويت، ومع الاعتذار لتحريفي مقولة سعد الله ونوس فنحن «محكومون بالموت»، الذي ينجح وعلى قدر المساواة بان يخطف كبيرا بقامة قطمة، ومن ثم يترك لنا حيزا من ورقة لنكتب فوقها عزاءنا، الذي سيبقى باهتا وسطحيا واقل بكثير من خالد.

رثاء محمد خالد القطمة

خالد قطمة.. من الخطابة والتحريض إلى المشاريع الثقافية الرائدة
د. نزار العاني
من حماة في سورية الى طرابلس وبعد ذلك الى بيروت.رحيل في الامكنة وفي ملفات القضايا الوطنية والعمل الطالبي الحزبي والدعوة المستمرة الى التغيير، تعب وكد في الدراسة والعمل والتطلع الدائب لتحقيق ذات لم تكن بعد تعرف ما تريد.سيرة خالد قطمة لا تروى في صفحة او صفحتين لانها كانت تستحق ان تكون موضوع كتاب يضيف الى المكتبة العربية شيئاً فريداً بمذاق مختلف، وعلى مدى سنوات طويلة كنت احاول اقناعه بضرورة تسجيل يومياته السياسية والثقافية لانها تشكل كنزاً لطلاب المعرفة، خصوصاً ان خالد كان على صلة بالحزب القومي السوري الاجتماعي الذي كان في قلب الواقع العربي الساخن في لبنان وفي سورية.وكنت كلما اقنعته بضرورة البدء بكتابة سيرة حياته، كان يتلكأ، فهو يستمرئ الحديث حول شجون وشؤون الامة اكثر بكثير مما يكتب عنها، وفي مرة من المرات طفح كرمه وقال لي سأبدأ في رواية سيرتي، وانت تتولى مهمات التحرير، وحمزة عليان يتولى التوثيق، وقبلنا، وكدنا نحدد الزمن للاقلاع في هذا العمل، لولا انه رجع الى المربع الاول، اي يدعوني مرتين في الاسبوع على العشاء، ليضع بين يدي ما يفيض عن حاجة ذاكرته.
مشاريع ذات نكهة
ثلاث سنوات لم افارقه لحظة واحدة، فقد عملت معه معاوناً للمدير العام في دار سعاد الصباح العامرة، نبدأ يومنا بفنجان القهوة والسيكارة والتخطيط للعمل، وأول مهمة كلفني بها مراجعة مواد الكتاب التذكاري للشاعر البحريني ابراهيم العريض، ثم توالت المهمات واحدة تلو الاخرى، فلم يكن خالد قطمة يركن الى الراحة، فسعادته الحقيقية في اطلاق المشاريع ذات النكهة غير المألوفة، ولعل العلامة الفارقة في عملي معه هي جوائز الشيخ عبدالله مبارك العلمية، وجوائز الدكتورة سعاد الصباح الادبية، اذ كان يفاجئني دائماً وانا المتخصص بالعلوم بعناوين الجوائز العلمية، فمرة عن التحنيط عن الفراعنة او مرة عن استخدام اشعة الليزر في الجراحات المعقدة، وثالثة عن دور العلماء العرب والمسلمين في بناء الحضارة الانسانية، اما الجوائز الادبية وعناوينها، فلم يكن ذهنه المتوقد ليخونه ابداً في الكشف الفريد والرائد لمواضيع لم تكن في الحسبان.
السياسة والأدب
من ساحات الجامعة الأميركية والخطابة التحريضية ضد المشاريع المعادية للوطن العربي، الى السجون ومخافر التحقيق التي تحاول التفتيش عما في رأسه من مشاريع سياسية خطيرة، الى التلفزيون السوري والعمل الاعلامي الذي لا يبدد كآبات المثقف الحقيقي، الى الكويت وساحتها الصحافية الحافلة بالسجال.خالد قطمة مثل رحالة لا يحب إلفة المكان ويدهشه التجوال في ثنايا العمل اليومي الحار، وبين هذا وذاك له وقفة مع القصيدة، إذ كتب أكثر من ديوان وبعض بديع شعره ينم عن موهبة لايرقي إليها الشك، لكنه لم يكن يؤمن بأن الشعر قضية حياته، لأنه كان في الدرجة الاولى رجلاً حزبياً يعمل بوحي من عقيدة ولذا لم يكن يجد نفسه إلا بكتابة الزاوية السياسية، وقد بدأها في جريدة الانباء، وجمع ما كتبه في كتاب عنوانه «الاسبوع ستة أيام» ولعل اكثر ما كتبه نبلاً وصدقاً في الزوايا خص بها جريدة «النهار» على مدى الأشهر الاولى لصدورها، السياسة عند خالد قطمة أولاً، والأدب ثانياً، وقبل السياسة والادب عشقه الراسخ للمواقف، وله فلسفة في الحياة استقاها من الزعيم أنطون سعادة، مفادها لا عزة في حياة الانسان إن لم يحمل الموقف في عقله وقلبه.
«الرسالة» والأيدي البيضاء
خالد قطمة له فضل لا ينسى على المكتبة العربية حين تبنى مشروع طبع كامل أعداد مجلة «الرسالة» لصاحبها الزيات.وفي يوم من الأيام كلفني باحصاء ما تبقى من اعداد مجلة الرسالة في المستودع الذي خصصته الدكتورة سعاد في الجزء الخلفي لبيتها (القصر الأبيض)، وذهبت وأحصيت العدد، والمجموعة الكاملة من الرسالة تحتاج الى عدّة صناديق، وقلت لخالد يومها سيمر الزمان ولن تنفد هذه الطبعة، كان رأيه هو الصائب، ونفدت طبعة مجلة «الرسالة» وأغبط كل من اشترى المجموعة.
الكتب التذكارية
عشر سنوات وأكثر كنت ألصق الناس به، وأصبح خالد قطمة في رأس قائمة أصدقائي، وصرت أعرفه أكثر مما أعرف نفسي.احد أهم المشاريع التي تبنتها دار سعار الصباح ووقفت الدكتورة وراءها، مشروع الكتاب التذكاري الذي بدأ بعبدالعزيز حسين، ثم ابراهيم العريض وآخرون، ولا أبالغ اذا قلت أن خالد قطمة اذا ما حظي بموافقة وتوجيه الدكتورة سعاد على الشخصية المختارة، كان ينفذ العمل بسرعة قياسية، فهو كقائد أوركسترا يوزع الادوار، ويقترح المواضيع، ويكلف من يصحح ومن يطبع ومن يصمم الغلاف، وكنت أتعلم منه هذه الأمور الاجرائية وأعجز عن فعلها، ولعلي الآن، وأنا أكتب على عجل هذه الوريقات استلهم منه هذه الروح العالية على عدم التباطؤ والرغبة العارمة في انجاز أي عمل بسرعة قياسية.
مزايا إنسانية وشخصية
يا خالد قطمة، بصدق، لقد بكيتك بحرقة، كأنني ولدك، كأنك أخي، بل أهم من الاثنين، فقد كنت صديقي الذي اختزلت به كل صداقاتي على مدى خمسين عاما، عملنا معا، سهرنا كثيرا، لنا مائدة من الثرثرات ممتدة من محمد الماغوط وأدونيس وهشام شرابي وغساني تويني وكل عتاولة الحزب القومي السوري القدامى، وعلى رغم اختلافي معك، اذ لم يحدث أنني انتسبت لحزب وانما رغبت في استقلال الرأي والموقف، لكنني لكثرة ما حدثتني عن رجالات عرفتهم أنت، فكرمى لعينيك أحببتهم ولأجلك، ولنا زاد من الذكريات التي لن تنفد أبدا. والى أن ألحق بك الى الدار الآخرة، عليك ان تمد مائدة كريمة ثرية ومتنوعة مثل التي جلسنا عليها في دنيانا هذه الزائلة، وسأشاركك كل صغيرة وكبيرة كما فعلت خلال السنوات الخمس عشرة المنصرمة، وأعرف أنك ستفسح لي مكانا في المائدة السماوية المنتظرة، فلدينا الكثير الكثير مما لم نقله بعد، الى اللقاء يا صديقي الوفي.

رثاء محمد خالد القطمة

خالد المحب للكويت
طالب الرفاعي

إن الكتابة عن المرحوم محمد خالد القطمة، تعني أموراً أخرى، الكتابة عن صديق عرفته من خلال الصحافة والهم الثقافي العروبي أولاً، وعرفته أكثر من خلال عمله وانشغاله في دار سعاد الصباح. كنت أهاتف «أبو نضال» بين فترة وأخرى، أقول له:«صباح الخير».فيرد بنبرة صوته المميز:«أهلين».وما نلبث أن نلتقي، في مكتبه. يستقبلني باشا ومرحباً، ولابساً الدشداشة. وكأن لسان حاله يقول: أنا ابن هذا البلد، وهو حبي، ويستحق مني أن أرتدي زيه، أحمله لصق قلبي.خالد القطمة، أحد الرجالات العربية الذين أحبوا الكويت بصدق، وعبروا عن صدق حبهم بألف شكل وشكل، ولا أنسى موقفه الأصيل والمحب للكويت أثناء محنة غزو النظام الصدامي للكويت عام 1990. وكان آخر عمل تولاه قبوله القيام بالمسؤولية الثقافية لدار سعاد الصباح، وإصراره على متابعة كل ما يخص شؤونها، وترحيبه بأي مبدع أو مثقف أو ضيف زائر يعبر سماء الكويت.كنت أزور خالد القطمة، أتبادل معه الرأي حول القضايا الاجتماعية والثقافية المطروحة، وكان دائم الحديث عن الكويت، ورجالات الكويت الذين كتبوا بمواقفهم الخالدة تاريخ الكويت الجميل والناصع. وكان يروي ما يقول، لا بوصفه شاهداً بعيداً عن الأحداث، بل بوصفه حاضراً لها، وقارئاً لما بين سطورها، وقادراً على تسجيل مواقفها، ومثمناً دور الرجال في صنع التاريخ، ومؤمناً بأن الكويت دار أمن وأمان، وأنها كانت على الدوام فاتحة صدرها الرحب لاستقبال أي عربي يلجأ إليها.خالد القطمة، لم يكن طارئاً على الكويت، ولم يكن بعيداً عن نبض شارعها الإنساني والسياسي والاجتماعي والثقافي، لهذا كنت أجلس معه في السنوات الأخيرة، لأقرأ تأثره عن مجرى الأحداث، وحسرته على بعض الأمور الدائرة، ولكنه كان مؤمناً بأن هذه الأرض ولادة، وأنها قادرة على أن تحفر لنفسها مكانة، ومكانة مهمة بين الأمم.عرفت في خالد القطمة بساطته وتواضعه وصدقه وعزوفه عن الظهور الإعلامي الكاذب، وعرفت فيه نبذه للمظاهر الزائفة، وقدرته على قراءة الواقع قراءة صحيحة، ومن ثم تخير الطريق الصحيح. خالد الذي تربى في حضن الشعارات العربية الكبيرة، عاش في عقده الأخير، خيبة هذه الشعارات وانكساراتها، وعانى كما جيله من وجع الخيبة وتبعثر الحلم العربي، وكان أكثر ما يؤلمه اقتتال العربي مع أخيه العربي.في إحدى الزيارات الأخيرة له، وجدته وسيجارته، كان غارقاً في هدوئه وأفكاره، وحين سألته عن نظرة الهم التي لاحت في عينيه، قال: «كان حلم جيلنا أن يتوحد العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وها نحن نشهد اقتتاله».إن خيبة وألم خالد قطمة، هي خيبة جيل بأكمله، ووجعه ووجع أمة بأكملها.لخالد القطمة قلب أبيض أحب أهل الكويت، وأحب عطر الكويت، وأحب ثقافة الكويت، لذا قدم لها نضارة شبابه، وعصارة فكره، وارتبط بها مثلما ارتبط بوطنه، وكان قضاء الله أن تغفو روحه فوق ترابها.لروح خالد القطمة الطمأنينة في مثواه الأخير، وله منا الدعاء بالمغفرة، وعسى يا أبا نضال أن يتحقق في القادم من أيام الأمة العربية، ما ناضلت أنت ورفاق لك من أجله.إنا لله وإنا إليه راجعون.

رثاء محمد خالد القطمة

خالد قطمة.. وداعاً
بقلم السفير علي عبدالكريم
حين التقيته قبل خمس سنوات وهو في آخر عقد الستين من عمره، لم يكن محتاجا الى تعريف نفسه وتقديمها اليّ، لا لأنه علم وكاتب معروف تمتد علاقته بالقلم والابداع ما يقارب الخمسين عاماً فحسب، بل لان عينيه وقسمات وجهه صريحة واضحة لا تشويش فيها ولا غموض، فقد فاجأتني عذوبة مشوبة بالنزق والتمرد في وجه تشع منه أمارات الذكاء، وابتدأت من ذلك التاريخ معرفة أضحت صداقة حميمة مع الرجل الذي تودعه اليوم بغصة وألم كبيرين انه الكاتب الصحافي والانسان محمد خالد قطمة.لن أتحدث عن ريادته في العمل الصحافي ودوره في تأسيس عدد من الصحف المرموقة في هذا البلد العزيز «الكويت» فغيري أولى وأجدر لاضاءة هذا الجانب من حياة الراحل الكريم.أما الشعر والصداقة والرأي العميق الحر والدعابة الحلوة، فتلك خصائص ميزت خالد قطمة ومنحته حضوراً جميلاً آسراً لدى أصدقائه وجلسائه وقرائه ومريديه... فلغته حين يكتب أو يتحدث تمتلك قوة اللمح والايحاء والتعبير الذكي، فتأتي حارة وفية حين تعبر عن موقف قضية وطنية أو قومية أو فكرية.. أو تجاه أشخاص تربطه بهم صداقة أو علاقة إنسانية، ولا تخلو لفتاته وكتاباته من القسوة المقصودة حين تقتضي الحالة والموقف ذلك.كان الدمع صديقه وكانت الدعابة والنكتة سلاحاً يعبر بهما عن رأيه النقدي حيناً كما تبرز في ذلك براعته وذكاؤه وثقافته الموسوعية أحياناً أخرى. عذب رقيق جميل وهو ذاته حاد شرس صريح وواضح.. يحب الناس الى درجة البكاء في لقائهم وفي وداعهم، يرفض مواقف وسلوكيات الى حد القطيعة والتعبير الجارح.ذلك هو خالد قطمة الكاتب المتميز والانسان اللماح والحيوية المتدفقة والحنان الذي يغمر أهله وأصدقاءه وكل المتعاملين معه.سنفتقدك يا أبا نضال وستظل معنا بروحك المرحة وفكرك النيّر.. جميلاً عميقاً كنت وستبقى.وفيك يصدق قول الشاعر:جمال ذا الدهر كانوا في الحياة وهمبعد الممات جمال الكتب والسيرِ
لا تقرأني
خالد يكتب مرثيته
عبد اللطيف الاشمر
غدا عندما يستفيق خالد قطمة - بإذن الله - في مكان يقدره الله وحده، لاشك انه سيردعنا عن كتابة أي شيء عنه، وسيكتب بنفسه رثاءه او انتقاله لكنه بالتأكيد لن يتحدث عن مآثره.. فالمأثرة عنده واجب طالما انه تصدى للقلم والورق، امتهن عشق الحروف التي تجمع نفسها في كلمة لدرجة انه لم يكن يرى أحدا يكتب.كان بالفعل «ديكتاتورا» في الكتابة فلم يسمح للمتطاولين عليها بتدنيسها في لحظات الاسترخاء.. فالكتابة تتطلب استنفارا للتاريخ، للواقع في جهات الأرض الأربع.. استنفارا للمستقبل.. فهو يريدك ان تكون مقروءا من أصحاب المعلقات السبع والمتقعرين في حكاية اللغة المرتحلة في العصور ومن متصفح البرقيات الالكترونية بسلاسة في آن.غداً عندما يستفيق خالد المتفلت من سياط الجلادين، سيقرأ من مكانه ما كتبت وسيعطيك دائما الدرس الأخير.. ولكل محاولة عنده درس أخير! الرجل امتطى صهوة السحاب وافترش العشب ونام بين قصرين وخيمة.. لم يكن يترك للوقت فرصة لممارسة غدره فيه.. الى ان غدره وكان يحتسب ذلك لكنه كان يستهين به.. فالموت غدار اما عند خالد فلقد تمهل ليأكله قضمة قضمة. ويريه ما تآكل منه.وعندما تقاعد كان يمارس قتل الذات في مهنته ومسؤولياته فهو عدو الفشل مع انه لا يريد لأحد ان يتحدث عنه.ومن كان مثل خالد الذي يتقن صناعة الاحساب والأنساب والأجداد، كما يتقن صناعة الاستشراف بوعي وبغيبوبة يعرف ماذا يترك لنا.. لأولاده.. لأحفاده.. لمحبيه.أما سفره العصيّ على التزوير فهو حكايات يقولها في كل مناسبة ودائما ما كان يختطف الكلمات من الألسن قبل ان تنطلق لتحتل حيزا في المسمع.وصورة لمفردة مرسومة بألوان العين.. وخط البصر.. وارتماءات النفس في حقول المعرفة.. حتى توكأ الموت على عكازه واختلسه على مراحل حتى كاد ان يقول «خذني»!

13 نوفمبر 2008

رثاء محمد خالد القطمة

الحزب السوري القومي الاجتماعي ينعى الصحفي والكاتب خالد القطمة
دمشق صحيفة تشرين الصفحة الاولى الاربعاء 12 تشرين الثاني 2008
نعى السيد عصام المحايري عضو الجبهة الوطنية التقدمية ـ رئيس المكتب السياسي للحزب السوري القومي الاجتماعي باسمه وباسم الحزب الصحفي والأديب الراحل محمد خالد القطمة عضو الحزب والقيادي السابق.
وأشار البيان إلى أن الفقيد الراحل من مواليد حماة 1934، وقد تقلد مناصب حزبية مركزية عديدة أبرزها منصب عميد لعمدة عبر الحدود ومستشار صحفي لرئيس الحزب الراحل عبد الله سعاده. ‏
وكان من الناشطين الحزبيين البارزين في أوساط الطلبة. ‏
وأضاف: تخرج الراحل في الجامعة الأميركية وأصبح عضوا في جمعية خريجيها. وهو عضو جمعية الصحفيين الكويتية، وعضو اتحاد الصحفيين واتحاد الناشرين العرب بدمشق، والمدير التنفيذي لدار سعاد الصباح للنشر والتوزيع والمشرف على منح جوائزها الأدبية السنوية، وله خمسة مؤلفات بالإضافة لمؤلف واحد في الشعر. ‏
أسس عددا من الصحف عندما بدأ حياته الصحفية منتصف الخمسينيات في جريدة صدى البيان ومن ثم البناء والأيام قبل أن ينتقل إلى الكويت حيث أسس فيها جريدة «الأنباء» الكويتية ثم ترأس تحرير جريدة «الوطن» وبعدها «الرأي العام» بالإضافة الى نشره مقالات أدبية وصحفية في جرائد «القبس» و«اليقظة» و«سوراقيا» وغيرها وظل حتى تاريخ وفاته يمتلك امتيازاً لاصدار صحيفة لبنانية. ‏
وأعرب البيان عن مشاركة قيادة الحزب لعائلة الراحل الكريمة في مصابها الجلل كما قدم تعازيه باسم جميع الرفاق والأصدقاء والمحبين. ‏

رثاء محمد خالد القطمة


بعد صراع طويل مع المرض وحياة حافلة بالعطاء الصحافي والإعلامي
خالد قطمة ودع دنياه وترك إرثاً مميزاً وإبداعاً نادراً

كتب أحمد حمودة:
بعد رحلة طويلة من الابداع الإعلامي والشعري والإداري وبعد صراع طويل مع المرض رحل عن دنيانا المبدع والإعلامي الكبير محمد خالد القطمة عن عمر يناهز «74 عاما».ساهم الفقيد في تأسيس وتدعيم العديد من المؤسسات الصحفية الكويتية وكان احد رواد الصحافة الكويتية والعربية.ولد الراحل في عام 1934 في مدينة حماة السورية ودرس الابتدائية فيها ثم ذهب الى لبنان للدراسة في المدرسة الامريكية ومنها الى الجامعة الامريكية في بيروت.تعرض الفقيد للسجن في بداية حياته وكان اول ماكتبه من انتاجه في جريدة «صدى لبنان» ثم اتجه بعد ذلك للعمل مديرا لتحرير جريدة البناء التي كانت تصدر عن الحزب السوري القومي الاجتماعي.كما عمل الفقيد مديرا لادارة البرامج الثقافية في التلفزيون السوري وسرح من عمله ايام انفصال الوحدة بين مصر وسورية في عام 1963.وبعدها قرر القطمة ان يدفع بدل الخدمة العسكرية في الجيش السوري الى ان قرر السفر الى الكويت وكانت بدايته العملية في جريدة «الرأي العام» ثم اسس مجلة اليقظة تلتها الهدف ثم الوطن لينتهي به المطاف به في جريدة الانباء.عمل دؤوبواثناء الغزو الغاشم اسند اليه القائمون على جريدة الانباء اصدار الجريدة من القاهرة واستمر في عمله المجهد والمضني الى ان قرر ان يستريح من العمل الصحفي ويكتفي باطلالات سريعة من خلال بعض الكتابات في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية.وانتهى به المطاف مديرا لدار سعاد الصباح للنشر ثم بعدها تمكن منه المرض الذي قاومه طويلا الى ان تمكن منه اخيرا واسلم روحه لبارئها ولكنه كان كاتبا جريئا وصاحب رأي قوي فقد دخل في صراعات عنيفة وطويلة مع انظمة واشخاص لا تعرف معنى الحرية ولا تقيم لها وزنا.يقول الراحل خالد القطمة عن مشواره المليء بالمتاعب والصعاب انه لأمر كبير ان تتمكن من التعبير عن ذاتك بالكتابة اولا وبالنشر ثانياً:ويتابع اطالع ما ينشر لي وكأنني اقرؤه لاول مرة ويمتعني ان يكون اسمي هناك في جريدة او مجلة والاروع ان يكون على كتاب.وكان رحمه الله يؤكد انه ليست هناك سعادة تعدل امساكك بالنسخة الاولى من كتابك الاولي، مستذكراً انه عندما صدر العدد الاول من «الاسبوع اليوم» حمل نسخة منها وراح يقرأ الغلاف مرات ومرات، كما انه قبله وانتشى كأنه يقبل اجمل امرأة في الدنيا.ومع انه كان يكتب الشعر وله اسلوب خاص به يتميز عن باقي الشعراء الا انه كان يرفض تسميته بالشاعر لانه كان يؤمن بأن انتاجه مهما بلغ فلن يحقق له ما يريد حيث كان يقول عن ذلك «الشعر مملكة لست صاحب عرش فيها ولا طامعاً فيه».كتاباته الصحافيةواما عن كتاباته الصحفية فيقول رحمه الله ان المقالة هي انا حيث استطيع ان اقول ما أؤمن به وما يجول في صدري بكل حرية.واما عن الصراعات والمشاكل التي واجهها بسبب اتجاهاته السياسية فكان يقول: ليس هناك ما يستحق ان تموت من اجله ان ما اراه في لبنان وغزة والعراق والجزائر يجعلني لأول مرة كارهاً لعروبتي واشعر بالمهانة.نظرة واحدة الى غزة وما يحدث فيها تجعلني اتمنى لو لم اولد في هذا العصر وفي هذه الارض باللسان العربي، امام حمام الدم هذا لا اجد ما اقوله.وعن رؤيته للواقع العربي ومدى هامش الحريات التي تتمتع به الشعوب العربية كان يؤمن بان الانظمة التي تعاقبت علينا هي المحنة التي نزلت علينا ضد ارادتنا وضد احلامنا، فالنظام الذي لا يراك من ثقب حذائه كيف تريد له ان ينهض بالأمة.النظام الذي يتصرف وكأنه وريث العناية الإلهية.وعن حياته الشخصية فقد نشأ في اسرة مترابطة، وكان يحب والده كثيرا معجبا به لاقصى درجة بسبب ذكائه ونجاحه في عمله كمحام.ثم كانت علاقته بوالدته مميزة جدا على الدوام لعطفها وحنانها عليه وتشجيعها الدائم له، الا ان علاقته باخوته واخواته لم تكن متواصلة بسبب هجرته وتركه البيت منذ عام 1947.تزوج من السيدة «نورا عازار» حيث تم التعارف بينهما في احدى الحفلات حتى انهما سجنا معاً في اوائل 1962 وعندما خرجا من السجن تزوجا في اليوم التالي مباشرة.له من البنات نضال ومنى وحبيبة ومجد، وبسبب ظروفه الصحية لم يعد يستطيع مزاولة هواياته في ايام الشباب حيث كان يكتفي بمشاهدة مباريات كرة القدم.رحم الله فقيد الصحافة الكويتية والعربية واحد اعلامها الكبار والهمنا وذويه الصبر والسلوان.

رثاء محمد خالد القطمة

خالد القطمة... رحل عن عالمنا مخلفاً أثراً نعشقهامتطى صهوة القلم كأحد مؤسسي الصحافة الكويتية
سالم أيوب
محمد خالد القطمة... عشق القلم فعشقه كل من يطرب لدفقات الكلمات واسترسال الجمل الجميلة التي تفوق الوصف عندما يقرأ له، رحل فقيد الصحافة وفارس الكلمة الحرة التي لا تخلو من النقد الجريء وصاحب عدة دواوين شعرية، بعد أن ساهم في تأسيس العديد من الصحف الكويتية التي تنقل في ما بينها خلال مسيرة عطائه المهني في عالم الصحافة، فقد كان يطرب فرحاً بالتحدي حين يستهل تأسيس صحيفة جديدة أو إعادة تأهيل أخرى.
كان الفقيد كاتباً جريئاً دخل صراعات طويلة مع أنظمة وأشخاص لا تقيم للحرية وزناً، فكان ذاك الشخص الذي لا يُنسى برحيله عن الدنيا الفانية بل يبقى إرثاً نتداوله في عالم الصحافة الكويتية.
بعد رحلة طويلة من الابداع وبعد صراع طويل مع المرض رحل عن دنيا الواقع المبدع والإعلامي الكبير محمد خالد القطمة عن عمر يناهز 74 عاما، رحل كي نتذكره، عند كل كلمة نخطها في صدر صفحات صحفنا، كالمعلم والملهم لمن سبق من الصحافيين أو اللاحق منهم إذا اقتدوا بفنون مدرسته في الكتابة.
امتطى الفقيد صهوة قلمه في رحلة طويلة من الإبداع الإعلامي والشعري ثم الإداري خلال عمله الأخير مديرا لدار نشر سعاد الصباح. هو صفحة من التاريخ، لا يستطيع الزمن ان يطويها من ذاكرتنا، امتدت لـ 35 عاماً من العطاء استطاع خلالها أن يمزج حالة الإبداع بالحالة الوجدانية التي كللت مسيرة حياته باقتدار، ولغيره كانت منارة لمن يرنون إلى التميز في حضرة بلاط صاحبة الجلالة «الصحافة».
كتب الفقيد الشعر وكتب المقال أيضاً... فكيف كان يفرق بين الأسلوبين في التعبير؟ قال رحمه الله: «المقالة هي أنا أما الشعر فانه التعبير الذي لا أملك السلطة عليه. في المقالة أقول ما أؤمن به ولا يتحقق لي ذلك في الشعر. لذلك كنت وسأبقى أرفض تسميتي بـ (الشاعر). هذه التسمية واسعة جداً على أمثالي. الشعر مملكة لست صاحب عرش فيها ولا طامع فيه».
لقد كان متواضعاً جداً ولا ينسب نفسه إلى مجال يرى أن هناك من هم الأقدر على حمل لوائه، ولكنه في عالم الصحافة التي عبر من خلالها عن أفكاره بحنكة السياسي المقتدر لم يتنازل عن عرشه الذي بناه. ولكن بعد مضي سنوات طويلة من أحداث عاناها العالم العربي، اختصر خلاصة عمره السياسي بأن قال: «ليس هناك ما يستحق أن تموت من أجله. ما أراه في لبنان وغزة والعراق والجزائر يجعلني، ولأول مرة، كارهاً لعروبتي وأشعر بالمهانة. نظرة واحدة إلى «غزة» جعلتني أتمنى لو لم أولد في هذا العصر وفي هذه الأرض وباللسان العربي».
النشأة والعائلة
ولد عام 1934 في مدينة حماة في سورية، درس في مدارسها الابتدائية وبعدها ذهب الى المدرسة الأميركية في طرابلس بلبنان ثم الجامعة الأميركية في بيروت، وحاز ليسانس الآداب عام 1957.
أما حياته الشخصية فقد نشأ في أسرة مترابطة، وكان يحب والده كثيراً معجباً به لأقصى درجة بسبب ذكائه ونجاحه في عمله كمحام، أما عن علاقته بوالدته فقد كانت مميزة جداً على الدوام لعطفها وحنانها عليه وتشجيعها الدائم له، لكن علاقته بإخوته وأخواته لم تكن متواصلة بسبب هجرته وتركه البيت منذ عام 1947.
تزوج من «نورا عازار» حيث تعارفا في احدى الحفلات إلى جانب أنهما سجنا معاً في اوائل عام 1962، وعندما خرجا من السجن تزوجا في اليوم التالي مباشرة، له من البنات نضال ومنى وحبيبة وله ابن واحد اسمه مجد، وبسبب ظروفه الصحية لم يعد يستطيع مزاولة هواياته في أيام الشباب، حيث كان يكتفي بمشاهدة مباريات كرة القدم.
مسيرته المهنية
ساهم الفقيد في تأسيس وتدعيم العديد من المؤسسات الصحافية الكويتية، وكان احد رواد الصحافة الكويتية والعربية، بدأت مسيرته المهنية حين كان للقدر كلمة عندما سجن في ثكنة الامير بشير في اليوم المحدد له لمناقشة اطروحته لنيل درجة الماجستير، وأول ما كتبه نشر على الصفحة الاولى في جريدة «صدى لبنان»، ثم عمل مدير تحرير جريدة البناء، وهي جريدة للحزب السوري القومي الاجتماعي، وعمل ايضا مديرا لادارة البرامج الثقافية في التلفزيون السوري ثم فصل من عمله في عهد الانفصال عام 1963.
ولعزوفه عن الخدمة العسكرية في الجيش السوري استدان ورهن بيت والدته ليدفع البدل العسكري، مما جعله تحت وطأة تسديد دين مرهق. قرر محمد خالد القطمة الهجرة فكانت الكويت هي وجهته التي جاءها عام 1963، وكانت بدايته العملية في جريدة الرأي العام، التي استمر بها 7 سنوات، ثم أسس مجلة اليقظة عام 1970 تلتها جريدة الهدف عام 1971، ثم جريدة الوطن عام 1973 إلى أن حط ترحاله في واحته الخضراء (جريدة الأنباء) عام 1976 التي استمر فيها لـ 15 سنة.
واثناء الغزو الغاشم كلّف بإصدار جريدة الأنباء في القاهرة، وهكذا كان مشواره الطويل في التأسيس والعمل الصحافي ليعتزله بعد التحرير وينضم الى دار سعاد الصباح للنشر، ويصبح مديرا لها الى يوم رحيله عن الدنيا. وانطلاقاً من رابط الوفاء مع معشوقته «الصحافة» اكتفى باطلالات سريعة من خلال بعض الكتابات في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية.
الذكريات والشعر... و«قباني»
مع أن الفقيد توقف عن كتابة الشعر ولكن أحياناً كان يعبره شطراً منه وأحياناً كثيرة لا يكمل أبياته. وكان متعلقاً جداً بالذكريات فلم تتركه لحظة من ليل أو من نهار. وأكثر ما سكنته من ذكريات العمر هي في بيروت، والجامعة الأميركية تحديداً. فكان يشعر أن تلك السنوات العشر هي كل عمره ولعلها كانت كذلك. فقد عرف خلالها العقيدة السورية القومية الاجتماعية والنضال والسجن والدراسة والصحافة والحب فالزواج.
وكانت له علاقة جيدة بالشاعر الراحل نزار قباني وكان يهاتفه بعد أمسياته الشعرية أحيانا وهو في «البانيو»... فما حكاية جلوس نزار قباني بالبانيو بعد كل أمسية؟
يسرد الفقيد في احدى مقابلاته: أنه كان يتحسس من أن نزار قباني كان صديقه، مع أنه كان كذلك، ويضيف: منذ رحيل هذا الجبل والكل يزعم أنه كان صديقه. الجبال لا تصادق التلال أو السفوح، أنا أقول إنه كان يعرفني. من حظي أنني التقيته مرات إحداها كانت بعد أمسية شعرية له في معرض الكتاب بالقاهرة، أذكر أن جماهير عشاقه حاولت حمل السيارة التي كان يستقلها.
ويتابع: بعدها ذهب إلى فندق هيلتون النيل، وكنت أنزل فيه أيضاً. رن الهاتف وكان «الرائع» هو المتحدث. قال لي: هل رأيت ما رأيت. كان فرحاً كطفل طاهر. قال: أنا في البانيو أرتاح بعد هذا التعب. كان مخلصاً لشعره ولجمهوره لذلك كانت الأمسية تتعبه فيرتاح إلى الماء الساخن.
ويردف: أما حياة نزار قباني الشخصية فإنك تعجب حين تعرف أنه كان ذلك الإنسان العادي البسيط، البعيد عن المظاهر أو حب السهر أو الطرب. أكثر ما كان يمتعه هو الحديث في السياسة أو الشعر، وكم كان يسعده أن يكون بين مجالسيه من يحفظ بعضاً من شعره. كان يحب الأوفياء وهو الوفي وكان حريصاً على احترام الآخر واحترام ذاته.

رثاء محمد خالد القطمة

غاب كابتسامة
سميرعطا الله
جاء محمد خالد القطمة من حماة إلى بيروت في الخمسينات للدراسة في الجامعة الأميركية. لكن حدث له ما هو أهم من ذلك: تعرف إلى الكاتب الساخر سعيد تقي الدين وأصبح أمين سره. وما بين بيروت اللاهية والساخرة أيام الحقبة الجميلة، وبيروت القومية والمناضلة، بدأ نجل مفتي حماه شبابه، تسعفه وتميزه موهبة أدبية مبدعة وقلم سيَّال يسابق آلات الطباعة بفراسخ.ثم حدث ما غير حياة محمد عندما دخل السجن بتهمة العمل ضد الدولة. وكانت «نور» تحمل إليه في السجن السجائر والطعام. ولما خرج توجها فوراً إلى المأذون. وفي العام 1963 سافر إلى الكويت للعمل في «الرأي العام». وبقي هناك حتى أمس، بعد صلاة العصر. فعندما اتصل بي نجله «مجد» ليبلغني بوفاة الرجل الذي وضع صورتي على غلاف كتابه، إلى جانب حافظ الأسد وياسر عرفات والذين أثروا في حياته، سألته إن كان في إمكاني الوصول قبل موعد الدفن، فقال إذا كانت هناك رحلة قبل صلاة العصر.كان محمد خالد القطمة أديباً وشاعراً وسياسياً، لكنه فضل أن يكون أباً كبيراً. ولم يكن أباً لأبنائه فقط بل كان أباً لكل من حوله. وانصرف في الكويت، بكل همة وشغف، إلى العمل في الصحف القائمة وتأسيس الصحف الجديدة، إلى أن استقر به المقام مديراً لـ«دار سعاد الصباح»، يغرق في دنيا الأدب والشعر، التي كانت دنياه الحقيقية.لم أعرف سعيد تقي الدين، لكنني أشعر أن محمدا كان يشبهه، وربما كان توأمه الأصغر سناً. في الموهبة الكبرى وفي مراياها وعطائها. وكان توأمه في الموقف من الحياة والناس والضعف البشري وصغائر الأرض. وقد عملت معه في «الرأي العام» وفي «الأنباء»، لكن شخصية محمد الرفاقية كانت خارج العمل في الرحلات والأسفار وملتقيات الصيف، إذ يصير خيرة الندماء ومتعة المجتمعات وموزع الابتسامات في المجالس، ضاحكاً من نفسه، ساخراً من سواه، متدفقاً مثل شلال متعدد الينابيع.كان يعرف، في مرضه، أن حزني يحول دون سؤالي عنه، فيتصل هو بي ضاحكاً، قائلا: «أنا مليح. فيك تتلفن». وعندما اتصلت به في عيد الفطر كان باشاً يخفي كل خوف وقلق. وكرر القول: «سمير. أنا مليح. لا تخف من الاتصال بي». ولم يشكُ مرة واحدة. وعندما ذهبت أعوده بعد إصابته قال لي «المشكلة الوحيدة هي السعال الذي يسببه العلاج. غير ذلك لا تخف». وبطريقته أقنعنا ألا نخاف. ولو عاش لأقنعنا ألا نحزن على غيابه. وغيابه فقدان وحزن ومكابرة جميلة في الوداع.

رثاء خالد قطمة

محمد مساعد الصالح:
عندما يكتب تاريخ الصحافة في الكويت فان مجموعة من الإخوة العرب سيكون لهم دور بارز في تأسيس صحافتنا واستمراريتها، منهم على سبيل المثال: خالد قطمة ونجيب عبدالهادي وعبدالكريم أبو خضرة والياس مسوح وعبدالله الشيتي وسليم سالم وغيرهم كثيرون، بعضهم انتقل إلى الآخرة وبعضهم ما زال حياً يرزق، وقد فقدت صحافتنا أمس واحداً من أبرز الكتاب هو المرحوم خالد قطمة الذي أبلى بلاءً حسنا في خدمة الصحافة الكويتية، وبالذات في مرحلة التأسيس وهي الأصعب، فقد عمل وشارك في تأسيس «الرأي العام» و«الوطن» و«الأنباء» وكان له دور بارز فيها.رحم الله الفقيد أبو نضال وآلهم عائلته واصدقاءه الصبر والسلوان، ولن تنسى الكويت دوره المميز في إنشاء واستمرار صحافتنا هو واخوانه العرب.

رثاء خالد قطمة


المؤسس والشاهد خالد قطمة يرحل بعد 35 عاما من العمل في مهنة الصحافة والكتابة
آخر الأخبار يا «أبا نضال» أن المرض والوجع لم يفارقك حتى الموت
كتب حمزة عليان:
ليلة امس الاول اعادني خبر وفاة خالد القطمة الى شريط من الذكريات عن الصحافة الكويتية واللبنانية زاخر بالاحداث والاسرار والمفاجآت وما اكثرها في جعبة امتلأت عن آخرها، تنتظر من يوصلها الى حيث يشاء.التقيته آخر مرة قبل اسبوعين، كان في حالة وداع، ولم يشأ ان يتكلم كعادته «وبقفشاته» اللاذعة، التزم الصمت على غير عادته، لكنه شارك في الحديث عندما سمع ان جمعية الصحافيين تعمل على تكريم الصحافيين العرب الذين عملوا في الصحافة الكويتية، اراد ان يصحح «القاعدة» المهم ان يكون هؤلاء صحافيين بالأساس، اي قبل دخولهم الكويت، لأن الدخلاء على المهنة اصبحوا بالعشرات.هكذا كانت حياته، لصيقة بمهنة الصحافة والكتابة الى حد الاندماج والعشق منذ ان كان على مقاعد الدراسة وحتى لحظة وفاته.خالد قطمة، ذاكرة الصحافة الكويتية الحديثة واحد مؤسسيها، يرحل عن دنيانا بهدوء كما لم نعهده من قبل.صباح امس سجلت في مذكراتي رحيل شخض حمل في ذاكرته إرثا من تاريخ انشاء الصحافة الكويتية، وكان شاهدا على تأسيسها ومشاركا في بنيانها، وشاءت الاقدار ان يدفن في ارض احتضنته واحبها وكان وفيا لها.من نواعير حماه التي تركها شابا قاصدا بيروت، ليخرج منها صحافيا وكاتبا ملتزما حزبيا مع انطون سعادة، ويدخل السجن الى ان يأتي الكويت في بداية الستينات، وفيها كانت التجربة الغنية التي لم تتوقف حتى في ايامه الاخيرة، حيث ينتظر مولودا جديدا من مواليد الصحف بعد ان قام بتجهيزه وترتيبه بانتظار ساعة الصفر التي أزفت لنفسه قبل ان يرى هذا المولود، ولهذا اسمته زميلتنا حنان عبيد بعاشق تأسيس المؤسسات الصحفية.مؤسس للصحافة الكويتية، قول ليس فيه مبالغة من «اليقظة» عام 1970 الى «الهدف» عام 1972 الى «الوطن» عام 1973 الى «الانباء» عام 1976، تلك كانت محطات في تاريخ هذا الرجل، اكملها بتوليه ادارات التحرير ثم الكتابة التي اجادها بلغة سلسة ومبسطة وبأفكار واضحة, فكانت مجموعة من الاصدارات, منها "الاسبوع ستة ايام" و"قصة الدولة الدرزية" وديوان "نهر الاحزان" و"بين الوردة والسكين" و"كلام يشبه الشعر" و"هارب من الإعراب"..عندما يتحدث عن تاريخ الصحافة ومؤسسيها يستذكر اصدقاءه ويتكلم عنهم بإعجاب ووفاء, ادوارهم ومواقفهم. صعب ان ينسى احداً, ومن كان عنده معلومة يريد ان يستوضحها يلجأ اليه شارحاً ومفسراً ومبيناً الوقائع بالتواريخ والاسماء.كثيراً ما كان ينتقد اوضاع الصحافة الكويتية, حتى وان تسبب له ذلك بردود فعل غاضبة, لكنه كان دائماً صريحاً الى حد التمرد, وجد من يعارضه وآخر من يختلف معه وفوق هذا يطرب الحي بحرية افكاره وجرأته.لديه القدرة على الاعتراف بالخطأ, وليس عنده اوهام بحججه ودوره, فهو ليس بمؤرخ ولا روائي, كما قال في احد لقاءاته الصحفية, بل يكتب تجربة في الصحافة الكويتية قد يمر بها شيء من السلبيات التي عاشها, لكنه رجل له عينان لا عين واحدة, فيرى الجمال والقبح, ويرى الظلم والعدل.. هناك, حسب ما كان يعتقد ويصرح, محاولة لتضخيم السلبيات والتغطية على الايجابيات في الحياة.خلاصة التجربة التي أمدّته بمخزون ثقافي ومهني رسمها في عبارة له عندما سئل في حديث له مع الزميل علي صافي."أهم تطوير للصحافة الكويتية ان يتفرغ رؤساء التحرير لعملهم الصحفي الجليل, والنأي عن كل ما هو متصل بأصحاب الصحف من مصالح او مشكلات, واعتبار ان الجريدة للقارئ وليست لصاحبها".خالد قطمة, ذلك الكاتب الذي ابدع في وصف من احبهم, لا سيما والدته وشقيقته الكبرى وصديقه نزار قباني, الذي خاطبه بعد رحيله, ومن ارتبط معهم "ليس هناك في الدنيا ما هو اكثر قسوة من رحيل من تحب, خصوصا اذا كان الراحل صوتاً ابيض في ضميرك المغلف بسواد الاحداث وبشاعة الحقيقة", والنفس الحزينة حتى الموت.آخر الاخبار يا أبا نضال, ليس مرضك كما كنت تشي بذلك, وان كان رحيلك عنا سيفقدنا هذا الوجه الذي زاملناه على مدى ثلاثة عقود, بل لان المرض لم يفارقك منذ ولدت, وحين لا يجرحك الوجع كنت تحسب انك لست انت او ان دنيا غير دنياك هي التي تعيش فيها... أليس كذلك يا صديقنا وانت من قال تلك الكلمات؟سيرته قصة تستحق ان تروى, خصوصا اذا كان هو صاحبها وكما وردت في لقاء اجرته الزميلة حنان عبيد ونشر في "القبس" قبل خمسة اشهر تقريباًَ.كانت زوجته أم نضال, احد الوجوه التي لم تغب عن ذاكرته, ليتركها مع اولادها واسرتها تعيش على ذكراه.

رثاء خالد قطمة

خاد قطمة: رحيل مفجع لصحفي اديب مبدع
بشير موصللي:
شعرت دائما انني الاقرب الى قلبه في كل مراحل علاقتي الطويلة معه . ثم اكتشفت على المدى انني لم اكن الوحيد بامتلاك هذا الشعور النابض في قلوب كل اصدقائه ومحبيه .
روح سعيد تقي الدين , استاذه سكنت كل كتاباته الساخرة ولكن الداراسات والقراءات العميقة لمؤلفاته ومقالاته اثبت انه اديب ساخر جذاب قدم للناس اسلوب خالد القطمة الخاص على الرغم من تأثره العميق باستاذه الاديب العملاق . ولذلك فلا عجب ان يقول فيه الصحافي الكبير سمير عطا الله:" ومع ان خالد لا يسبقني في العمر الا قليلا فانني اتطلع الى قلمه منذ اكثر من عشرين عاما نظراتي الى استاذ افيد من قراءاته بقدر ما استمتع بها ".
انه ابن المعاناة , الخارج من البيئة العائلية المحافظة في حماه الى رحاب التقدمية في الحزب السوري القومي الاجتماعي . رائدا في تقدميته كما رائدا في استقامته, كما في احترام وعده . رائدا في حبه لزوجته نور ولبكره نضال وشقيقها مجد وشقيقتيها منى وحبوبة .
لم يعرّف احد الظلم قبله كما عرّفه هو بشفافية مميزة : " له رائحة كما هي القبور المفتوحة , اعرفه من بعيد , كما تعرف الام اوجاع الاطفال . واكرهه باكثر ما يكره القتيل قاتله . ايها الظالم : متى تموت لنحيا ؟.
لم تخسر معركة البطولة يا خالد ولم تزع عنك الشهادة في نكتة حين طلبتها كما كتبت في اسبوعك بايامه الستة متمنيا " شيء وحيد ساكون فيه البادئ الاول والاخير . ساترك قبري مفتوحا , علني لو افقت اكون اول العائدين من عتمة الغياب الاخير ".
ما اظنك طلبت ان يبقى قبرك مفتوحا لتكون اول العائدين من عتمة الغياب الاخير بل تركته مفتوحا لتفسح المجال لروحك ان تستقر ببيروت الساكنة بوجدانك في لبنان مرتع احلامك , كما ارتحت ان يستقر جسدك في الكويت وفاء وتقديرا منك للرعاية وعرفانا للجميل , وانت امير الوفاء وسيد الاعتراف بالجميل ايها الراحل النبيل .
من عنوان كتابك " ويبقى الاسبوع 6 ايام " عن اروع ما كتب من مقالات , استمد القول لك يا خالد (( ويبقى البقاء بدونك مرا والادب الساخر الساحر بدونك حزينا )).
فاذا كانت دموع الرجال عزيزة حتى في المصائب فلك اعز الدموع .

12 نوفمبر 2008

رثاء محمد خالد القطمة

الرجل الذي علمنا كيف نمسك بالقلم من الوسط
أعمق من العقل.. أحن من العاطفة
عدنان فرزات
أبعد الكتابات عن العقل أقربها من العاطفة.. ذلك انه من غمرة الحب تتضاءل العقلانية وتتلاشى أضواء الواقع، وقد ينهمر الكلام سخيا دون ضوابط ودون تقتير.. لا لشيء إلا لأن الذين نحبهم يتركون أرديتهم الدافئة فوق أجسادنا الحزينة، نلوذ بها من غربة الزمان.. ويخلعون علينا بردتهم حتى وان بردوا. كان «المعلم» خالد القطمة واحداً من هؤلاء الذين لا تحكم العقل بحبهم، بل تترك للعاطفة سطوتها.. تهواه كما تشاء. وقد يضيق الورق بذكر مآثر هذا «المعلم.. المؤسس»، لكن القلب بصفحاته التي لا تنضب يحمل له في كل نبضة فضلا ومعروفا وموقفا رجوليا، ويذكر باعتزاز قلمه الجريء وتاريخه العريق في تأسيس «مذاهب» صحفية، واتجاهات فكرية إعلامية.. لقد كان يفضل لقب الصحفي على أي لقب آخر.قبل عقد ونصف العقد من الزمن وجدت في غربة الدهر يدين من تبر الحكمة مبسوطتين كضلوع الآباء الذين تركناهم في بلادنا يلهجون بالدعاء لنا بأن نجد آباء مثلهم يعوضونا عن حكمتهم ورأيهم ومشورتهم وحنانهم.. كان هذا البديل هو «المعلم» خالد القطمة.كان الدرس الأول الذي لقننا إياه هو كيفية الإمساك بالقلم.. وذلك بأن نمسكه من «الوسط» فلا نميل به باتجاه اليمين كل الميل ولا باتجاه اليسار كل الميل.كان مخلصا جدا للشاعرة الدكتورة سعاد الصباح، وخاض معارك نبيلة للحيلولة بين الدار وعدد من الطامعين الذين نظروا الى مشروعها الثقافي من باب المال لا الفكر، فاستخلص منهم الدار ووضع خطواتها على الدرب النقي الذي وجدت لأجله.كان يتذكر بوفاء نادر ويردد على مجالس العلن وقفة الوفاء التي وقفتها معه الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح، بعد فترة الغزو الآثم وتركه لعمله، وكان يفرح كبهجة العيد فوق ثغر الطفولة حين نحمل إليه قصاصة من صحيفة كتبت عنها أو عن تجربتها الأدبية.ولأنه بهذا الوفاء فقد هيأ له الله تعالى من يذكر له صنيعه، معهم، وأنا أحدهم، وزميل هذه الصفحة الإعلامي عبدالستار ناجي يذكر له مواقف اكثر عمقا من خلال عمله معه في صحيفة الأنباء. ولأنه «المعلم» فحين نستذكر مواقفه أمامه كنوع من رد الجميل، كان يرمينا بابتسامة توحي بأن نتوقف عن الإطراء.ذات يوم سألته أن يختار الطريقة التي أرد له فيها جمائله، خصوصاً أن الله عز وجل كفاه حاجة الناس في شتى الأمور، فهزمني بابتسامة جديدة.. ولم أجد من يومها ما أرد به له الجميل سوى.. هذا المقال.ولأن أرواح الأنقياء لا تغادر عشق المكان.. فهو الآن مثلنا يقرأ دمعنا، ويسمع نواح القلم وهو يجر حزن حروفنا فوق الورق.. ثم يبتسم كونه مرة أخرى لا يحتاج منا الآن.. سوى الدعاء.

رثاء محمد خالد القطمة


رثاء
كان غيمة من بياض

رحمه الله..كان غيمة من بياض..وكان دمعة تسكن قلبا كبيرا...وكان يحب أصدقاءه بشكل استثنائي جدا، ولم يكن يؤلمه أكثر من تنكر بعض هؤلاء له أحيانا.اتصلت به ذات يوم عقب مشاهدتي لبرنامج تلفزيوني كان قد استضافه للحديث عن ذكرياته الكويتية تحديدا. وسألته عمن اتصل به ممن ذكرهم وشكرهم من الشباب الكويتي (آنذاك)، فقال بألم شديد وصوت دامع: لا أحد...، قبل ان يستدرك :تذكرت.. اتصل أحدهم ليلومني بعنف لانني ذكرت اسمه في ذلك الموضوع بالذات...رغم انني مدحته، لكنه كما يبدو يريد ان يتنصل من دوره القديم!!رحمه الله...دمعته كانت أكبر من أن يخفيها عندما رحل صديقه الشاعر نزار قباني، وظل طويلا يتذكر الراحل الكبير وحكاياته معه، وكلما اردت ان استرسل معه في الحديث كنت أسأله عن نزار... تحديدا. وكان يتصل بي كل سنة قبل حلول ذكرى رحيله مطالبا بأن نكتب شيئا في الصفحة الثقافية عنه...رحمه الله...من بين يديه خرجت الطبعة الثانية، الحقيقية، من كتابي الأول، عبر دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، أو الخيمة التي ظللت بداياتنا بجميلها الكبير، ومنذ تلك الأيام وعلاقتي به مستمرة ومتجددة.رحمه الله..أهداني يوما قصيدة عنوانها «غياب.. غياب.. غياب» تعليقا على صدور ديواني الثاني «تغيب فاسرج خيل ظنوني»، وطلب مني نشر تلك القصيدة في الصفحة الثقافية التي أحررها، وعندما تحرجت من نشر الإهداء الموجه إليَّ كاملا، استبدلت به الحرفين الاولين من اسمي (سين، ميم)، فلم يعجبه الأمر إلا انه اعتمده عندما نشر القصيدة في احد دواوينه بعد ذلك.رحمه الله..كلما أرسل لي، المجموعات الشعرية التي وصلت إلى التصفيات النهائية في مسابقة سعاد الصباح للإبداع الشعري كي أساهم في اختيار الفائزين كل عام، كان يسألني عن واقع الإبداع الشبابي من واقع مستوى تلك المجموعات التي تصلني، فكنت أعلق بكلمة لا بأس... وكان يرد ضاحكا... هذي هي المشكلة!!رحمه الله...كلمني للمرة الأخيرة من خارج الكويت بعد رحيل محمود درويش، طالبا مني أن انشر له شهادته عن الشاعر الراحل، وكانت مقالة مميزة فعلا. سألته يومها عن صحته فقال: ارجوك.. لا تسأليني هذا السؤال..كل الناس يسألونني السؤال نفسه... شو؟ ما وراكم غير صحتي؟... ضحكنا كثيرا.وكان حدس ما يلح علي، ويقول لي انها الضحكة الاخيرة التي اسمعها منه، فقد كانت تشبه غيمة من بياض. ولم اكلمه بعدها حتى لا أسأله ذلك السؤال المزعج.رحم الله محمد خالد قطمة... صديقنا كلنا في الصحافة والشعر والنثر وما لا تدركه المشاعر والكلمات والمهن.
سعدية مفرحwww.saadiah.info

11 نوفمبر 2008



فقدت الصحافة الكويتية والعربية مساء يوم الاحد 9 نوفمبر 2008 الكاتب والصحافي الاستاذ خالد القطمة عن عمر يناهز الــ 74 عاما بعد معاناة مريرة مع المرض.تنقل في مسيرة حياته بين سوريا ولبنان والكويت وانتسب الى الحزب القومي السوري، كما أسس عددا من الصحف الكويتية :الرأي العام، و اليقظة والهدف، ثم «الوطن» لينتهي به الترحال في حاضنته الطبيعية جريدة الانباء، وفي فترة الغزو كلّف باصدار الانباء في القاهرة، وهكذا كان مشواره الطويل في التأسيس والعمل الصحفي ليعتزله بعد التحرير وينضم الى دار سعاد الصباح للنشر ويصبح مديرا لها الى يومنا هذا، وقد دفن الفقيد في مقبرة الصليبخات في الكويت.




03 نوفمبر 2008

الحب في زمن الكوليرا: سينما قاربت الرواية من بعيد









انتظر غابرييل غارسيا ماركيز الكاتب الكولومبي الحائز على جائزة نوبل 22 عاما قبل أن يسمح بتحويل روايته الساحرة (الحب في زمن الكوليرا) التي صدرت عام 1985 إلى فيلم أخرجه مايكل نيويل ولعب بطولته الممثل الأسباني خافيير بارديم، والممثلة الايطالية جيوفانا ميزغيورنيو، ووضع موسيقاه انتونيو بنتو، أما الأغنيات فكانت بصوت شاكيرا، وكتب السيناريو رونالد هاروود.
الفيلم الذي أنتجته هوليود مؤخراً بميزانية إنتاج قدرها 50 مليون دولار ليجسد واحدة من أعظم قصص الحب تبدأ أحداثه بلحظة وقوع لدكتور خوبينال اوربينو وموته، ولأنه أحد وجهاء المدينة فإن أجراس الكنيسة تقرع لتنتشل العاشق العجوز فلورينتينو اريثا من بين أحضان عشيقته رقم 622، فيهرع إلى تقديم العزاء لحبيبته فيرمينا داثا، معلنا لها أن لحظته معها التي تأجلت51 عاما وتسعة أشهر وأربعة أيام قد حانت الآن. الأرملة المتألمة تصرخ في وجهه وتطرده خارج بيتها، لكن فلورينتينو الذي كان ينتظر بإصرار موت غريمه لن يعرف التراجع.
وهنا تعود بنا الكاميرا لمتابعة الحكاية منذ بدايتها في عام 1879 في مدينة كارتاجينا في كولومبيا، حيث اشتعلت شرارة الحب منذ النظرة الأولى، بين فلورينتينو الصبي الذي يعمل في مكتب التلغراف وبين الشابة الجميلة فيرمينا ابنة تاجر للبغال، تستمر قصة الحب هذه من خلال المراسلات المتبادلة بين الطرفين، فالصبي العاشق الذي يسود الصفحات الواحدة تلو الأخرى ، وتنتابه نوبات الحمى والقيء، فأعراض الحب تتشابه مع أعراض الكوليرا، ذلك الوباء الذي انتشر وقتها ليحصد المئات، لكن الجميلة فيرمينا داثا التي تأبت عن قبول (زهرة العهد البيضاء) تغير رأيها فجأة، وتتخلى عن عاشقها – فما هو إلا شبح- وتذعن لرغبة والدها فتتزوج من طبيب مشهور من الطبقة البرجوازية الراقية، وتتكيف مع وضعها الجديد، ولكن فلورينتينو الذي أقسم على الحب بالشغف نفسه طوال العمر، قرر أن الحب قدره في الحياة، وانه سينتظرها مهما طال الأمد، ومع مرور السنوات يسعى لأن يكون ثرياً كي يليق بمحبوبته حين يموت زوجها وتحين اللحظة الموعودة، وليداوي قلبه المجندل يقيم علاقات غرامية جسدية عديدة مع نساء عابرات في لم تعوض حبه المؤجل، ولكن الرغبة الجسدية رغم استبدادها المؤقت تبقى أسيرة الوله الأزلي الذي تجسده فيرمينا داثا عبر السنين.. ينتصر الفيلم لفكرة الحب وخلودها وترينا اللقطة الأخيرة عاشقين عجوزين تمخر بهما سفينة رفعت علم وباء الكوليرا، لتستمر في ذهابها وإيابها عبر النهر..
إمكانيات الفيلم العالية، وخبرة المخرج مايكل نيويل الذي اخرج من قبل هاري بوتر، أتاحت للكاميرا رصد الفترة الزمنية والمكانية التي يتناولها الفيلم و تستمر عبر نصف قرن، وما رافقها من تغيرات حضارية ودخول عوالم المدينة من شوارع اسفلتية وسيارات وازياء مناسبة إضافة لنهر ماغدالينا المتدفق وجمال طبيعة كولومبيا وكل ماينساب بين اليابسة والماء ..
لكن ماكان مقنعا في الآليات والازياء والمشاهد الخارجية للطبيعة الآخاذة، لم يستمر على نفس مستوى الاتقان بالنسبة للممثلين الذين قدر لهم أن يمثلوا على الشاشة أعمارا تتراوح مابين السبعة عشر ( سن المراهقة) وحتى السبعين( سن الشيخوخة)، خاصة بالنسبة لفيرمينا التي ظهرت وهي في سنواتها الـ 72 وقد اعتلى وجهها بعض الشحوب وغزت التجاعيد البسيطة عينيها الفاتنتين، مع شيب أنيق لشعرها وتسريحة مناسبة، وبقوامها النحيل والمنتصب تتحرك ببطء لا يؤثر كثيراً على روعتها كحبيبة منتظرة، أما فلورينتينو العاشق النحيل فلم تقنعنا تصرفاته بفلسفته عن الحب الأبدي وإخلاص القلب الذي لاعلاقة له بالجسد، إذ بدا في مجونه أقرب إلى الدون جوان، متصيدا النساء.. وحتى في لحظة اللقاء المرتقبة حين ينفردا على سفينة تذهب وتجيء عبر النهر، لم تأت ملامحه بجديد، وهي أكثر مشاهد الفيلم خيبة.
فالبطل – لخلل ما – لم يستطع خلال ساعتين هما مدة الفيلم أن يجسد حركيا وانفعاليا عوارض الحب الأزلي التي عبر عنها ماركيز في روايته، ربما لذلك لم يبخل علينا المخرج بلقطة يقول فيها فلورينتينو أريثا لفيرمينا داثا في لقاء الحب الأول بينهما، بأنه احتفظ لها بعذريته ، فتجيبه: أنت كاذب كبير..
إن المقارنة بين الرواية والفيلم مجحفة حقاً، فما سمحت به إمكانيات العمل الدرامي السينمائي من كاميرات وطاقم إخراج ومونتاج وصوت وموسيقى وأداء الممثلين، اختلف كلياً عما أتاحه الخيال الشخصي ومدارات الكلمة المكتوبة لجابرييل ماركيز..
كما أن متعة قراءة أحداث رواية بكل تفاصيلها الدقيقة بلغة قادرة على اعادة انتاج الروائح
والأحاسيس لاتشبه إطلاقا المتعة الناتجة عن المتابعة البصرية للقطات متتابعة على الشاشة فالمشاهد الذي قرأ قصة الحب الكبيرة، وشُحن بأفكار مسبقة، فوجئ، دون شك، بعمل سينمائي قارب الرواية بخطوطها العريضة فقط، ولم يكن هذا كافيا أو مقنعاً ..! إن رواية ( الحب في زمن الكوليرا) بعوالمها اللامعقولة وفكرتها العاطفية التي تخرج عن المنطق المألوف في الحياة لم تمنح نفسها كاملاً للكاميرا، لذلك ربما كان على ماركيز أن ينتظر 20 عاما إضافية ليسمح بإنتاج فيلمه.
نشرت في جريدة( فنون) الكويتية لعدد اكتوبر