15 يونيو 2016

احترام الرأي وتهشيم الآخر




"اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية" مقولة شائعة نرددها كثيراً واتضح -بحسب محرك البحث غوغل- أنها لأحمد لطفي السيد أحد رواد حركة النهضة والتنوير في مصر. لكن من يتابع الساحات العربية هذه الأيام يدرك كم تغالط تلك المقولة نفسها.

الود الذي فسد حول الرأي السياسي، والود الذي فسد حول المعتقد الديني، والود الذي فسد بناء على (أنت مع مين؟) لم يقتصر على الأحزاب المتعارضة، بل طال العائلات والصداقات والعلاقات الاجتماعية والفيسبوكية، وامتد أثره ليفرق المرتبطين والمتزوجين، حيث أوردت الصحف حالات طلاق بين الأزواج وحالات قطيعة بين الأشقاء والأخوة.
 

ليس اختلاف الرأي بحد ذاته هو المشكلة، بل بالهدف من النقاش حول هذا الموضوع أو ذاك، والذي عادة ما يكون كسر الطرف الآخر واحراجه وتهشيمه وتسفيه معتقداته، والأفضل أن لا تكون له نهاية على الاطلاق. فالحوار الذي يبدأ بقصد أو بدون قصد سرعان ما يتأزم وتتعالى الأصوات ليثبت كل ذي حجة حجته، على طريقة فيصل القاسم في برنامجه "الرأي والرأي الآخر" والذي يجب أن يكون عنوانه "الصراخ والصراخ الآخر".

الصراخ لا يأتي بنتيجة إلا ما نراه ونلمسه ونعايشه في انقسامات وفوضى الشارع السوري والشارع المصري واليمني وكل الشوارع التي أتيح لها التعبير عن رأيها والانقسام حولها. الأمر الذي لم يكن متاحاً مع الأنظمة الدكتاتورية القامعة، لذلك كنا نعتقد -نظرياً على الاقل- بأننا متلاحمون كالبيان المرصوص، وأننا نعيش في سعادة غامرة وهدوء عميق، وأن السماء زرقاء والعصافير تزقزق!.

التعبير السافر عن الرأي جعلنا نكتشف أننا لا نهتم باحترام الرأي الآخر إلا كشعار حين نريد الاشارة إلى مدى تحضرنا. فهل العيب في طيش اللغة واستعاراتها حين تخرج من الباطن إلى العلن، أم في الرأي والرأي الآخر، أم في الود المغشوش، أم في القضية المنكوبة بحد ذاتها.!

موجعة هي المقارنة بين ما يحدث في أوطاننا بما يحدث في بلاد أخرى يحسب لها أن مواطنيها وعائلاتهم لا يتناحرون بسبب اختلاف الرأي الذي هو تطبيق عملي للديمقراطية، بل يعيشون في سبات ونبات ويخلّفون تطوراً وحضارة ومواقف سياسية مؤثرة وحازمة.
 

ويبدو أن سبب العلة ليس في تعدد الآراء وتباينها، وليس في حرية الاعلان عنها، بل في الوعي الذي يتكون وفق طرق تلقينية بحتة، حيث لا تتيح المجتمعات الأبوية لنا مجالاً لممارسة الاختلاف، بحيث نثبت -لأنفسنا على الأقل- أن ما نردده هو قناعة حقيقية وليس مجرد إنشاء ومحفوظات. فمن منكم أبدى رأياً معارضاً لأبويه أو لأستاذه أو لرب عمله أو لرئيس دولته ولم يدفع الثمن غالياً.!
 

إن الوعي المكتسب والمتوارث والمتصلب عند حدود الحزم الأسري والصرامة الدينية والاذعان الايديولوجي، بدون أي حق في الانتقاد، لا يمكن أن يكون مرناً ومستقلاً وقابلاً لقبول الاختلاف ومعايشته واستثماره.

المتغيرات السريعة التي تشهدها مجتمعاتنا كانت أشبه ما تكون بزلازل لم يتم الاستعداد لها. فنحن جميعاً نؤمن بالحرية والديمقراطية وحق الاختلاف، ولكننا لا نملك الأدوات المناسبة لتطبيق اعتقاداتنا النظرية تلك، وضمن هذا الوضع اختلفنا ببشاعة.
 
وربما نتيجة لذلك لم تفتح لنا الحرية باباً، ولم يكن ربيعنا أخضر، ولم نبلغ رشدنا، ولم نجد حتى الآن حلاً ينقذنا من فساد الود وفساد القضية.!

سوزان خواتمي 
مقال نشر في موقع آراء الالكتروني 

ليست هناك تعليقات: