تجارب الطاعة
لماذا ينصاع الناس للسلطة
أذكر منذ سنين مضت وقعت بين يدي رواية (القوقعة) للكاتب مصطفى خليفة،
لم تكن الرواية متوفرة في سوريا ولا أظنها تتوفر الآن ، فهي تتحدث عن تجربة شخصية قاسية
لسجين اعتقل 13 عاماً بتهمة الانتماء إلى حزب سياسي ، وكل ما واجهه في سجن تدمر واصفاً
العذاب اليومي وأساليب التنكيل والاعدامات الترهيبية وطريقة معاملة السجانين للسجناء
.
عادة ما تتحول القراءة في تأثيرها الأقصى إلى تجسيد مواز، وتلك الرواية
جعلت الكوابيس لا تخطئني ، إضافة -وعلى ما أذكر- جعلتني أتساءل عن الطينة التي جبل
منها أولئك السجانين ، الذين لهم وحدهم يعود فضل ابتكار وسائل العنف والاذلال والقتل
والتعذيب ! لا شك بأنهم يتلقون الأوامر كي يتصرفوا بقسوة لا مثيل لها ، لكن من غير
المنطقي أن يستلموا كل يوم ، ويوماً بعد يوم سيناريوهات تفصيلية لممارساتهم التي ينفذوها
بآلية وأحياناً
-
وفق الرواية - يكونون في حالة بهجة ومتعة !
بقي السؤال عالقاً في ذهني حتى رأيته متجسداً
في عمل سينمائي من انتاج 2015 هو فيلم
أي المُجرِب ، وأنا أسوقه هنا كمثال يضيء
فكرة معينة تهمني . يدور الفيلم حول سيرة حياة عالم النفس الاجتماعي ستانلي ميلغرام
مؤلف كتاب "طاعة السلطة، نظرة تجريبية" الذي ترجم إلى ثماني لغات ، ومازال يدرس في الجامعات
ويستعان به لتفسير حالات الجرائم والعنف . يحاول مليغرام فهم سيكولوجية الانصياع والطاعة
، ويبحث في الظروف التي تشكل الطبيعة البشرية ، من خلال القيام بتجارب على عينات عشوائية
من الناس ، يكون المطلوب منهم معاقبة شخص آخر بالصعقة الكهربائية كلما أخطأ ذلك
الآخر في الاجابة .
أثبتت تلك التجارب أن 65% من المتطوعين كانوا مطيعين تماماً ، والنسبة
الأقل توقفت في مرحلة معينة، وبنسبة أقل أيضاً رفضت تماماً القيام بالعمل الذي أوكل
لهم انجازه ، أي أن الامتثال كان أكثر شيوعاً رغم أن المتطوعين لم يكونوا ساديين ولا
عدائيين ، كانوا فقط ينصاعون لتنفيذ الأوامر رغم سماعهم لصوت المتألم في الجهة الاخرى
.
الفئة التي مثلت الأغلبية في التجربة لا تملك القدرة على مقاومة السلطة
، وبعضهم لا يريد معرفة تبعات العمل المؤذي الذي يقومون به بتلقائية ، فهم ينفذون الأوامر
التي تعطى لهم وحسب .
إذن لماذا وإلى أي حد ينصاع الأفراد للأوامر الصادرة ويتواطأ مع السلطة
مستمداً القوة من شرعيتها دون الرجوع إلى الضمير أو للقيم الأخلاقية ؟ وما هو دور الوعي
وقوة الشخصية لمواجهة المطلوب بالرفض ، والاختلاف عن تركيبة النموذج المثير للخيبة
في النموذج الأعم وهو النموذج المنصاع !
لنترك الفيلم الجدير بالمشاهدة حقاً ونتساءل؛ هل كان السجانون في رواية
(القوقعة) يقومون بأداء واجبهم على أكمل وجه ، ويرضخون للأوامر التي يتلقونها
بأريحية ! هل الذين يرمون القنابل والبراميل فوق الأبنية والأحياء السكنية ويفجرون
الكنائس ويحرقون الأسواق يتوقعون الثناء بعد انجازاتهم ! هل الذين يقطعون الرؤوس ويعلقون
المشانق مهنيون وعمليون ؟
وتبعاً للنسبة الأشمل والأعم لتجربة ستانلي ميلغرام؛ هل هي فعلاً بسبب
النزعة الشريرة الكامنة في البشر ، والمخيبة لآمالنا وطموحاتنا ، أم أنه خلل في التفكير
الاجتماعي والقيمة الاخلاقية التي تصنعها المجتمعات ؛ ويتوجب العمل عليها وتطويرها
! في الحقيقة لم أجد بعد جواباً على هذا التساؤل
.
سوزان خواتمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق