15 يونيو 2016

ابتذال الشارع وحشمة المرأة

في مجتمعات، بالكاد، تتلمس طريقها نحو الكرامة والحرية في دروب موحشة، دون شعلة أو شمعة أو دليل، ودون خبرة سابقة أو حتى دعوات حقيقية بالنجاح، في مجتمعات اعتادت أن تضل الطريق؛ فلا تعرف إن كانت تخطو نحو خلاصها أم أنها تمضي إلى حتفها، في مجتمعات تلزمك كُرهاً وتقيدك جبراً، وتخيرك بين شرين لا ثالث لهما... نحتاج إلى الكثير من ضبط النفس واللسان كي نتابع حادثة "تحرش جماعي داخل حرم جامعة القاهرة" الذي تناقلت أصداءه التلفزة المصرية.

الخبر يجعلنا ندرك حجم الكذبة التي نباهي بها الآخرين، حين ندَّعي أننا أكثر الشعوب ديناً وورعاً وخلقاً وشرفاً. يأتي خبر التحرش ضمن غيره؛ لكنه الأشد وطأة. فالحادثة ليس تحرشاً عادياً في شارع مزدحم، أو محطة قطار، أو في مجاهل الصحراء، بل هو تحرش... وجماعي... وداخل حرم جامعي؛ قام به طلبة جامعيون، واستهدفوا بـ "رعونتهم" زميلة جامعية لهم... وقام بمتابعته وتصويره - بدم بارد - زملاء جامعيون آخرون يشهدون ولا يمنعون... يحدث ذلك ونحن في مسيرة ركب حضاري وصل بنا عام 2014 دون أن نبلغه!

وفيما نحن نبتلع ريقنا والخجل، ونحاول أن نفهم، تلطمنا التعليقات بالغة السوء والتي تستهدف ملابس الفتاة، وتصفها بغير المحتشمة! بعيداً عن مطاطية التعبير، وبعيداً عن أن صاحب الرأي من الأساتذة الجامعيين، فإن الزي هو قضية شخصية بحتة، وإلا سيكون على كل امرأة أن تستفتي الجيران والمارة فربما لسبب أو لآخر لن يعجبهم ما ترتديه فيحق عليها التحرُّش!

يتصاعد العنف ضد المرأة متزامناً مع "ربيع" مجتمعاتنا، فالتحرش دون خوف المساءلة، والمد الأصولي، والعنصرية الذكورية، والتطويع الديني؛ كلها تتقصد هذا الكائن الهش الذي لم يكد يهنأ بانتصار حتى ينتكس من جديد. وتؤكد ذلك أخبار الشارع السوري، ففي المناطق التي يسيطر عليها "الجهاديون" تُجبر المرأة في حلب، مثلاً، على الحجاب، وتنتشر ملصقات صورة العباءة الأمثل وأوصافها في مدينة الرقة، لتتسرب مع الربيع "المفترض" رائحة الاختناق، حيث تُفرض الأخلاق عنوةً، ويُفرض الدين عنوةً ومعهما كلُّ ما يلحق بهما من قيود... عنوةً أيضًا.

فلماذا الآن، ولماذا مع "الربيع"، وهل كنا قبل أن ينكشف الغطاء ونرى سوءاتنا، مجرد أدعياء نتكسب من خُدع تآخي الأديان والأخلاق والنبل والسلام وإجلال المرأة وتقديس أمومتها وشراكتها، وهل من أكاذيب أعظم أثرًا ما زلنا لم نكتشفها بعد؟!

سوزان خواتمي

مقال نشر في موقع آراء الالكتروني 

ليست هناك تعليقات: