25 يونيو 2016

سيمون دي بوفوار فيلسوفة فرنسا الثائرة




خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، في الوقت الذي كانت فيه فرنسا تفور في صراعاتها الفلسفية، وثوراتها الثقافية ، كانت سيمون دي بوفورا ورفيقها سارتر يقصدان يومياً جادة سان جيرمان، حيث مقهى كافيه دو فلور، فيجلسان قريباً من مدفأة قديمة ، يتناقشان ، يتجادلان ، ويكتبان.. وكانت الصحف تلاحقهما بمقالات وردود والعداء وهجوم ومديح كونهما الممثلين لفلسفة الوجودية، وغثيانهما الوجودي.
اليوم ومع دخول عام 2008 أعلنت فرنسا استعدادها للاحتفال بمئوية سيدة الأدب الفرنسي وفيلسوفتها الثائرة سيمون دي بوفار تقديراً لطروحاتها الفلسفية ومؤلفاتها الأدبية التي كانت لها الدور الرائد في حركة تحرير المرأة ، ليس على صعيد فرنسا فحسب بل تعداها الى معظم حركات التحرير النسائية في العالم، وقد تمثل فكر دي بوفوار في التأكيد على الهوية والمطالبة بالمساواة.
ماالسبب الذي جعل هذا العالم دائماً ملكاً للرجال؟

أثرت سيمون دي بوفوار بشكل كبير في تشكيل وعي ثقافي جديد بقضية المرأة ففي كتابها
 " الجنس الثاني" الصادر عام 1949 ، والذي يعتبر من أهم اصداراتها، والذي ناقش أوضاع المرأة التاريخية والاجتماعية والنفسية والثقافية في العصر الحديث، رابطاً بين وضعية المرأة الفرنسية في القرن العشرين بالنماذج التحقيرية التي حاك خيوطها مذهب القديس طوماس، وفيه اعتبرت دي بوفوار أن المرأة الفرنسية تعاني من اضطهاد نظري تمارسه سطوة الرجل العاطفية عليها ، فيتحول من انسان واقعي إلى رمز شبيه بالآلهة، وإذ ترفض دي بوفوار ظواهر تأليه الرجل والخضوع للحب واعتبار المرأة مجرد" آخر" ، وبحسب دي بوفور" لايولد الانسان امرأة بل يصبح كذلك" إذ ليس ثمة قدر بيولوجي او نفسي او اقتصادي يقضي بتحديد شخصية المرء كأنثى في المجتمع فالأنثى تحوّل إلى امرأة ضمن واقع ذكوري متسلّط تشكّلت شخصيته انطلاقا من مفهوم السلطة التي وضعت ملامحها وحدودها السلطة الاقتصادية عبر العصور والحضارة في أبجديتها وهي التي تصنع هذا المخلوق الذي يقف في موقع متوسط بين الذكر ويوصف بانه مؤنث، و ان الاخر/ الرجل أساس جوهري في صياغة الذات الانثوية والانسانية بكاملها.
ذلك الكتاب أثار الكثير من الجدل مابين مؤيد ورافض ومشكك، وعن العدوانية التي لاقتها جراء كتابة – الجنس الثاني – تقول كاتبته:
"هوجمت خصوصاً بصدد فصل الامومة ، وصرح رجال كثيرون بأنه لم يكن يحق لي التحدث عن النساء لكوني لم أنجب أولاداً ترى ، هل أنجبوا هم .؟ على أنهم كانوا يعارضونني بأفكار ليست دون لك حسماً وقطعاً أتراني قد رفضت كل قيمة لشعور الامومة والحب؟ كلا، لقد طلبت أن تعيشهما المرأة حقاً وبشكل حرّ في حين أنهما غالباً مايخدمانها كحجة، وأنها تخضع لهما إلى درجة أن الخضوع يبقى إذ يكون القلب قد جف"


سيمون دي بوفوار وسارتر
ارتبطت سيمون دي بوفوار طوال عمرها بعلاقة مثيرة للجدل مع الفيلسوف جان بول سارتر واعتبرت لقاءها به " الحدث الرئيسي في وجودها"، حيث عملا بالتدريس في المدارس الثانوية، واستمرت الرسائل بينهما، حتى لحقت به ليكونا معاً فريق عمل متفاهم ومتجانس في كل مجالات الفكر والأدب والسياسة ، وتعاونا معا أثناء الحرب في حركة  المقاومة، فشجع كل منهما الآخر على نشر نتاج فكره، كما قاما برحلات خارجية كثيرة، قوبلا خلالها بالترحاب.. لكن علاقاتهما المفتوحة والتي لم يخلداها برابط الزواج، كانت تمر أحياناً بالغيرة حين كان سارتر يتعلق بهذه أو تلك من النساء ، ويصارحها بذلك، مما يثير عذابها لكن ايمانها بما اعتباراه فلسفة وجودية كان يجعلها تخضع وتذعن،  وحين مرض سارتر في سنواته الأخيرة، وفقد بصره اعتنت به سيمون حتى مات في ابريل عام 1980، وبعد موته اصدرت كتابها" وداعاً سارتر" ، فكتبت عن الرجال الذين احبتهم في ظل سارتر. ونشرت الرسائل المتبادلة بينها وبينهم ، وهذا ما عده البعض بمثابة تصفية حساب معه، خاصة أنه لم يترك لها الوصاية على أعماله الادبية والفلسفية بما فيها خطاباته لسيمون، بل عهد بها إلى فتاة شابة تبناها تدعى " ارليت" كان قد ارتبط معها بعلاقة استمرت سنوات، لكن سيمون أصرت على نشر رسائلهما، وأقامت في شقة تطل على المقبرة التي دفن بها، كما أوصت أن تدفن فيها هي أيضا بعد وفاتها.. وعن تعقد العلاقة بينهما كتبت دي بوفوار "(الحقيقة أنني كنت منفصلة عن سارتر بالقدر الذي كنت التحم فيه مع هذه الشخصية.. كانت علاقتنا جدلية. أحياناً كنت أشعر بأنني على مسافة لا معقولة منه، وفي أحيان أخرى كنت أشعر كأنني النصف الذي يكمل النصف الآخر. أخذت منه وأخذ مني، وبالتأكيد لم أكن تابعة لـه ).
 يجد الكثيرون أن تجربة سيمون دي بوفوار لم تكن مهمة إلا لكونها ارتبطت بفيلسوف مهم هو جان بول سارتر، وفي هذا غبن كبير لأهميتها، فالاثنان لم يشكلا معاً علاقة اعتيادية بل كان ثمة قضايا عالجاها معاً من خلال نقاشاتهما، والتي صدما بها العالم كقضايا الارتباط والاخلاص والخيانة، وقد وصف سارتر سيمون بأنها : تجمع بين ذكاء الرجل وحساسية المرأة، وعلى رغم الدرب الواحد الذي سلكاه، تناولت هي قضايا الواقع الملموس. وقد اختيرت دي بوفوار كرئيسة للرابطة الفرنسية لحقوق المرأة.كما حصلت على جائزة" جونكور" وهي أرفع جائزة أدبية في فرنسا ، وبهذا سبقت سارتر الذي نال نوبل بعد ذلك بعشر سنوات..

أعمال سيمون دي بوفوار

كتبت سيمون دي بوفوار سيرتها الذاتية في أربع كتب : مذكرات ابنة مطيعة- في ربيع الحياة- قوة الظروف – كل شيء قيل وحدث ، في تلك الأجزاء أرخّت دي بوفوار الحياة الفكرية في فرنسا ، وقال النقاد عن تلك الكتب أنها شجاعة وصادقة وتحمل أبعاد الأمانة المفترضة في السير الذاتية.
 أما رأيها الشخصي بما تناولته فتقول عن كتاب الجنس الثاني:
"كان من ألوان سوء التفاهم التي خلقها الكتاب الاعتقاد بأني كنت أنكر فيه أي فرق بين الرجل والنساء، والحقيقة أني بالعكس قست وأنا أكتب الكتاب مايفصل الجنسين، ولكن ماذهبن إليه هو أن تلك الاختلافات هي ثقافية وليست طبيعية ، وأخذت على عاتقي أن أروي كيف كانت تنشأ هذه الاختلافات( ....) وهكذا ألفت الجزء الثاني : التجربة المعاشة"

وعن رواية ( المدعوة) تقول:
كانت الأرض مزروعة بالأوهام المحطمة وهي الاخفاق الذي أزعج حياتي الخاصة هو الذي خلق ( المدعوة) ومنحني تقهقراً بالنسبة لتجربتي الحديثة والرغبة في انقاذها بالكلمات وأصبح ممكنا وضرورياً لي أن أضعها في كتاب.

عن ( المثقفون) تعلق:
خلافا لما ادعاه البعض من الخطأ اعتبار المثقفون رواية مفاتيح، وأنا أحتقر روايات المفاتيح احتقاري لكتب ( الحيوات المروية) (...... ) وأنا لاأزعم أن المثقفون رواية ذات فكرة، أن رواية الفكرة تفرض حقيقة تمحو جميع الحقائق الأخرة وتوقف دائرة الاعتراضات والشكوك التي لاتنتهي: أما أنا فقد صورت بعض أشكال الحياة في فترة مابعد الحرب من غير أن أقترح حلولاً للمشكلات التي تقلق أبطالي.

عن كتاب ( دم الآخرين) تقول:

صدر دم الآخرين في أيلول، وكان موضوعه الرئيس كما ذكرت تناقض هذه الحياة التي عشتها كحريتي والتي التقطها- كشيء- أولئك الذين يقربونني، ولكن هذه المقاصد فاتت الجمهور ، وصنف الكتاب على أنه رواية عن المقاومة.... وصنفت أيضا رواية وجودية وكانت هه الكلمة قد أصبحت تلازم آلياً أثار سارتر وآثاري.

سوزان خواتمي
نشر في جريدة النهار

ليست هناك تعليقات: