لا أدري لماذا كَثُر الحديث عن حوار الحضارات في منطقتنا، مادمنا كشعوب ودول معافين تماما من آفات التطرف الايديولوجي، والعنجهية الفكرية، والاستبداد بالرأي، ولا داعي لإيراد الأمثلة فهذا الأمر يظهر جلياً وواضحاً في كل الحالات المحتملة لاختلاف وجهات النظر، ابتداء من الحوار الحضاري الذي يُبسط على النطاق الأسري بين الأزواج ومع الأولاد، فلا يسمعه الجيران، ولا تستخدم فيه الأسلحة البيضاء من شباشب وصحون.. أو في العمل حيث لكل زميل الحق في إبداء الرأي والاعتراض بأريحية، ومن ثم القبول بالأريحية نفسها، أو في البرامج التلفزيونية الحوارية إذ تتقاذف الأطراف المتنازعة وجهات النظر على طريقة لعبة التنس (الأكابرلية)، فلا ضرورة لشد الشعر ولا لرفع الصوت، أو في الندوات الثقافية حيث يكون الحضور خليطاً من تعددية فكرية لافتة، فالسلفيون يهرعون الى سماع الفكر الليبرالي، والعكس صحيح..!الحقيقة استغرب الاشاعة التشهيرية التي تحيطنا بأننا أمة (خدوهم بالصوت لا يغلبوكم) فالحوار بيننا وبين الآخر، يتسم بالهدوء والرزانة والموضوعية والإصغاء المهذب، دون عداءات مسبقة، ولا إجابات تهكمية، ولا أحكام تكفيرية، ولا تشنيعية، ولا تعجيزية، فما اصطلح على تسميته العقل العربي يؤدي مهماته على الوجه الأكمل، من حيث تقليب الأفكار والتعمق بمسوغاتها، وشرعية التساؤل، والتشكيك، في مناخ ربيعي من الحرية، يسعى ويهدف إلى إنتاج معرفي ثقافي، وهذا ما يجعله (أي العقل ما غيره) عضواً لا يضمر من قلة الاستعمال، ولا يصاب بالعطب، فالعقل ملكة استدلال، وهو في حالة الانغلاق - وهذه حالة نادرة اسمع عنها، ولم أصدفها أبداً - يعتد بصوابه ويقينه، ولذلك مازلت في حيرة من جملة المفكر محمد أركون في محاضرته التي ألقاها أخيراً في احتفالية (التنوير ارث المستقبل) حول وضع مجتمعاتنا التي تعاني مما أسماه (طغيان الجهل المؤسس)، فمامعنى الطغيان؟ ومامعنى الجهل؟ ومامعنى مؤسس؟
"شبــــــــــــــــابيــــــــك الغـــــــــــربـــــــة" إنها مدونة تشبه وطناً، وليست هو !
29 ديسمبر 2008
03 ديسمبر 2008
جوز الست:غمز ولمز اجتماعي
لايتجاوز النمو العضلي عند المرأة ثلثي النمو العضلي عند الرجل، ولاعتبارات كثيرة عوضت المرأة ضعفها البدني ببدائل أخرى، لتختار نوع قوتها من بين أحد الحكم الرائجة، التي تفترض قوة المرأة في جمالها أو في دموعها أو في حنانها أو في صمتها..!
وبشكل عام هناك إجماع كامل حول إعلاء قيمة الأنوثة في شخصية المرأة، فالرجال شيبا وشبانا يفضلون الفتاة الرقيقة الناعمة، وفي الوقت الذي يسطر فيها الكتاب والشعراء كلمات ولّه تتغنى بكحل العيون وقوس الحاجب ونحول الخصر المياس، وكل ماتعكسه المرآة من فتنة، فإن أحدا لم يشر إلى تميز المرأة بفرادة شخصيتها وقوتها، بل على العكس، ويبدو أن المرأة أدركت مبكرا البضائع الرائجة في سوق الزواج، فاختارت أسهل الطرق بالأزياء والتزين والتطيب والشد والنفخ، إذ يتخوف الرجال من فكرة الارتباط بمن ينافسه ويتعامل معه ندا لند، معتبرا أن صاحبة الشخصية القوية امرأة تخلت عن أنوثتها، وهو يفضل فتاة ترضيه وترضى بسيطرته، إن لم يكن من باب نزعة التملك، بل أيضا كي لايتعرض لتعليقات الغمز واللمز حين يقال عنه( جوز الست)..!
الانوثة تكسب
الحقيقة أن إرثا كبيرا من الأفكار الجائرة حددت كينونة المرأة، وباتت من المسلمات حتى بالنسبة للمرأة نفسها، فحدود قناعتها بقدراتها لاتذهب أبعد من حضورها كأم حنون وزوجة مطيعة وحبيبة دافئة..
والمستغرب أن ميزان القيم الأخلاقية ليس واحداً بين الذكر والأنثى، فالخصال التي تتباهى بها المرأة، تعتبر من المساوئ بالنسبة للرجل، ولايرجع الأمر لعامل الفطرة والطبيعة بقدر مايعود إلى النظرة العامة في الثقافة العربية، فتمدح المرأة لحيائها حتى لو وصل حد التلعثم، فيما يذم الرجل الذي يستحي، فللذكورة واعتباراتها قيما مختلفة في سلم الرجولة: كالحرية والغيرة والقوة والجسارة والعلم والسيطرة والنبل .. وهي اختلافات حددها المجتمع منذ فترة طويلة ومازالت الأمور عند ثوابتها..!
إن ضعف المرأة ناتج عن تاريخ طويل من التحجيم والاستهانة، تحمله المرأة على كتفيها ، ليس من قبل العامة فحسب، فحتى الفلاسفة والشعراء كارسطو و بودلير لم يخفوا عداءهم لها معتبرين أنها كارثة كونية، وكان يمكن للأرض أن تدور بشكل أفضل من دونها، وقد استخف توفيق الحكيم بذلك الكائن، فكان يسخر منها في مقالاته وقصصه، كذلك فعل عباس محمود العقاد الذي لم يستطع تخيل المرأة في سوية معادلة للرجل واعتبر أن مطالبها بالتحرر ليست أكثر من ورطة لم تخلق له ولم يخلق لها، وهو القائل: " إن خير ما في النساء ساعة ضحك".
سجن الأدب المرأة مثل باقي تجليات الحياة داخل قوالب جاهزة وحتمية، وتعامل معها كأسطورة وجسدها في الخير المطلق او الشر المطلق، فهي إما أماً وأرضاً وعرضاًً أو شيطاناً ومكرا وخديعة.. وجعلها تدفع ثمن ثورتها أو رفضها أو خروجها عما حُدد لها من مهمات وصفات ومكانة، بل غالبا ماصور الروائيون المرأة القوية كأقرب ماتكون إلى شمشون الجبار، فهي تفتقر إلى الجمال، عانس، موتورة، تزعق وتفتعل المشاكل، و(تطفش) العفاريت، وقد انتقلت هذه الصورة الكاريكاتيرية من صفحات الروايات إلى شاشة السينما والتلفاز، حتى تكرست في الأذهان.
وعلى الرغم من صعوبات الحياة التي تحتاج إلى رفيقة درب تتحمل المسؤولية، فإن الشباب يتصرفون بازدواجية تجعلهم ينجذبون إلى المرأة ذات الشخصية القوية والمركز المهني والعلمي المتميز، ويتزوجون من أخرى لها( فم يأكل وليس لها فم يحكي)، مفضلين أسلوب ذبح القط من يوم العرس، متمسكين بمبدأ القوامة التي يتم تفسيرها على أنها امتلاك الحق في السيطرة والعناد والكلمة التي لا تصير اثنتين، مما جعل الفتيات يتقن سياسة المكر ، فيلبسن القناع المطلوب للإيقاع بالشاب المرغوب.. إذ تستطيع المرأة كسب جولاتها النهائية باستخدام سلاحي الغنج والأنوثة..
قضية استبداد
لم يكن مستغرباً ولع الكثير من الرجال ومتابعتهم لمسلسل – باب الحارة- الذي أعاد أمجاد سي السيد، الآمر الناهي، و رد الاعتبار لمكانة الشاربين حيث يحط الصقر، وصوّر – بخبث- روعة الحياة مع امرأة مطيعة ترتجف رعباً من زوجها، ولا تقوى على معارضته..
الحارة التي تعتز بجنس الرجال وتتباهى بهم، أثارت مشاعر الحنين إلى تلك الأيام الخوالي، ماجعل البعض يفكر بتأسيس جمعيات ( حقوق الرجل ) لاسترجاع ما فقده من حواء التي
– تفرعنت- بعد أن تمت مساواة الجنسين، وامتلكت حقوقها في التعليم والعمل، لكن الحرية أفقدتها توزانها، فلم يعد همها الأول صيانة بيتها ورعاية أولادها، ما أدى إلى زيادة حالات الطلاق، وتطاول ( الست) على زوجها بالضرب والتأديب، أو خلعه ورميه خارج البيت..!
وهي مزايا كانت تخص الرجل وحده، فيضرب ويطلق ويهجر ويتزوج مثنى وثلاث، ومع ذلك فالحياة وقتها كانت تمر برداً وسلاماً، باعتبار أن ضرب الحبيب( زي اكل الزبيب)، أما ضرب الحبيبة فليس له طعم الزبيب..!
27 نوفمبر 2008
جدتي زينب
في رواية دونكيشوت، ظل البطل يحتضر طيلة ثلاثة أيام وهو محاط بالناس الذين يحبونه، لكن ذلك لم يمنع صديقه سانشو عن أن يكون منشرح المزاج (لأن واقعة وراثة شيء ما تمحو أو تخفف الحزن من أن الانسان ميت ولابد) لذلك سأبحث عن كل الجينات التي أفترض أن جدتي أورثتها لي، وسأنظر الى المرآة بدقة لأرى مستقبل تجاعيدي، هل سيكون لي وجهها.. ظل ابتسامتها.. اسنانها الاصطناعية اللامعة.. بل هل سأستطيع حمل شيء من قلبها الذي لايفنى؟ هناك من سيقول لي: وأي غرابة في أن تكون الجدة حنونا؟ وأقول: ليس كزينب، ليس كجدتي، فالحب لم يمر بين كفيها الا كي يقيم، ومن صوتها تَنبت الحكايات.. كانت تلك العجوز التركية تمددني على ساقيها حتى أنام، وتؤمن بأن حشر كل ما عندها داخل فمي جزء حتمي من الحب. في سنواتها الأخيرة التي طالت حتى أضجرتها، كانت قد أكملت استعداداتها لتذهب دون تكهنات الى راحتها، موقنة بايمانها وتقاها، بل لطالما فصلت لنفسها أفضل (سيناريو) ممكن لموت وشيك، أن يكون الجو معتدلاً مثلاً، كي لا يتجشم الآخرون عناء سوء الطقس، أو في صبيحة أول أيام العيد، اذ ستطرق العائلة جميعها بحكم العادة بابها..! بل كانت تشتهي لنفسها طريقة موت بعينها، سهلة، مريحة ( اكابرلية) ولا تربك أحداً.. ولكن الموت لم يكن قريبا كما أرادت، عاما بعد عام، تضمني الى صدرها وتتوقع أنها المرة الأخيرة، ولم تكن..!ماتت جدتي، ولم يكن موعدا قريبا، ولم يكن يوم عيد، ولا كانت على فراشها كما تمنت، بل على سرير المرض في مشفى كئيب، وبين أطباء تعودوا رؤية الألم حتى ماعادوا يبالون به..الأحزان تغسل النفوس، تنشرها تحت الشمس، وحين تمتلكك حقاً، تعفيك من وجودها، وتتركك أسير سطوة الحنين، وفي تساؤلاتك اللانهائية عن أسرار الكون، عن اليقين، عن مغزى الرحيل، وعن جهاته، فأين نذهب، ولماذا نذهب؟..جدتي بزوادة قناعاتها لم تخف من الموت، أما أنا فهدني الغياب، وكلما حل ليلٌ ولمست صلابة الأرض، أشفقت عليها من العتمة والوحدة والبرد..
23 نوفمبر 2008
رثاء محمد خالد القطمة
خالد القطمة .. فقط
حسن احمد عبد الله
أغمض على التاريخ روحه، وترك القصيدة شاردة في برية السؤال ، هكذا طوى ابو نضال ثلاثة أرباع القرن من الحيوية والنشاط والبشاشة والكفاح ، وكعادته دائما مجلجلا بالفرح ، صامتا بالألم مضى.
كان الزمن عن خالد القطمة قصيدة تكتب مفرداتها الايام ، فمرة مشرقة بالذكريات، ومرات بالمواقف، وهو من الجيل الذي كانت حياته مواقف ، اذ كانت الحياة وقفة عز فقط عنده ، منذ أن تلتقيه وحتى تودعه تبقى متشوقا للمزيد من الأحاديث والذكريات، هذا الرجل الذي أمضى 53 عاما في الصحافة ، كتب فصلا مهما من تاريخ الصحافة العربية ، هذه الصحافة التي كانت تكتب بأهداب العين وتقرأ بخفقات القلوب ، كانت المرآة التي ترى فهيا اشراقات الأرواح ، هذه الأرواح التي كان أبو نضال أحد الذين صنعوا خبزها، عجنوا تعبهم بالأرق والعرق، وبالدم أحياناً.
طوال عقد من الزمن كان عزيزنا الحكيم الذي يلقي حكمته في برية السؤال ، ليس لفارق العمر عنده أي معنى لأنه مؤمن بالعقول ، بالتلاقح بين الأفكار، هذا الرجل الذي غادرنا أول من امس يترك فينا الكثير.. الكثير من المحطات التي نقف عندها.
تاريخ خالد القطمة ليس مجهولا لنعيد التذكير به ، فهو في حد ذاته بعض تاريخ المنطقة، فلقد كان جريئا إلى درجة أن يكشف الى العالم اجمع فصلا من مخطط جهنمي لتقسيم بعض بلاد الشام حين نشر كتابه الشهير "الدولة الدرزية " وكان شفافا كالماء الرقراق في قصائده
أبو نضال " صدى لبنان" ، " البناء" ، " الايام" ، " الرأي العام "، " اليقظة " ، " الحدث" ، " الوطن" ، " الانباء" .
أبو نضال " الاسبوع سبعة أيام " " أبو اللطف" وسبحة طويلة من اللحظات التي تجعلك تعيد تهجئة الاسم مرة أخرى، لتعيد اكتشاف الرجل ، أبو نضال " دار سعاد الصباح" النموذج المشرق في عالم الابداع العربي
عصيةالعبارة أمام هول الصدمة ، لكن هذا هو القدر،أبو نضال الراحل ، سيرة أولى في زمن صعب، زمن المرارات العربية، زمن الانكسارات العربية، زمن الحض على التوقد كالجمر، هكذا كان الرجل الكبير في كل شيء يحضك على البدء دائما من جديد، على عدم الاستسلام للمرارات ، على عدم قبول الهزيمة، لقد كان قصيدة تعيد ترديدها دائماً..
أبو نضال .. وداعا
أمام رحيل هذا الكبير لايمكننا ان نقول الكثير .. لأننا في حضرة هذا الغياب المحزن..نتذكر فقط خالد القطمة.. فقط
حسن احمد عبد الله
أغمض على التاريخ روحه، وترك القصيدة شاردة في برية السؤال ، هكذا طوى ابو نضال ثلاثة أرباع القرن من الحيوية والنشاط والبشاشة والكفاح ، وكعادته دائما مجلجلا بالفرح ، صامتا بالألم مضى.
كان الزمن عن خالد القطمة قصيدة تكتب مفرداتها الايام ، فمرة مشرقة بالذكريات، ومرات بالمواقف، وهو من الجيل الذي كانت حياته مواقف ، اذ كانت الحياة وقفة عز فقط عنده ، منذ أن تلتقيه وحتى تودعه تبقى متشوقا للمزيد من الأحاديث والذكريات، هذا الرجل الذي أمضى 53 عاما في الصحافة ، كتب فصلا مهما من تاريخ الصحافة العربية ، هذه الصحافة التي كانت تكتب بأهداب العين وتقرأ بخفقات القلوب ، كانت المرآة التي ترى فهيا اشراقات الأرواح ، هذه الأرواح التي كان أبو نضال أحد الذين صنعوا خبزها، عجنوا تعبهم بالأرق والعرق، وبالدم أحياناً.
طوال عقد من الزمن كان عزيزنا الحكيم الذي يلقي حكمته في برية السؤال ، ليس لفارق العمر عنده أي معنى لأنه مؤمن بالعقول ، بالتلاقح بين الأفكار، هذا الرجل الذي غادرنا أول من امس يترك فينا الكثير.. الكثير من المحطات التي نقف عندها.
تاريخ خالد القطمة ليس مجهولا لنعيد التذكير به ، فهو في حد ذاته بعض تاريخ المنطقة، فلقد كان جريئا إلى درجة أن يكشف الى العالم اجمع فصلا من مخطط جهنمي لتقسيم بعض بلاد الشام حين نشر كتابه الشهير "الدولة الدرزية " وكان شفافا كالماء الرقراق في قصائده
أبو نضال " صدى لبنان" ، " البناء" ، " الايام" ، " الرأي العام "، " اليقظة " ، " الحدث" ، " الوطن" ، " الانباء" .
أبو نضال " الاسبوع سبعة أيام " " أبو اللطف" وسبحة طويلة من اللحظات التي تجعلك تعيد تهجئة الاسم مرة أخرى، لتعيد اكتشاف الرجل ، أبو نضال " دار سعاد الصباح" النموذج المشرق في عالم الابداع العربي
عصيةالعبارة أمام هول الصدمة ، لكن هذا هو القدر،أبو نضال الراحل ، سيرة أولى في زمن صعب، زمن المرارات العربية، زمن الانكسارات العربية، زمن الحض على التوقد كالجمر، هكذا كان الرجل الكبير في كل شيء يحضك على البدء دائما من جديد، على عدم الاستسلام للمرارات ، على عدم قبول الهزيمة، لقد كان قصيدة تعيد ترديدها دائماً..
أبو نضال .. وداعا
أمام رحيل هذا الكبير لايمكننا ان نقول الكثير .. لأننا في حضرة هذا الغياب المحزن..نتذكر فقط خالد القطمة.. فقط
21 نوفمبر 2008
رثاء محمد خالد القطمة
أبا نضال.. وداعا
كتب جابر محمد الهاجري :
تلقيت مكالمة من أحد ما يقول انه في طريقه إلى الشاليهات فوجد نفسه على مشارف الجهراء، فضحكنا «ضحك طفلين معاً»، واستغرقت في تلك المكالمة ونسيت أني بصحبة اثنين من كبار مؤسسي الصحافة العربية، كان ذلك قبل سنوات وكنا في بهو فندق الشيراتون.. فعدت إليهما معتذرا، فسألني خالد قطمة ضاحكا: «شو القصة ضحكاتك واصلة لآخر الدنيا.. فرحني شو؟».. رحمه الله، بابا خالد قطمة كان جميلاً رائعاً طفولياً في ضحكته وفي صفائه وصدقه، كنت أجد المتعة في لقائه مع سمير عطا الله أستاذي وصديقي العزيز كلما زار الكويت، حيث أرى لوحة جميلة من الوفاء والشوق والإخلاص بين صديقين حميمين في زمن ندر فيه الوفاء، كان لقاؤهما ممتعاً لي وفيه من الفائدة المعلوماتية والثقافية والصحافية الشيء الكثير، رحل الجميل خالد قطمة وكان أقل الواجب هو حضور اللقاء الأخير معه بحضور جنازته، طيب الله ثراه.رحل ذلك «الهارب من الأعراب»، وبرحيله طويت صفحة أخيرة في مسيرة أحد العمالقة في الصحافة العربية وخصوصا صحافة الكويت التي كان له الفضل في تأسيس العديد من الدور فيها، كان جميلا وكنت استمتع بنصائحه الصادقة والمعبرة عن حب. كان ينتقد مشيرا الى نقاط الخلل لأجل تقويمها كي تبقى صحافة الكويت في صدر الريادة كما يريدها.لن يكون هناك لقاء ثلاثي، وحتما لن ننسى الجميل خالد قطمة، وليس لنا سوى أن نتقدم بالعزاء لكل عشاق الكلمة الحرة الصادقة ولكل ابناء صاحبة الجلالة العربية والعزاء للأصدقاء والعزاء لسمير عطا الله الذي زاد من حزننا على راحلنا العزيز أبي نضال في تلك المكالمة التي يغالب فيها أبو نصري عبراته ودموعه.. حيث لن تكون هناك لقاءات أخرى مع خالد قطمة و«قفشاته» الجميلة.. لن يكون هناك سؤال من خالد قطمة عن أحوال صديقه سمير عطا الله كلما التقيت به.. ولن يكون هناك اشتياق لأخبار خالد قطمة وأحواله من سمير كلما التقينا في بيروت.. الرحيل سمة الحياة والوفاء من شيم الكبار.. رحل خالد قطمة كبيراً ورجلاً صاحب مواقف رجولية مع الكويت وأبناء الكويت.. لن ننسى عطاء خمسين عاماً في خدمة الكويت وصحافتها..أبا نضال سنفتقدك كثيرا يا صديقنا الكبير.. العزاء للسيدة نور ولمجد ولشقيقاته.. البقاء لله..
16 نوفمبر 2008
رثاء محمد خالد القطمة
خالد الذِكر أو الذكر الخالد
فاطمة حسين
لقد غيب الموت قبل ايام قليلة الصحافي القدير والكاتب الكبير محمد خالد قطمه.. واحد من فرسان الكلمة الصادقة - رغم قلتهم - وأحد الاعمدة التي نشأت على اكتافها صحافة الكويت. وصاحب الفضل الكبير في غرس بذور «الحرفية» في شارع الصحافة. الرجل الذي احبه تلامذته واصدقاؤه، واحترمه تلامذته ايضا واعداؤه.
قابلته في النصف الاول من سبعينات القرن الماضي، قدمني له الاستاذ الكبير محمد مساعد الصالح رئيس تحرير مجلة «الهدف» آنذاك وكان المرحوم يشغل منصب ادارة تحريرها، قدمني كمساهمة جديدة لكتابة الصفحة الاخيرة وكانت بعنوان «وجهة نظر».
ما ظهر لي ساعتها من شخصيته سوى النشافة بدلا من الطراوة المتوقعة والجدية بعيدا عن الهزل، والاصرار على الدقة المتناهية دون تراخٍ ولا تنازلات، حتى برزت امامي علامة استفهام كبيرة كيف يمكنني ان اتعامل مع هذا الشخص؟؟؟ فغلب فكري اهمية البحث عن مساحة مشتركة حتى وجدنا نفسينا نلتقي في واحة وسط الصحراء العربية الممتدة من الخليج الى المحيط وتعاونا على الإنبات فيها، بعضا من إيمانه بالقومية السورية وزعيمها انطوان سعادة وبعضا من ايماني بالقومية العربية وعرابها ساطع الحصري.. لكننا اختلفنا على الأولويات والاختلاف صحة نسجت بساطا أحمديا لصداقتنا حتى يوم خطفته يد المنون.
عملت معه وتحت امرته كاتبة متدربة، لكنني لا أنسى غيمة الخوف التي كانت تحتل تجويف صدري كلما أمسكت بالقلم متصورة حركة قلمه الأحمر عند المراجعة، لكن يشهد الله عليّ وهو اليوم بين يدي ربه انني ما سمعت منه قط سوى كلمات الإطراء والتشجيع.
لقد أضاء لي ابونضال دروب قلمي بديلا عن القول عبر الأثير المسموع منه والمرئي - الذي استنزف طاقتي كما كان يتصور - لأن الكتابة - كما كان يردد على مسامعي هي توثيق للفكر ومرونة للغة تأخذ الإنسان باتجاه النمو - ثم يضحك - حتى يصل الى حدود الإدانة المؤكدة فلا مفر ولا مبررات للإنكار.
ليرحمه الله، عندما انضم الى كوكبة العاملين في الرأي العام أشبعنا من جوع كنا نبحث عن سده في صحافة لبنان وخاصة النهار والحياة حتى دخل عالم التأسيس على الأصول التي كان يتقنها فكانت «اليقظة» ثم «الهدف» ثم «الوطن» حتى وصل الى «الأنباء» واستقر بها مؤسساً ومديرا للتحرير ومستشارا من 1976- وحتى عام 1990 فكان هو المؤسس والصانع والاب الروحي -مهنياً- زمن قد شكل فيه هو وبعض من ربعه مثل سمير عطا الله وغيرهما فصاغوا موجة اعلامية جادة وجاذبة وعالية المهنيةونثروها في شارع الصحافة وأظن ان القيادات الصحفية اليوم هم خريجو تلك المدرسة ونتاج تلك الموجة.
واذكر هنا للكاتب صالح الشايجي برنامجاً تلفزيونياً جاداً استضاف فيه كل الاخوة العرب الذين احبوا الكويت كأبنائها واكثر، وعندما استضاف (المرحوم) رفض ان يسمى (الكويت) وطنه الثاني واطلق مقولته المشهورة (الوطن التوأم).
لخالد قطمه عوالم كثيرة وكبيرة لكن الصحافة كانت له عالم العوالم يحيا بها يتنفس عبرها ويغضب عندما يختصر القوم الصحافة بالورق والقلم فهي بالنسبة له حياة متكاملة نامية متحركة فالصحافة لديه علم وفن وحرفة وتحتاج للمهارة في كل باب من تلك الابواب وفي نمو مستمر فهي كالإنسان نموه يأتي بالتوالد والتجدد حتى يستمر شبابه.
يرحمك الله ايها العزيز لقد اسعدت الكويت في حياتك بعملك وفي مماتك باحتوائها لجسدك، واظن ان جسدك ايضاً يسعد اليوم باستقراره وسط تراب احبه طوال عمره، هذا هو الحب المتبادل فليتغمدك الله برحمته.
فاطمة حسين
لقد غيب الموت قبل ايام قليلة الصحافي القدير والكاتب الكبير محمد خالد قطمه.. واحد من فرسان الكلمة الصادقة - رغم قلتهم - وأحد الاعمدة التي نشأت على اكتافها صحافة الكويت. وصاحب الفضل الكبير في غرس بذور «الحرفية» في شارع الصحافة. الرجل الذي احبه تلامذته واصدقاؤه، واحترمه تلامذته ايضا واعداؤه.
قابلته في النصف الاول من سبعينات القرن الماضي، قدمني له الاستاذ الكبير محمد مساعد الصالح رئيس تحرير مجلة «الهدف» آنذاك وكان المرحوم يشغل منصب ادارة تحريرها، قدمني كمساهمة جديدة لكتابة الصفحة الاخيرة وكانت بعنوان «وجهة نظر».
ما ظهر لي ساعتها من شخصيته سوى النشافة بدلا من الطراوة المتوقعة والجدية بعيدا عن الهزل، والاصرار على الدقة المتناهية دون تراخٍ ولا تنازلات، حتى برزت امامي علامة استفهام كبيرة كيف يمكنني ان اتعامل مع هذا الشخص؟؟؟ فغلب فكري اهمية البحث عن مساحة مشتركة حتى وجدنا نفسينا نلتقي في واحة وسط الصحراء العربية الممتدة من الخليج الى المحيط وتعاونا على الإنبات فيها، بعضا من إيمانه بالقومية السورية وزعيمها انطوان سعادة وبعضا من ايماني بالقومية العربية وعرابها ساطع الحصري.. لكننا اختلفنا على الأولويات والاختلاف صحة نسجت بساطا أحمديا لصداقتنا حتى يوم خطفته يد المنون.
عملت معه وتحت امرته كاتبة متدربة، لكنني لا أنسى غيمة الخوف التي كانت تحتل تجويف صدري كلما أمسكت بالقلم متصورة حركة قلمه الأحمر عند المراجعة، لكن يشهد الله عليّ وهو اليوم بين يدي ربه انني ما سمعت منه قط سوى كلمات الإطراء والتشجيع.
لقد أضاء لي ابونضال دروب قلمي بديلا عن القول عبر الأثير المسموع منه والمرئي - الذي استنزف طاقتي كما كان يتصور - لأن الكتابة - كما كان يردد على مسامعي هي توثيق للفكر ومرونة للغة تأخذ الإنسان باتجاه النمو - ثم يضحك - حتى يصل الى حدود الإدانة المؤكدة فلا مفر ولا مبررات للإنكار.
ليرحمه الله، عندما انضم الى كوكبة العاملين في الرأي العام أشبعنا من جوع كنا نبحث عن سده في صحافة لبنان وخاصة النهار والحياة حتى دخل عالم التأسيس على الأصول التي كان يتقنها فكانت «اليقظة» ثم «الهدف» ثم «الوطن» حتى وصل الى «الأنباء» واستقر بها مؤسساً ومديرا للتحرير ومستشارا من 1976- وحتى عام 1990 فكان هو المؤسس والصانع والاب الروحي -مهنياً- زمن قد شكل فيه هو وبعض من ربعه مثل سمير عطا الله وغيرهما فصاغوا موجة اعلامية جادة وجاذبة وعالية المهنيةونثروها في شارع الصحافة وأظن ان القيادات الصحفية اليوم هم خريجو تلك المدرسة ونتاج تلك الموجة.
واذكر هنا للكاتب صالح الشايجي برنامجاً تلفزيونياً جاداً استضاف فيه كل الاخوة العرب الذين احبوا الكويت كأبنائها واكثر، وعندما استضاف (المرحوم) رفض ان يسمى (الكويت) وطنه الثاني واطلق مقولته المشهورة (الوطن التوأم).
لخالد قطمه عوالم كثيرة وكبيرة لكن الصحافة كانت له عالم العوالم يحيا بها يتنفس عبرها ويغضب عندما يختصر القوم الصحافة بالورق والقلم فهي بالنسبة له حياة متكاملة نامية متحركة فالصحافة لديه علم وفن وحرفة وتحتاج للمهارة في كل باب من تلك الابواب وفي نمو مستمر فهي كالإنسان نموه يأتي بالتوالد والتجدد حتى يستمر شبابه.
يرحمك الله ايها العزيز لقد اسعدت الكويت في حياتك بعملك وفي مماتك باحتوائها لجسدك، واظن ان جسدك ايضاً يسعد اليوم باستقراره وسط تراب احبه طوال عمره، هذا هو الحب المتبادل فليتغمدك الله برحمته.
14 نوفمبر 2008
نحن محكومون بالموت ياخالد
نحن محكومون بالموت ياخالد
سوزان خواتمي
سوزان خواتمي
رحل عاشق الحياة، محتفظا بقلب طفل ومزاج شاعر.. خطفه الموت من ذكرياته التي ظلت تلاحقه فلاتتركه لحظة من ليل او من نهار..محمد خالد القطمة رجل امتلك ذاكرة حديدية وتاريخا مقسوما بين السياسة والصحافة، وبسبب وطأة المرض الاخيرة احتفظ بين سبابته والوسطى بسيجارة مطفأة، وبحلم انجاز كتاب يترك بين دفتيه خلاصة تلك الذاكرة. في مكتبه المكسو بالخشب والمحاط بالهدوء، ستجد لوحة على الباب: (انا اكتب اذن انا غير موجود)، وعلى الجدار الأيسر علق كما من الصور تربطه كحبل الوريد بشخصيات واحداث وذخيرة عمر.. ولن يطول بك الوقت حتى تدهشك رغبة كل من حوله بتنفيذ تعليماته، ثم ستكتشف بالتجربة، ان نبله وكرمه معا كفيلان بضمك الى أولئك الذين يسعون الى ارضائه، رغم ذلك ستبقى عاجزا عن رد جمائله الكثيرة كشخص يؤمن بالعطاء دون انتظار المقابل.. المرض اللحوح افقده الهمة، واحساسه العارم بالنكتة. يتابع نشرات الاخبار ويتحسر مثقل القلب بهاجس الأمة التي مازالت تتهاوى، وهو من جيل دفع ثمن مبادئه وافكاره وعروبته الكثير..كي تعقد صداقة ما مع خالد القطمة عليك ان تكون فطناً ولماحاً، فهو يكتب مقالاته باسلوب ساخر، مليء بالمرارة، في كتابه (هارب من الاعراب ) يسـأله صديقه سمير عطا الله عن ذلك، فيجيب : «لماذا لانحاول ان نضحك من بعضنا وعلى بعضنا بعد ان مضت علينا قرون ونحن نبكي على حالنا ويضحك علينا الاخرون»؟وماعرفت شخصا اكثر نباهة من استاذي خالد في رواية النوادر وربطها بواقع الحال، أو في ملاحظة خلل ما، وتحويله الى قفشة ساخرة، يقول «يتزايد عدد المرات التي تخرج فيها علينا مذيعة التلفزيون لتقول: نأسف لهذا الخلل الفني. من جانبنا نرتاح كثيرا لهذا الخلل لانه اثناء عملية اصلاحه نشاهد صورا رائعة للطبيعة وللعصافير ترافقها موسيقا هادئة تريح الاعصاب وهي افضل بكثير من بعض برامج التلفزيون.. لذلك نرجو ادارة التلفزيون بث الخلل الفني لمدة اربع ساعات يوميا وبث البرامج في ساعتين فقط»15 عاما عمر معرفتي به، ومازلت أتهيب ان ادعوه صديقي رغم انه كان كذلك، وهو ايضا استاذي، قصدته اول مرة بعد فوزي بجائزة مسابقة سعاد الصباح، وله وحده قبل غيره، يعود فضل توجهي نحو الكتابة، قال لي : انت كاتبة قصة.. افكر اليوم، في التفاصيل، فلا أذكر منه توجيها مباشرا، كان يشجع دون اظهار تفوقه كفارق طبيعي بين استاذ وطالب.. هو صاحب السريرة الصافية، واليد البيضاء، الذي يحتفظ بالاصدقاء على مقربة من القلب.مثل شجرة الاعياد كان يحب صنع الفرح وتوزيعه على من حوله، فيفاجئ «طاهر» ببطاقة طائرة ليكون الى جانب زوجته فور ولادتها، ويفاجئ «محمد» باجازة مفتوحة لعلاج آلام ظهره.. كنت أعرف مثلي مثل غيري ان (أبونضال) مريض، وأعرف ايضا معنى رئتين معطوبتين في صدر يقاوم التأوه والالم، لكنه لم يكن يسمح لي بأكثر من سؤال : كيفك؟، فيجيب: منيح.. مختزلا كل مساحة مرضه الخطير.. ومع ذلك فقد فاجاني قراءة اسمه داخل مربع النعي فيما انا على متن الطائرة السورية في طريق عودتي الى الكويت، ومع الاعتذار لتحريفي مقولة سعد الله ونوس فنحن «محكومون بالموت»، الذي ينجح وعلى قدر المساواة بان يخطف كبيرا بقامة قطمة، ومن ثم يترك لنا حيزا من ورقة لنكتب فوقها عزاءنا، الذي سيبقى باهتا وسطحيا واقل بكثير من خالد.
رثاء محمد خالد القطمة
خالد قطمة.. من الخطابة والتحريض إلى المشاريع الثقافية الرائدة
د. نزار العاني
د. نزار العاني
من حماة في سورية الى طرابلس وبعد ذلك الى بيروت.رحيل في الامكنة وفي ملفات القضايا الوطنية والعمل الطالبي الحزبي والدعوة المستمرة الى التغيير، تعب وكد في الدراسة والعمل والتطلع الدائب لتحقيق ذات لم تكن بعد تعرف ما تريد.سيرة خالد قطمة لا تروى في صفحة او صفحتين لانها كانت تستحق ان تكون موضوع كتاب يضيف الى المكتبة العربية شيئاً فريداً بمذاق مختلف، وعلى مدى سنوات طويلة كنت احاول اقناعه بضرورة تسجيل يومياته السياسية والثقافية لانها تشكل كنزاً لطلاب المعرفة، خصوصاً ان خالد كان على صلة بالحزب القومي السوري الاجتماعي الذي كان في قلب الواقع العربي الساخن في لبنان وفي سورية.وكنت كلما اقنعته بضرورة البدء بكتابة سيرة حياته، كان يتلكأ، فهو يستمرئ الحديث حول شجون وشؤون الامة اكثر بكثير مما يكتب عنها، وفي مرة من المرات طفح كرمه وقال لي سأبدأ في رواية سيرتي، وانت تتولى مهمات التحرير، وحمزة عليان يتولى التوثيق، وقبلنا، وكدنا نحدد الزمن للاقلاع في هذا العمل، لولا انه رجع الى المربع الاول، اي يدعوني مرتين في الاسبوع على العشاء، ليضع بين يدي ما يفيض عن حاجة ذاكرته.
مشاريع ذات نكهة
ثلاث سنوات لم افارقه لحظة واحدة، فقد عملت معه معاوناً للمدير العام في دار سعاد الصباح العامرة، نبدأ يومنا بفنجان القهوة والسيكارة والتخطيط للعمل، وأول مهمة كلفني بها مراجعة مواد الكتاب التذكاري للشاعر البحريني ابراهيم العريض، ثم توالت المهمات واحدة تلو الاخرى، فلم يكن خالد قطمة يركن الى الراحة، فسعادته الحقيقية في اطلاق المشاريع ذات النكهة غير المألوفة، ولعل العلامة الفارقة في عملي معه هي جوائز الشيخ عبدالله مبارك العلمية، وجوائز الدكتورة سعاد الصباح الادبية، اذ كان يفاجئني دائماً وانا المتخصص بالعلوم بعناوين الجوائز العلمية، فمرة عن التحنيط عن الفراعنة او مرة عن استخدام اشعة الليزر في الجراحات المعقدة، وثالثة عن دور العلماء العرب والمسلمين في بناء الحضارة الانسانية، اما الجوائز الادبية وعناوينها، فلم يكن ذهنه المتوقد ليخونه ابداً في الكشف الفريد والرائد لمواضيع لم تكن في الحسبان.
السياسة والأدب
من ساحات الجامعة الأميركية والخطابة التحريضية ضد المشاريع المعادية للوطن العربي، الى السجون ومخافر التحقيق التي تحاول التفتيش عما في رأسه من مشاريع سياسية خطيرة، الى التلفزيون السوري والعمل الاعلامي الذي لا يبدد كآبات المثقف الحقيقي، الى الكويت وساحتها الصحافية الحافلة بالسجال.خالد قطمة مثل رحالة لا يحب إلفة المكان ويدهشه التجوال في ثنايا العمل اليومي الحار، وبين هذا وذاك له وقفة مع القصيدة، إذ كتب أكثر من ديوان وبعض بديع شعره ينم عن موهبة لايرقي إليها الشك، لكنه لم يكن يؤمن بأن الشعر قضية حياته، لأنه كان في الدرجة الاولى رجلاً حزبياً يعمل بوحي من عقيدة ولذا لم يكن يجد نفسه إلا بكتابة الزاوية السياسية، وقد بدأها في جريدة الانباء، وجمع ما كتبه في كتاب عنوانه «الاسبوع ستة أيام» ولعل اكثر ما كتبه نبلاً وصدقاً في الزوايا خص بها جريدة «النهار» على مدى الأشهر الاولى لصدورها، السياسة عند خالد قطمة أولاً، والأدب ثانياً، وقبل السياسة والادب عشقه الراسخ للمواقف، وله فلسفة في الحياة استقاها من الزعيم أنطون سعادة، مفادها لا عزة في حياة الانسان إن لم يحمل الموقف في عقله وقلبه.
«الرسالة» والأيدي البيضاء
خالد قطمة له فضل لا ينسى على المكتبة العربية حين تبنى مشروع طبع كامل أعداد مجلة «الرسالة» لصاحبها الزيات.وفي يوم من الأيام كلفني باحصاء ما تبقى من اعداد مجلة الرسالة في المستودع الذي خصصته الدكتورة سعاد في الجزء الخلفي لبيتها (القصر الأبيض)، وذهبت وأحصيت العدد، والمجموعة الكاملة من الرسالة تحتاج الى عدّة صناديق، وقلت لخالد يومها سيمر الزمان ولن تنفد هذه الطبعة، كان رأيه هو الصائب، ونفدت طبعة مجلة «الرسالة» وأغبط كل من اشترى المجموعة.
الكتب التذكارية
عشر سنوات وأكثر كنت ألصق الناس به، وأصبح خالد قطمة في رأس قائمة أصدقائي، وصرت أعرفه أكثر مما أعرف نفسي.احد أهم المشاريع التي تبنتها دار سعار الصباح ووقفت الدكتورة وراءها، مشروع الكتاب التذكاري الذي بدأ بعبدالعزيز حسين، ثم ابراهيم العريض وآخرون، ولا أبالغ اذا قلت أن خالد قطمة اذا ما حظي بموافقة وتوجيه الدكتورة سعاد على الشخصية المختارة، كان ينفذ العمل بسرعة قياسية، فهو كقائد أوركسترا يوزع الادوار، ويقترح المواضيع، ويكلف من يصحح ومن يطبع ومن يصمم الغلاف، وكنت أتعلم منه هذه الأمور الاجرائية وأعجز عن فعلها، ولعلي الآن، وأنا أكتب على عجل هذه الوريقات استلهم منه هذه الروح العالية على عدم التباطؤ والرغبة العارمة في انجاز أي عمل بسرعة قياسية.
مزايا إنسانية وشخصية
يا خالد قطمة، بصدق، لقد بكيتك بحرقة، كأنني ولدك، كأنك أخي، بل أهم من الاثنين، فقد كنت صديقي الذي اختزلت به كل صداقاتي على مدى خمسين عاما، عملنا معا، سهرنا كثيرا، لنا مائدة من الثرثرات ممتدة من محمد الماغوط وأدونيس وهشام شرابي وغساني تويني وكل عتاولة الحزب القومي السوري القدامى، وعلى رغم اختلافي معك، اذ لم يحدث أنني انتسبت لحزب وانما رغبت في استقلال الرأي والموقف، لكنني لكثرة ما حدثتني عن رجالات عرفتهم أنت، فكرمى لعينيك أحببتهم ولأجلك، ولنا زاد من الذكريات التي لن تنفد أبدا. والى أن ألحق بك الى الدار الآخرة، عليك ان تمد مائدة كريمة ثرية ومتنوعة مثل التي جلسنا عليها في دنيانا هذه الزائلة، وسأشاركك كل صغيرة وكبيرة كما فعلت خلال السنوات الخمس عشرة المنصرمة، وأعرف أنك ستفسح لي مكانا في المائدة السماوية المنتظرة، فلدينا الكثير الكثير مما لم نقله بعد، الى اللقاء يا صديقي الوفي.
رثاء محمد خالد القطمة
خالد المحب للكويت
طالب الرفاعي
إن الكتابة عن المرحوم محمد خالد القطمة، تعني أموراً أخرى، الكتابة عن صديق عرفته من خلال الصحافة والهم الثقافي العروبي أولاً، وعرفته أكثر من خلال عمله وانشغاله في دار سعاد الصباح. كنت أهاتف «أبو نضال» بين فترة وأخرى، أقول له:«صباح الخير».فيرد بنبرة صوته المميز:«أهلين».وما نلبث أن نلتقي، في مكتبه. يستقبلني باشا ومرحباً، ولابساً الدشداشة. وكأن لسان حاله يقول: أنا ابن هذا البلد، وهو حبي، ويستحق مني أن أرتدي زيه، أحمله لصق قلبي.خالد القطمة، أحد الرجالات العربية الذين أحبوا الكويت بصدق، وعبروا عن صدق حبهم بألف شكل وشكل، ولا أنسى موقفه الأصيل والمحب للكويت أثناء محنة غزو النظام الصدامي للكويت عام 1990. وكان آخر عمل تولاه قبوله القيام بالمسؤولية الثقافية لدار سعاد الصباح، وإصراره على متابعة كل ما يخص شؤونها، وترحيبه بأي مبدع أو مثقف أو ضيف زائر يعبر سماء الكويت.كنت أزور خالد القطمة، أتبادل معه الرأي حول القضايا الاجتماعية والثقافية المطروحة، وكان دائم الحديث عن الكويت، ورجالات الكويت الذين كتبوا بمواقفهم الخالدة تاريخ الكويت الجميل والناصع. وكان يروي ما يقول، لا بوصفه شاهداً بعيداً عن الأحداث، بل بوصفه حاضراً لها، وقارئاً لما بين سطورها، وقادراً على تسجيل مواقفها، ومثمناً دور الرجال في صنع التاريخ، ومؤمناً بأن الكويت دار أمن وأمان، وأنها كانت على الدوام فاتحة صدرها الرحب لاستقبال أي عربي يلجأ إليها.خالد القطمة، لم يكن طارئاً على الكويت، ولم يكن بعيداً عن نبض شارعها الإنساني والسياسي والاجتماعي والثقافي، لهذا كنت أجلس معه في السنوات الأخيرة، لأقرأ تأثره عن مجرى الأحداث، وحسرته على بعض الأمور الدائرة، ولكنه كان مؤمناً بأن هذه الأرض ولادة، وأنها قادرة على أن تحفر لنفسها مكانة، ومكانة مهمة بين الأمم.عرفت في خالد القطمة بساطته وتواضعه وصدقه وعزوفه عن الظهور الإعلامي الكاذب، وعرفت فيه نبذه للمظاهر الزائفة، وقدرته على قراءة الواقع قراءة صحيحة، ومن ثم تخير الطريق الصحيح. خالد الذي تربى في حضن الشعارات العربية الكبيرة، عاش في عقده الأخير، خيبة هذه الشعارات وانكساراتها، وعانى كما جيله من وجع الخيبة وتبعثر الحلم العربي، وكان أكثر ما يؤلمه اقتتال العربي مع أخيه العربي.في إحدى الزيارات الأخيرة له، وجدته وسيجارته، كان غارقاً في هدوئه وأفكاره، وحين سألته عن نظرة الهم التي لاحت في عينيه، قال: «كان حلم جيلنا أن يتوحد العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وها نحن نشهد اقتتاله».إن خيبة وألم خالد قطمة، هي خيبة جيل بأكمله، ووجعه ووجع أمة بأكملها.لخالد القطمة قلب أبيض أحب أهل الكويت، وأحب عطر الكويت، وأحب ثقافة الكويت، لذا قدم لها نضارة شبابه، وعصارة فكره، وارتبط بها مثلما ارتبط بوطنه، وكان قضاء الله أن تغفو روحه فوق ترابها.لروح خالد القطمة الطمأنينة في مثواه الأخير، وله منا الدعاء بالمغفرة، وعسى يا أبا نضال أن يتحقق في القادم من أيام الأمة العربية، ما ناضلت أنت ورفاق لك من أجله.إنا لله وإنا إليه راجعون.
طالب الرفاعي
إن الكتابة عن المرحوم محمد خالد القطمة، تعني أموراً أخرى، الكتابة عن صديق عرفته من خلال الصحافة والهم الثقافي العروبي أولاً، وعرفته أكثر من خلال عمله وانشغاله في دار سعاد الصباح. كنت أهاتف «أبو نضال» بين فترة وأخرى، أقول له:«صباح الخير».فيرد بنبرة صوته المميز:«أهلين».وما نلبث أن نلتقي، في مكتبه. يستقبلني باشا ومرحباً، ولابساً الدشداشة. وكأن لسان حاله يقول: أنا ابن هذا البلد، وهو حبي، ويستحق مني أن أرتدي زيه، أحمله لصق قلبي.خالد القطمة، أحد الرجالات العربية الذين أحبوا الكويت بصدق، وعبروا عن صدق حبهم بألف شكل وشكل، ولا أنسى موقفه الأصيل والمحب للكويت أثناء محنة غزو النظام الصدامي للكويت عام 1990. وكان آخر عمل تولاه قبوله القيام بالمسؤولية الثقافية لدار سعاد الصباح، وإصراره على متابعة كل ما يخص شؤونها، وترحيبه بأي مبدع أو مثقف أو ضيف زائر يعبر سماء الكويت.كنت أزور خالد القطمة، أتبادل معه الرأي حول القضايا الاجتماعية والثقافية المطروحة، وكان دائم الحديث عن الكويت، ورجالات الكويت الذين كتبوا بمواقفهم الخالدة تاريخ الكويت الجميل والناصع. وكان يروي ما يقول، لا بوصفه شاهداً بعيداً عن الأحداث، بل بوصفه حاضراً لها، وقارئاً لما بين سطورها، وقادراً على تسجيل مواقفها، ومثمناً دور الرجال في صنع التاريخ، ومؤمناً بأن الكويت دار أمن وأمان، وأنها كانت على الدوام فاتحة صدرها الرحب لاستقبال أي عربي يلجأ إليها.خالد القطمة، لم يكن طارئاً على الكويت، ولم يكن بعيداً عن نبض شارعها الإنساني والسياسي والاجتماعي والثقافي، لهذا كنت أجلس معه في السنوات الأخيرة، لأقرأ تأثره عن مجرى الأحداث، وحسرته على بعض الأمور الدائرة، ولكنه كان مؤمناً بأن هذه الأرض ولادة، وأنها قادرة على أن تحفر لنفسها مكانة، ومكانة مهمة بين الأمم.عرفت في خالد القطمة بساطته وتواضعه وصدقه وعزوفه عن الظهور الإعلامي الكاذب، وعرفت فيه نبذه للمظاهر الزائفة، وقدرته على قراءة الواقع قراءة صحيحة، ومن ثم تخير الطريق الصحيح. خالد الذي تربى في حضن الشعارات العربية الكبيرة، عاش في عقده الأخير، خيبة هذه الشعارات وانكساراتها، وعانى كما جيله من وجع الخيبة وتبعثر الحلم العربي، وكان أكثر ما يؤلمه اقتتال العربي مع أخيه العربي.في إحدى الزيارات الأخيرة له، وجدته وسيجارته، كان غارقاً في هدوئه وأفكاره، وحين سألته عن نظرة الهم التي لاحت في عينيه، قال: «كان حلم جيلنا أن يتوحد العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وها نحن نشهد اقتتاله».إن خيبة وألم خالد قطمة، هي خيبة جيل بأكمله، ووجعه ووجع أمة بأكملها.لخالد القطمة قلب أبيض أحب أهل الكويت، وأحب عطر الكويت، وأحب ثقافة الكويت، لذا قدم لها نضارة شبابه، وعصارة فكره، وارتبط بها مثلما ارتبط بوطنه، وكان قضاء الله أن تغفو روحه فوق ترابها.لروح خالد القطمة الطمأنينة في مثواه الأخير، وله منا الدعاء بالمغفرة، وعسى يا أبا نضال أن يتحقق في القادم من أيام الأمة العربية، ما ناضلت أنت ورفاق لك من أجله.إنا لله وإنا إليه راجعون.
رثاء محمد خالد القطمة
خالد قطمة.. وداعاً
بقلم السفير علي عبدالكريم
بقلم السفير علي عبدالكريم
حين التقيته قبل خمس سنوات وهو في آخر عقد الستين من عمره، لم يكن محتاجا الى تعريف نفسه وتقديمها اليّ، لا لأنه علم وكاتب معروف تمتد علاقته بالقلم والابداع ما يقارب الخمسين عاماً فحسب، بل لان عينيه وقسمات وجهه صريحة واضحة لا تشويش فيها ولا غموض، فقد فاجأتني عذوبة مشوبة بالنزق والتمرد في وجه تشع منه أمارات الذكاء، وابتدأت من ذلك التاريخ معرفة أضحت صداقة حميمة مع الرجل الذي تودعه اليوم بغصة وألم كبيرين انه الكاتب الصحافي والانسان محمد خالد قطمة.لن أتحدث عن ريادته في العمل الصحافي ودوره في تأسيس عدد من الصحف المرموقة في هذا البلد العزيز «الكويت» فغيري أولى وأجدر لاضاءة هذا الجانب من حياة الراحل الكريم.أما الشعر والصداقة والرأي العميق الحر والدعابة الحلوة، فتلك خصائص ميزت خالد قطمة ومنحته حضوراً جميلاً آسراً لدى أصدقائه وجلسائه وقرائه ومريديه... فلغته حين يكتب أو يتحدث تمتلك قوة اللمح والايحاء والتعبير الذكي، فتأتي حارة وفية حين تعبر عن موقف قضية وطنية أو قومية أو فكرية.. أو تجاه أشخاص تربطه بهم صداقة أو علاقة إنسانية، ولا تخلو لفتاته وكتاباته من القسوة المقصودة حين تقتضي الحالة والموقف ذلك.كان الدمع صديقه وكانت الدعابة والنكتة سلاحاً يعبر بهما عن رأيه النقدي حيناً كما تبرز في ذلك براعته وذكاؤه وثقافته الموسوعية أحياناً أخرى. عذب رقيق جميل وهو ذاته حاد شرس صريح وواضح.. يحب الناس الى درجة البكاء في لقائهم وفي وداعهم، يرفض مواقف وسلوكيات الى حد القطيعة والتعبير الجارح.ذلك هو خالد قطمة الكاتب المتميز والانسان اللماح والحيوية المتدفقة والحنان الذي يغمر أهله وأصدقاءه وكل المتعاملين معه.سنفتقدك يا أبا نضال وستظل معنا بروحك المرحة وفكرك النيّر.. جميلاً عميقاً كنت وستبقى.وفيك يصدق قول الشاعر:جمال ذا الدهر كانوا في الحياة وهمبعد الممات جمال الكتب والسيرِ
لا تقرأني
خالد يكتب مرثيته
خالد يكتب مرثيته
عبد اللطيف الاشمر
غدا عندما يستفيق خالد قطمة - بإذن الله - في مكان يقدره الله وحده، لاشك انه سيردعنا عن كتابة أي شيء عنه، وسيكتب بنفسه رثاءه او انتقاله لكنه بالتأكيد لن يتحدث عن مآثره.. فالمأثرة عنده واجب طالما انه تصدى للقلم والورق، امتهن عشق الحروف التي تجمع نفسها في كلمة لدرجة انه لم يكن يرى أحدا يكتب.كان بالفعل «ديكتاتورا» في الكتابة فلم يسمح للمتطاولين عليها بتدنيسها في لحظات الاسترخاء.. فالكتابة تتطلب استنفارا للتاريخ، للواقع في جهات الأرض الأربع.. استنفارا للمستقبل.. فهو يريدك ان تكون مقروءا من أصحاب المعلقات السبع والمتقعرين في حكاية اللغة المرتحلة في العصور ومن متصفح البرقيات الالكترونية بسلاسة في آن.غداً عندما يستفيق خالد المتفلت من سياط الجلادين، سيقرأ من مكانه ما كتبت وسيعطيك دائما الدرس الأخير.. ولكل محاولة عنده درس أخير! الرجل امتطى صهوة السحاب وافترش العشب ونام بين قصرين وخيمة.. لم يكن يترك للوقت فرصة لممارسة غدره فيه.. الى ان غدره وكان يحتسب ذلك لكنه كان يستهين به.. فالموت غدار اما عند خالد فلقد تمهل ليأكله قضمة قضمة. ويريه ما تآكل منه.وعندما تقاعد كان يمارس قتل الذات في مهنته ومسؤولياته فهو عدو الفشل مع انه لا يريد لأحد ان يتحدث عنه.ومن كان مثل خالد الذي يتقن صناعة الاحساب والأنساب والأجداد، كما يتقن صناعة الاستشراف بوعي وبغيبوبة يعرف ماذا يترك لنا.. لأولاده.. لأحفاده.. لمحبيه.أما سفره العصيّ على التزوير فهو حكايات يقولها في كل مناسبة ودائما ما كان يختطف الكلمات من الألسن قبل ان تنطلق لتحتل حيزا في المسمع.وصورة لمفردة مرسومة بألوان العين.. وخط البصر.. وارتماءات النفس في حقول المعرفة.. حتى توكأ الموت على عكازه واختلسه على مراحل حتى كاد ان يقول «خذني»!
13 نوفمبر 2008
رثاء محمد خالد القطمة
الحزب السوري القومي الاجتماعي ينعى الصحفي والكاتب خالد القطمة
دمشق صحيفة تشرين الصفحة الاولى الاربعاء 12 تشرين الثاني 2008
دمشق صحيفة تشرين الصفحة الاولى الاربعاء 12 تشرين الثاني 2008
نعى السيد عصام المحايري عضو الجبهة الوطنية التقدمية ـ رئيس المكتب السياسي للحزب السوري القومي الاجتماعي باسمه وباسم الحزب الصحفي والأديب الراحل محمد خالد القطمة عضو الحزب والقيادي السابق.
وأشار البيان إلى أن الفقيد الراحل من مواليد حماة 1934، وقد تقلد مناصب حزبية مركزية عديدة أبرزها منصب عميد لعمدة عبر الحدود ومستشار صحفي لرئيس الحزب الراحل عبد الله سعاده.
وكان من الناشطين الحزبيين البارزين في أوساط الطلبة.
وأضاف: تخرج الراحل في الجامعة الأميركية وأصبح عضوا في جمعية خريجيها. وهو عضو جمعية الصحفيين الكويتية، وعضو اتحاد الصحفيين واتحاد الناشرين العرب بدمشق، والمدير التنفيذي لدار سعاد الصباح للنشر والتوزيع والمشرف على منح جوائزها الأدبية السنوية، وله خمسة مؤلفات بالإضافة لمؤلف واحد في الشعر.
أسس عددا من الصحف عندما بدأ حياته الصحفية منتصف الخمسينيات في جريدة صدى البيان ومن ثم البناء والأيام قبل أن ينتقل إلى الكويت حيث أسس فيها جريدة «الأنباء» الكويتية ثم ترأس تحرير جريدة «الوطن» وبعدها «الرأي العام» بالإضافة الى نشره مقالات أدبية وصحفية في جرائد «القبس» و«اليقظة» و«سوراقيا» وغيرها وظل حتى تاريخ وفاته يمتلك امتيازاً لاصدار صحيفة لبنانية.
وأعرب البيان عن مشاركة قيادة الحزب لعائلة الراحل الكريمة في مصابها الجلل كما قدم تعازيه باسم جميع الرفاق والأصدقاء والمحبين.
وأشار البيان إلى أن الفقيد الراحل من مواليد حماة 1934، وقد تقلد مناصب حزبية مركزية عديدة أبرزها منصب عميد لعمدة عبر الحدود ومستشار صحفي لرئيس الحزب الراحل عبد الله سعاده.
وكان من الناشطين الحزبيين البارزين في أوساط الطلبة.
وأضاف: تخرج الراحل في الجامعة الأميركية وأصبح عضوا في جمعية خريجيها. وهو عضو جمعية الصحفيين الكويتية، وعضو اتحاد الصحفيين واتحاد الناشرين العرب بدمشق، والمدير التنفيذي لدار سعاد الصباح للنشر والتوزيع والمشرف على منح جوائزها الأدبية السنوية، وله خمسة مؤلفات بالإضافة لمؤلف واحد في الشعر.
أسس عددا من الصحف عندما بدأ حياته الصحفية منتصف الخمسينيات في جريدة صدى البيان ومن ثم البناء والأيام قبل أن ينتقل إلى الكويت حيث أسس فيها جريدة «الأنباء» الكويتية ثم ترأس تحرير جريدة «الوطن» وبعدها «الرأي العام» بالإضافة الى نشره مقالات أدبية وصحفية في جرائد «القبس» و«اليقظة» و«سوراقيا» وغيرها وظل حتى تاريخ وفاته يمتلك امتيازاً لاصدار صحيفة لبنانية.
وأعرب البيان عن مشاركة قيادة الحزب لعائلة الراحل الكريمة في مصابها الجلل كما قدم تعازيه باسم جميع الرفاق والأصدقاء والمحبين.
رثاء محمد خالد القطمة
بعد صراع طويل مع المرض وحياة حافلة بالعطاء الصحافي والإعلامي
خالد قطمة ودع دنياه وترك إرثاً مميزاً وإبداعاً نادراً
كتب أحمد حمودة:
بعد رحلة طويلة من الابداع الإعلامي والشعري والإداري وبعد صراع طويل مع المرض رحل عن دنيانا المبدع والإعلامي الكبير محمد خالد القطمة عن عمر يناهز «74 عاما».ساهم الفقيد في تأسيس وتدعيم العديد من المؤسسات الصحفية الكويتية وكان احد رواد الصحافة الكويتية والعربية.ولد الراحل في عام 1934 في مدينة حماة السورية ودرس الابتدائية فيها ثم ذهب الى لبنان للدراسة في المدرسة الامريكية ومنها الى الجامعة الامريكية في بيروت.تعرض الفقيد للسجن في بداية حياته وكان اول ماكتبه من انتاجه في جريدة «صدى لبنان» ثم اتجه بعد ذلك للعمل مديرا لتحرير جريدة البناء التي كانت تصدر عن الحزب السوري القومي الاجتماعي.كما عمل الفقيد مديرا لادارة البرامج الثقافية في التلفزيون السوري وسرح من عمله ايام انفصال الوحدة بين مصر وسورية في عام 1963.وبعدها قرر القطمة ان يدفع بدل الخدمة العسكرية في الجيش السوري الى ان قرر السفر الى الكويت وكانت بدايته العملية في جريدة «الرأي العام» ثم اسس مجلة اليقظة تلتها الهدف ثم الوطن لينتهي به المطاف به في جريدة الانباء.عمل دؤوبواثناء الغزو الغاشم اسند اليه القائمون على جريدة الانباء اصدار الجريدة من القاهرة واستمر في عمله المجهد والمضني الى ان قرر ان يستريح من العمل الصحفي ويكتفي باطلالات سريعة من خلال بعض الكتابات في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية.وانتهى به المطاف مديرا لدار سعاد الصباح للنشر ثم بعدها تمكن منه المرض الذي قاومه طويلا الى ان تمكن منه اخيرا واسلم روحه لبارئها ولكنه كان كاتبا جريئا وصاحب رأي قوي فقد دخل في صراعات عنيفة وطويلة مع انظمة واشخاص لا تعرف معنى الحرية ولا تقيم لها وزنا.يقول الراحل خالد القطمة عن مشواره المليء بالمتاعب والصعاب انه لأمر كبير ان تتمكن من التعبير عن ذاتك بالكتابة اولا وبالنشر ثانياً:ويتابع اطالع ما ينشر لي وكأنني اقرؤه لاول مرة ويمتعني ان يكون اسمي هناك في جريدة او مجلة والاروع ان يكون على كتاب.وكان رحمه الله يؤكد انه ليست هناك سعادة تعدل امساكك بالنسخة الاولى من كتابك الاولي، مستذكراً انه عندما صدر العدد الاول من «الاسبوع اليوم» حمل نسخة منها وراح يقرأ الغلاف مرات ومرات، كما انه قبله وانتشى كأنه يقبل اجمل امرأة في الدنيا.ومع انه كان يكتب الشعر وله اسلوب خاص به يتميز عن باقي الشعراء الا انه كان يرفض تسميته بالشاعر لانه كان يؤمن بأن انتاجه مهما بلغ فلن يحقق له ما يريد حيث كان يقول عن ذلك «الشعر مملكة لست صاحب عرش فيها ولا طامعاً فيه».كتاباته الصحافيةواما عن كتاباته الصحفية فيقول رحمه الله ان المقالة هي انا حيث استطيع ان اقول ما أؤمن به وما يجول في صدري بكل حرية.واما عن الصراعات والمشاكل التي واجهها بسبب اتجاهاته السياسية فكان يقول: ليس هناك ما يستحق ان تموت من اجله ان ما اراه في لبنان وغزة والعراق والجزائر يجعلني لأول مرة كارهاً لعروبتي واشعر بالمهانة.نظرة واحدة الى غزة وما يحدث فيها تجعلني اتمنى لو لم اولد في هذا العصر وفي هذه الارض باللسان العربي، امام حمام الدم هذا لا اجد ما اقوله.وعن رؤيته للواقع العربي ومدى هامش الحريات التي تتمتع به الشعوب العربية كان يؤمن بان الانظمة التي تعاقبت علينا هي المحنة التي نزلت علينا ضد ارادتنا وضد احلامنا، فالنظام الذي لا يراك من ثقب حذائه كيف تريد له ان ينهض بالأمة.النظام الذي يتصرف وكأنه وريث العناية الإلهية.وعن حياته الشخصية فقد نشأ في اسرة مترابطة، وكان يحب والده كثيرا معجبا به لاقصى درجة بسبب ذكائه ونجاحه في عمله كمحام.ثم كانت علاقته بوالدته مميزة جدا على الدوام لعطفها وحنانها عليه وتشجيعها الدائم له، الا ان علاقته باخوته واخواته لم تكن متواصلة بسبب هجرته وتركه البيت منذ عام 1947.تزوج من السيدة «نورا عازار» حيث تم التعارف بينهما في احدى الحفلات حتى انهما سجنا معاً في اوائل 1962 وعندما خرجا من السجن تزوجا في اليوم التالي مباشرة.له من البنات نضال ومنى وحبيبة ومجد، وبسبب ظروفه الصحية لم يعد يستطيع مزاولة هواياته في ايام الشباب حيث كان يكتفي بمشاهدة مباريات كرة القدم.رحم الله فقيد الصحافة الكويتية والعربية واحد اعلامها الكبار والهمنا وذويه الصبر والسلوان.
رثاء محمد خالد القطمة
خالد القطمة... رحل عن عالمنا مخلفاً أثراً نعشقهامتطى صهوة القلم كأحد مؤسسي الصحافة الكويتية
سالم أيوب
سالم أيوب
محمد خالد القطمة... عشق القلم فعشقه كل من يطرب لدفقات الكلمات واسترسال الجمل الجميلة التي تفوق الوصف عندما يقرأ له، رحل فقيد الصحافة وفارس الكلمة الحرة التي لا تخلو من النقد الجريء وصاحب عدة دواوين شعرية، بعد أن ساهم في تأسيس العديد من الصحف الكويتية التي تنقل في ما بينها خلال مسيرة عطائه المهني في عالم الصحافة، فقد كان يطرب فرحاً بالتحدي حين يستهل تأسيس صحيفة جديدة أو إعادة تأهيل أخرى.
كان الفقيد كاتباً جريئاً دخل صراعات طويلة مع أنظمة وأشخاص لا تقيم للحرية وزناً، فكان ذاك الشخص الذي لا يُنسى برحيله عن الدنيا الفانية بل يبقى إرثاً نتداوله في عالم الصحافة الكويتية.
بعد رحلة طويلة من الابداع وبعد صراع طويل مع المرض رحل عن دنيا الواقع المبدع والإعلامي الكبير محمد خالد القطمة عن عمر يناهز 74 عاما، رحل كي نتذكره، عند كل كلمة نخطها في صدر صفحات صحفنا، كالمعلم والملهم لمن سبق من الصحافيين أو اللاحق منهم إذا اقتدوا بفنون مدرسته في الكتابة.
امتطى الفقيد صهوة قلمه في رحلة طويلة من الإبداع الإعلامي والشعري ثم الإداري خلال عمله الأخير مديرا لدار نشر سعاد الصباح. هو صفحة من التاريخ، لا يستطيع الزمن ان يطويها من ذاكرتنا، امتدت لـ 35 عاماً من العطاء استطاع خلالها أن يمزج حالة الإبداع بالحالة الوجدانية التي كللت مسيرة حياته باقتدار، ولغيره كانت منارة لمن يرنون إلى التميز في حضرة بلاط صاحبة الجلالة «الصحافة».
كتب الفقيد الشعر وكتب المقال أيضاً... فكيف كان يفرق بين الأسلوبين في التعبير؟ قال رحمه الله: «المقالة هي أنا أما الشعر فانه التعبير الذي لا أملك السلطة عليه. في المقالة أقول ما أؤمن به ولا يتحقق لي ذلك في الشعر. لذلك كنت وسأبقى أرفض تسميتي بـ (الشاعر). هذه التسمية واسعة جداً على أمثالي. الشعر مملكة لست صاحب عرش فيها ولا طامع فيه».
لقد كان متواضعاً جداً ولا ينسب نفسه إلى مجال يرى أن هناك من هم الأقدر على حمل لوائه، ولكنه في عالم الصحافة التي عبر من خلالها عن أفكاره بحنكة السياسي المقتدر لم يتنازل عن عرشه الذي بناه. ولكن بعد مضي سنوات طويلة من أحداث عاناها العالم العربي، اختصر خلاصة عمره السياسي بأن قال: «ليس هناك ما يستحق أن تموت من أجله. ما أراه في لبنان وغزة والعراق والجزائر يجعلني، ولأول مرة، كارهاً لعروبتي وأشعر بالمهانة. نظرة واحدة إلى «غزة» جعلتني أتمنى لو لم أولد في هذا العصر وفي هذه الأرض وباللسان العربي».
النشأة والعائلة
ولد عام 1934 في مدينة حماة في سورية، درس في مدارسها الابتدائية وبعدها ذهب الى المدرسة الأميركية في طرابلس بلبنان ثم الجامعة الأميركية في بيروت، وحاز ليسانس الآداب عام 1957.
أما حياته الشخصية فقد نشأ في أسرة مترابطة، وكان يحب والده كثيراً معجباً به لأقصى درجة بسبب ذكائه ونجاحه في عمله كمحام، أما عن علاقته بوالدته فقد كانت مميزة جداً على الدوام لعطفها وحنانها عليه وتشجيعها الدائم له، لكن علاقته بإخوته وأخواته لم تكن متواصلة بسبب هجرته وتركه البيت منذ عام 1947.
تزوج من «نورا عازار» حيث تعارفا في احدى الحفلات إلى جانب أنهما سجنا معاً في اوائل عام 1962، وعندما خرجا من السجن تزوجا في اليوم التالي مباشرة، له من البنات نضال ومنى وحبيبة وله ابن واحد اسمه مجد، وبسبب ظروفه الصحية لم يعد يستطيع مزاولة هواياته في أيام الشباب، حيث كان يكتفي بمشاهدة مباريات كرة القدم.
مسيرته المهنية
ساهم الفقيد في تأسيس وتدعيم العديد من المؤسسات الصحافية الكويتية، وكان احد رواد الصحافة الكويتية والعربية، بدأت مسيرته المهنية حين كان للقدر كلمة عندما سجن في ثكنة الامير بشير في اليوم المحدد له لمناقشة اطروحته لنيل درجة الماجستير، وأول ما كتبه نشر على الصفحة الاولى في جريدة «صدى لبنان»، ثم عمل مدير تحرير جريدة البناء، وهي جريدة للحزب السوري القومي الاجتماعي، وعمل ايضا مديرا لادارة البرامج الثقافية في التلفزيون السوري ثم فصل من عمله في عهد الانفصال عام 1963.
ولعزوفه عن الخدمة العسكرية في الجيش السوري استدان ورهن بيت والدته ليدفع البدل العسكري، مما جعله تحت وطأة تسديد دين مرهق. قرر محمد خالد القطمة الهجرة فكانت الكويت هي وجهته التي جاءها عام 1963، وكانت بدايته العملية في جريدة الرأي العام، التي استمر بها 7 سنوات، ثم أسس مجلة اليقظة عام 1970 تلتها جريدة الهدف عام 1971، ثم جريدة الوطن عام 1973 إلى أن حط ترحاله في واحته الخضراء (جريدة الأنباء) عام 1976 التي استمر فيها لـ 15 سنة.
واثناء الغزو الغاشم كلّف بإصدار جريدة الأنباء في القاهرة، وهكذا كان مشواره الطويل في التأسيس والعمل الصحافي ليعتزله بعد التحرير وينضم الى دار سعاد الصباح للنشر، ويصبح مديرا لها الى يوم رحيله عن الدنيا. وانطلاقاً من رابط الوفاء مع معشوقته «الصحافة» اكتفى باطلالات سريعة من خلال بعض الكتابات في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية.
الذكريات والشعر... و«قباني»
مع أن الفقيد توقف عن كتابة الشعر ولكن أحياناً كان يعبره شطراً منه وأحياناً كثيرة لا يكمل أبياته. وكان متعلقاً جداً بالذكريات فلم تتركه لحظة من ليل أو من نهار. وأكثر ما سكنته من ذكريات العمر هي في بيروت، والجامعة الأميركية تحديداً. فكان يشعر أن تلك السنوات العشر هي كل عمره ولعلها كانت كذلك. فقد عرف خلالها العقيدة السورية القومية الاجتماعية والنضال والسجن والدراسة والصحافة والحب فالزواج.
وكانت له علاقة جيدة بالشاعر الراحل نزار قباني وكان يهاتفه بعد أمسياته الشعرية أحيانا وهو في «البانيو»... فما حكاية جلوس نزار قباني بالبانيو بعد كل أمسية؟
يسرد الفقيد في احدى مقابلاته: أنه كان يتحسس من أن نزار قباني كان صديقه، مع أنه كان كذلك، ويضيف: منذ رحيل هذا الجبل والكل يزعم أنه كان صديقه. الجبال لا تصادق التلال أو السفوح، أنا أقول إنه كان يعرفني. من حظي أنني التقيته مرات إحداها كانت بعد أمسية شعرية له في معرض الكتاب بالقاهرة، أذكر أن جماهير عشاقه حاولت حمل السيارة التي كان يستقلها.
ويتابع: بعدها ذهب إلى فندق هيلتون النيل، وكنت أنزل فيه أيضاً. رن الهاتف وكان «الرائع» هو المتحدث. قال لي: هل رأيت ما رأيت. كان فرحاً كطفل طاهر. قال: أنا في البانيو أرتاح بعد هذا التعب. كان مخلصاً لشعره ولجمهوره لذلك كانت الأمسية تتعبه فيرتاح إلى الماء الساخن.
ويردف: أما حياة نزار قباني الشخصية فإنك تعجب حين تعرف أنه كان ذلك الإنسان العادي البسيط، البعيد عن المظاهر أو حب السهر أو الطرب. أكثر ما كان يمتعه هو الحديث في السياسة أو الشعر، وكم كان يسعده أن يكون بين مجالسيه من يحفظ بعضاً من شعره. كان يحب الأوفياء وهو الوفي وكان حريصاً على احترام الآخر واحترام ذاته.
كان الفقيد كاتباً جريئاً دخل صراعات طويلة مع أنظمة وأشخاص لا تقيم للحرية وزناً، فكان ذاك الشخص الذي لا يُنسى برحيله عن الدنيا الفانية بل يبقى إرثاً نتداوله في عالم الصحافة الكويتية.
بعد رحلة طويلة من الابداع وبعد صراع طويل مع المرض رحل عن دنيا الواقع المبدع والإعلامي الكبير محمد خالد القطمة عن عمر يناهز 74 عاما، رحل كي نتذكره، عند كل كلمة نخطها في صدر صفحات صحفنا، كالمعلم والملهم لمن سبق من الصحافيين أو اللاحق منهم إذا اقتدوا بفنون مدرسته في الكتابة.
امتطى الفقيد صهوة قلمه في رحلة طويلة من الإبداع الإعلامي والشعري ثم الإداري خلال عمله الأخير مديرا لدار نشر سعاد الصباح. هو صفحة من التاريخ، لا يستطيع الزمن ان يطويها من ذاكرتنا، امتدت لـ 35 عاماً من العطاء استطاع خلالها أن يمزج حالة الإبداع بالحالة الوجدانية التي كللت مسيرة حياته باقتدار، ولغيره كانت منارة لمن يرنون إلى التميز في حضرة بلاط صاحبة الجلالة «الصحافة».
كتب الفقيد الشعر وكتب المقال أيضاً... فكيف كان يفرق بين الأسلوبين في التعبير؟ قال رحمه الله: «المقالة هي أنا أما الشعر فانه التعبير الذي لا أملك السلطة عليه. في المقالة أقول ما أؤمن به ولا يتحقق لي ذلك في الشعر. لذلك كنت وسأبقى أرفض تسميتي بـ (الشاعر). هذه التسمية واسعة جداً على أمثالي. الشعر مملكة لست صاحب عرش فيها ولا طامع فيه».
لقد كان متواضعاً جداً ولا ينسب نفسه إلى مجال يرى أن هناك من هم الأقدر على حمل لوائه، ولكنه في عالم الصحافة التي عبر من خلالها عن أفكاره بحنكة السياسي المقتدر لم يتنازل عن عرشه الذي بناه. ولكن بعد مضي سنوات طويلة من أحداث عاناها العالم العربي، اختصر خلاصة عمره السياسي بأن قال: «ليس هناك ما يستحق أن تموت من أجله. ما أراه في لبنان وغزة والعراق والجزائر يجعلني، ولأول مرة، كارهاً لعروبتي وأشعر بالمهانة. نظرة واحدة إلى «غزة» جعلتني أتمنى لو لم أولد في هذا العصر وفي هذه الأرض وباللسان العربي».
النشأة والعائلة
ولد عام 1934 في مدينة حماة في سورية، درس في مدارسها الابتدائية وبعدها ذهب الى المدرسة الأميركية في طرابلس بلبنان ثم الجامعة الأميركية في بيروت، وحاز ليسانس الآداب عام 1957.
أما حياته الشخصية فقد نشأ في أسرة مترابطة، وكان يحب والده كثيراً معجباً به لأقصى درجة بسبب ذكائه ونجاحه في عمله كمحام، أما عن علاقته بوالدته فقد كانت مميزة جداً على الدوام لعطفها وحنانها عليه وتشجيعها الدائم له، لكن علاقته بإخوته وأخواته لم تكن متواصلة بسبب هجرته وتركه البيت منذ عام 1947.
تزوج من «نورا عازار» حيث تعارفا في احدى الحفلات إلى جانب أنهما سجنا معاً في اوائل عام 1962، وعندما خرجا من السجن تزوجا في اليوم التالي مباشرة، له من البنات نضال ومنى وحبيبة وله ابن واحد اسمه مجد، وبسبب ظروفه الصحية لم يعد يستطيع مزاولة هواياته في أيام الشباب، حيث كان يكتفي بمشاهدة مباريات كرة القدم.
مسيرته المهنية
ساهم الفقيد في تأسيس وتدعيم العديد من المؤسسات الصحافية الكويتية، وكان احد رواد الصحافة الكويتية والعربية، بدأت مسيرته المهنية حين كان للقدر كلمة عندما سجن في ثكنة الامير بشير في اليوم المحدد له لمناقشة اطروحته لنيل درجة الماجستير، وأول ما كتبه نشر على الصفحة الاولى في جريدة «صدى لبنان»، ثم عمل مدير تحرير جريدة البناء، وهي جريدة للحزب السوري القومي الاجتماعي، وعمل ايضا مديرا لادارة البرامج الثقافية في التلفزيون السوري ثم فصل من عمله في عهد الانفصال عام 1963.
ولعزوفه عن الخدمة العسكرية في الجيش السوري استدان ورهن بيت والدته ليدفع البدل العسكري، مما جعله تحت وطأة تسديد دين مرهق. قرر محمد خالد القطمة الهجرة فكانت الكويت هي وجهته التي جاءها عام 1963، وكانت بدايته العملية في جريدة الرأي العام، التي استمر بها 7 سنوات، ثم أسس مجلة اليقظة عام 1970 تلتها جريدة الهدف عام 1971، ثم جريدة الوطن عام 1973 إلى أن حط ترحاله في واحته الخضراء (جريدة الأنباء) عام 1976 التي استمر فيها لـ 15 سنة.
واثناء الغزو الغاشم كلّف بإصدار جريدة الأنباء في القاهرة، وهكذا كان مشواره الطويل في التأسيس والعمل الصحافي ليعتزله بعد التحرير وينضم الى دار سعاد الصباح للنشر، ويصبح مديرا لها الى يوم رحيله عن الدنيا. وانطلاقاً من رابط الوفاء مع معشوقته «الصحافة» اكتفى باطلالات سريعة من خلال بعض الكتابات في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية.
الذكريات والشعر... و«قباني»
مع أن الفقيد توقف عن كتابة الشعر ولكن أحياناً كان يعبره شطراً منه وأحياناً كثيرة لا يكمل أبياته. وكان متعلقاً جداً بالذكريات فلم تتركه لحظة من ليل أو من نهار. وأكثر ما سكنته من ذكريات العمر هي في بيروت، والجامعة الأميركية تحديداً. فكان يشعر أن تلك السنوات العشر هي كل عمره ولعلها كانت كذلك. فقد عرف خلالها العقيدة السورية القومية الاجتماعية والنضال والسجن والدراسة والصحافة والحب فالزواج.
وكانت له علاقة جيدة بالشاعر الراحل نزار قباني وكان يهاتفه بعد أمسياته الشعرية أحيانا وهو في «البانيو»... فما حكاية جلوس نزار قباني بالبانيو بعد كل أمسية؟
يسرد الفقيد في احدى مقابلاته: أنه كان يتحسس من أن نزار قباني كان صديقه، مع أنه كان كذلك، ويضيف: منذ رحيل هذا الجبل والكل يزعم أنه كان صديقه. الجبال لا تصادق التلال أو السفوح، أنا أقول إنه كان يعرفني. من حظي أنني التقيته مرات إحداها كانت بعد أمسية شعرية له في معرض الكتاب بالقاهرة، أذكر أن جماهير عشاقه حاولت حمل السيارة التي كان يستقلها.
ويتابع: بعدها ذهب إلى فندق هيلتون النيل، وكنت أنزل فيه أيضاً. رن الهاتف وكان «الرائع» هو المتحدث. قال لي: هل رأيت ما رأيت. كان فرحاً كطفل طاهر. قال: أنا في البانيو أرتاح بعد هذا التعب. كان مخلصاً لشعره ولجمهوره لذلك كانت الأمسية تتعبه فيرتاح إلى الماء الساخن.
ويردف: أما حياة نزار قباني الشخصية فإنك تعجب حين تعرف أنه كان ذلك الإنسان العادي البسيط، البعيد عن المظاهر أو حب السهر أو الطرب. أكثر ما كان يمتعه هو الحديث في السياسة أو الشعر، وكم كان يسعده أن يكون بين مجالسيه من يحفظ بعضاً من شعره. كان يحب الأوفياء وهو الوفي وكان حريصاً على احترام الآخر واحترام ذاته.
رثاء محمد خالد القطمة
غاب كابتسامة
سميرعطا الله
جاء محمد خالد القطمة من حماة إلى بيروت في الخمسينات للدراسة في الجامعة الأميركية. لكن حدث له ما هو أهم من ذلك: تعرف إلى الكاتب الساخر سعيد تقي الدين وأصبح أمين سره. وما بين بيروت اللاهية والساخرة أيام الحقبة الجميلة، وبيروت القومية والمناضلة، بدأ نجل مفتي حماه شبابه، تسعفه وتميزه موهبة أدبية مبدعة وقلم سيَّال يسابق آلات الطباعة بفراسخ.ثم حدث ما غير حياة محمد عندما دخل السجن بتهمة العمل ضد الدولة. وكانت «نور» تحمل إليه في السجن السجائر والطعام. ولما خرج توجها فوراً إلى المأذون. وفي العام 1963 سافر إلى الكويت للعمل في «الرأي العام». وبقي هناك حتى أمس، بعد صلاة العصر. فعندما اتصل بي نجله «مجد» ليبلغني بوفاة الرجل الذي وضع صورتي على غلاف كتابه، إلى جانب حافظ الأسد وياسر عرفات والذين أثروا في حياته، سألته إن كان في إمكاني الوصول قبل موعد الدفن، فقال إذا كانت هناك رحلة قبل صلاة العصر.كان محمد خالد القطمة أديباً وشاعراً وسياسياً، لكنه فضل أن يكون أباً كبيراً. ولم يكن أباً لأبنائه فقط بل كان أباً لكل من حوله. وانصرف في الكويت، بكل همة وشغف، إلى العمل في الصحف القائمة وتأسيس الصحف الجديدة، إلى أن استقر به المقام مديراً لـ«دار سعاد الصباح»، يغرق في دنيا الأدب والشعر، التي كانت دنياه الحقيقية.لم أعرف سعيد تقي الدين، لكنني أشعر أن محمدا كان يشبهه، وربما كان توأمه الأصغر سناً. في الموهبة الكبرى وفي مراياها وعطائها. وكان توأمه في الموقف من الحياة والناس والضعف البشري وصغائر الأرض. وقد عملت معه في «الرأي العام» وفي «الأنباء»، لكن شخصية محمد الرفاقية كانت خارج العمل في الرحلات والأسفار وملتقيات الصيف، إذ يصير خيرة الندماء ومتعة المجتمعات وموزع الابتسامات في المجالس، ضاحكاً من نفسه، ساخراً من سواه، متدفقاً مثل شلال متعدد الينابيع.كان يعرف، في مرضه، أن حزني يحول دون سؤالي عنه، فيتصل هو بي ضاحكاً، قائلا: «أنا مليح. فيك تتلفن». وعندما اتصلت به في عيد الفطر كان باشاً يخفي كل خوف وقلق. وكرر القول: «سمير. أنا مليح. لا تخف من الاتصال بي». ولم يشكُ مرة واحدة. وعندما ذهبت أعوده بعد إصابته قال لي «المشكلة الوحيدة هي السعال الذي يسببه العلاج. غير ذلك لا تخف». وبطريقته أقنعنا ألا نخاف. ولو عاش لأقنعنا ألا نحزن على غيابه. وغيابه فقدان وحزن ومكابرة جميلة في الوداع.
رثاء خالد قطمة
محمد مساعد الصالح:
عندما يكتب تاريخ الصحافة في الكويت فان مجموعة من الإخوة العرب سيكون لهم دور بارز في تأسيس صحافتنا واستمراريتها، منهم على سبيل المثال: خالد قطمة ونجيب عبدالهادي وعبدالكريم أبو خضرة والياس مسوح وعبدالله الشيتي وسليم سالم وغيرهم كثيرون، بعضهم انتقل إلى الآخرة وبعضهم ما زال حياً يرزق، وقد فقدت صحافتنا أمس واحداً من أبرز الكتاب هو المرحوم خالد قطمة الذي أبلى بلاءً حسنا في خدمة الصحافة الكويتية، وبالذات في مرحلة التأسيس وهي الأصعب، فقد عمل وشارك في تأسيس «الرأي العام» و«الوطن» و«الأنباء» وكان له دور بارز فيها.رحم الله الفقيد أبو نضال وآلهم عائلته واصدقاءه الصبر والسلوان، ولن تنسى الكويت دوره المميز في إنشاء واستمرار صحافتنا هو واخوانه العرب.
رثاء خالد قطمة
المؤسس والشاهد خالد قطمة يرحل بعد 35 عاما من العمل في مهنة الصحافة والكتابة
آخر الأخبار يا «أبا نضال» أن المرض والوجع لم يفارقك حتى الموت
كتب حمزة عليان:
ليلة امس الاول اعادني خبر وفاة خالد القطمة الى شريط من الذكريات عن الصحافة الكويتية واللبنانية زاخر بالاحداث والاسرار والمفاجآت وما اكثرها في جعبة امتلأت عن آخرها، تنتظر من يوصلها الى حيث يشاء.التقيته آخر مرة قبل اسبوعين، كان في حالة وداع، ولم يشأ ان يتكلم كعادته «وبقفشاته» اللاذعة، التزم الصمت على غير عادته، لكنه شارك في الحديث عندما سمع ان جمعية الصحافيين تعمل على تكريم الصحافيين العرب الذين عملوا في الصحافة الكويتية، اراد ان يصحح «القاعدة» المهم ان يكون هؤلاء صحافيين بالأساس، اي قبل دخولهم الكويت، لأن الدخلاء على المهنة اصبحوا بالعشرات.هكذا كانت حياته، لصيقة بمهنة الصحافة والكتابة الى حد الاندماج والعشق منذ ان كان على مقاعد الدراسة وحتى لحظة وفاته.خالد قطمة، ذاكرة الصحافة الكويتية الحديثة واحد مؤسسيها، يرحل عن دنيانا بهدوء كما لم نعهده من قبل.صباح امس سجلت في مذكراتي رحيل شخض حمل في ذاكرته إرثا من تاريخ انشاء الصحافة الكويتية، وكان شاهدا على تأسيسها ومشاركا في بنيانها، وشاءت الاقدار ان يدفن في ارض احتضنته واحبها وكان وفيا لها.من نواعير حماه التي تركها شابا قاصدا بيروت، ليخرج منها صحافيا وكاتبا ملتزما حزبيا مع انطون سعادة، ويدخل السجن الى ان يأتي الكويت في بداية الستينات، وفيها كانت التجربة الغنية التي لم تتوقف حتى في ايامه الاخيرة، حيث ينتظر مولودا جديدا من مواليد الصحف بعد ان قام بتجهيزه وترتيبه بانتظار ساعة الصفر التي أزفت لنفسه قبل ان يرى هذا المولود، ولهذا اسمته زميلتنا حنان عبيد بعاشق تأسيس المؤسسات الصحفية.مؤسس للصحافة الكويتية، قول ليس فيه مبالغة من «اليقظة» عام 1970 الى «الهدف» عام 1972 الى «الوطن» عام 1973 الى «الانباء» عام 1976، تلك كانت محطات في تاريخ هذا الرجل، اكملها بتوليه ادارات التحرير ثم الكتابة التي اجادها بلغة سلسة ومبسطة وبأفكار واضحة, فكانت مجموعة من الاصدارات, منها "الاسبوع ستة ايام" و"قصة الدولة الدرزية" وديوان "نهر الاحزان" و"بين الوردة والسكين" و"كلام يشبه الشعر" و"هارب من الإعراب"..عندما يتحدث عن تاريخ الصحافة ومؤسسيها يستذكر اصدقاءه ويتكلم عنهم بإعجاب ووفاء, ادوارهم ومواقفهم. صعب ان ينسى احداً, ومن كان عنده معلومة يريد ان يستوضحها يلجأ اليه شارحاً ومفسراً ومبيناً الوقائع بالتواريخ والاسماء.كثيراً ما كان ينتقد اوضاع الصحافة الكويتية, حتى وان تسبب له ذلك بردود فعل غاضبة, لكنه كان دائماً صريحاً الى حد التمرد, وجد من يعارضه وآخر من يختلف معه وفوق هذا يطرب الحي بحرية افكاره وجرأته.لديه القدرة على الاعتراف بالخطأ, وليس عنده اوهام بحججه ودوره, فهو ليس بمؤرخ ولا روائي, كما قال في احد لقاءاته الصحفية, بل يكتب تجربة في الصحافة الكويتية قد يمر بها شيء من السلبيات التي عاشها, لكنه رجل له عينان لا عين واحدة, فيرى الجمال والقبح, ويرى الظلم والعدل.. هناك, حسب ما كان يعتقد ويصرح, محاولة لتضخيم السلبيات والتغطية على الايجابيات في الحياة.خلاصة التجربة التي أمدّته بمخزون ثقافي ومهني رسمها في عبارة له عندما سئل في حديث له مع الزميل علي صافي."أهم تطوير للصحافة الكويتية ان يتفرغ رؤساء التحرير لعملهم الصحفي الجليل, والنأي عن كل ما هو متصل بأصحاب الصحف من مصالح او مشكلات, واعتبار ان الجريدة للقارئ وليست لصاحبها".خالد قطمة, ذلك الكاتب الذي ابدع في وصف من احبهم, لا سيما والدته وشقيقته الكبرى وصديقه نزار قباني, الذي خاطبه بعد رحيله, ومن ارتبط معهم "ليس هناك في الدنيا ما هو اكثر قسوة من رحيل من تحب, خصوصا اذا كان الراحل صوتاً ابيض في ضميرك المغلف بسواد الاحداث وبشاعة الحقيقة", والنفس الحزينة حتى الموت.آخر الاخبار يا أبا نضال, ليس مرضك كما كنت تشي بذلك, وان كان رحيلك عنا سيفقدنا هذا الوجه الذي زاملناه على مدى ثلاثة عقود, بل لان المرض لم يفارقك منذ ولدت, وحين لا يجرحك الوجع كنت تحسب انك لست انت او ان دنيا غير دنياك هي التي تعيش فيها... أليس كذلك يا صديقنا وانت من قال تلك الكلمات؟سيرته قصة تستحق ان تروى, خصوصا اذا كان هو صاحبها وكما وردت في لقاء اجرته الزميلة حنان عبيد ونشر في "القبس" قبل خمسة اشهر تقريباًَ.كانت زوجته أم نضال, احد الوجوه التي لم تغب عن ذاكرته, ليتركها مع اولادها واسرتها تعيش على ذكراه.
رثاء خالد قطمة
خاد قطمة: رحيل مفجع لصحفي اديب مبدع
بشير موصللي:
شعرت دائما انني الاقرب الى قلبه في كل مراحل علاقتي الطويلة معه . ثم اكتشفت على المدى انني لم اكن الوحيد بامتلاك هذا الشعور النابض في قلوب كل اصدقائه ومحبيه .
روح سعيد تقي الدين , استاذه سكنت كل كتاباته الساخرة ولكن الداراسات والقراءات العميقة لمؤلفاته ومقالاته اثبت انه اديب ساخر جذاب قدم للناس اسلوب خالد القطمة الخاص على الرغم من تأثره العميق باستاذه الاديب العملاق . ولذلك فلا عجب ان يقول فيه الصحافي الكبير سمير عطا الله:" ومع ان خالد لا يسبقني في العمر الا قليلا فانني اتطلع الى قلمه منذ اكثر من عشرين عاما نظراتي الى استاذ افيد من قراءاته بقدر ما استمتع بها ".
انه ابن المعاناة , الخارج من البيئة العائلية المحافظة في حماه الى رحاب التقدمية في الحزب السوري القومي الاجتماعي . رائدا في تقدميته كما رائدا في استقامته, كما في احترام وعده . رائدا في حبه لزوجته نور ولبكره نضال وشقيقها مجد وشقيقتيها منى وحبوبة .
لم يعرّف احد الظلم قبله كما عرّفه هو بشفافية مميزة : " له رائحة كما هي القبور المفتوحة , اعرفه من بعيد , كما تعرف الام اوجاع الاطفال . واكرهه باكثر ما يكره القتيل قاتله . ايها الظالم : متى تموت لنحيا ؟.
لم تخسر معركة البطولة يا خالد ولم تزع عنك الشهادة في نكتة حين طلبتها كما كتبت في اسبوعك بايامه الستة متمنيا " شيء وحيد ساكون فيه البادئ الاول والاخير . ساترك قبري مفتوحا , علني لو افقت اكون اول العائدين من عتمة الغياب الاخير ".
ما اظنك طلبت ان يبقى قبرك مفتوحا لتكون اول العائدين من عتمة الغياب الاخير بل تركته مفتوحا لتفسح المجال لروحك ان تستقر ببيروت الساكنة بوجدانك في لبنان مرتع احلامك , كما ارتحت ان يستقر جسدك في الكويت وفاء وتقديرا منك للرعاية وعرفانا للجميل , وانت امير الوفاء وسيد الاعتراف بالجميل ايها الراحل النبيل .
من عنوان كتابك " ويبقى الاسبوع 6 ايام " عن اروع ما كتب من مقالات , استمد القول لك يا خالد (( ويبقى البقاء بدونك مرا والادب الساخر الساحر بدونك حزينا )).
فاذا كانت دموع الرجال عزيزة حتى في المصائب فلك اعز الدموع .
روح سعيد تقي الدين , استاذه سكنت كل كتاباته الساخرة ولكن الداراسات والقراءات العميقة لمؤلفاته ومقالاته اثبت انه اديب ساخر جذاب قدم للناس اسلوب خالد القطمة الخاص على الرغم من تأثره العميق باستاذه الاديب العملاق . ولذلك فلا عجب ان يقول فيه الصحافي الكبير سمير عطا الله:" ومع ان خالد لا يسبقني في العمر الا قليلا فانني اتطلع الى قلمه منذ اكثر من عشرين عاما نظراتي الى استاذ افيد من قراءاته بقدر ما استمتع بها ".
انه ابن المعاناة , الخارج من البيئة العائلية المحافظة في حماه الى رحاب التقدمية في الحزب السوري القومي الاجتماعي . رائدا في تقدميته كما رائدا في استقامته, كما في احترام وعده . رائدا في حبه لزوجته نور ولبكره نضال وشقيقها مجد وشقيقتيها منى وحبوبة .
لم يعرّف احد الظلم قبله كما عرّفه هو بشفافية مميزة : " له رائحة كما هي القبور المفتوحة , اعرفه من بعيد , كما تعرف الام اوجاع الاطفال . واكرهه باكثر ما يكره القتيل قاتله . ايها الظالم : متى تموت لنحيا ؟.
لم تخسر معركة البطولة يا خالد ولم تزع عنك الشهادة في نكتة حين طلبتها كما كتبت في اسبوعك بايامه الستة متمنيا " شيء وحيد ساكون فيه البادئ الاول والاخير . ساترك قبري مفتوحا , علني لو افقت اكون اول العائدين من عتمة الغياب الاخير ".
ما اظنك طلبت ان يبقى قبرك مفتوحا لتكون اول العائدين من عتمة الغياب الاخير بل تركته مفتوحا لتفسح المجال لروحك ان تستقر ببيروت الساكنة بوجدانك في لبنان مرتع احلامك , كما ارتحت ان يستقر جسدك في الكويت وفاء وتقديرا منك للرعاية وعرفانا للجميل , وانت امير الوفاء وسيد الاعتراف بالجميل ايها الراحل النبيل .
من عنوان كتابك " ويبقى الاسبوع 6 ايام " عن اروع ما كتب من مقالات , استمد القول لك يا خالد (( ويبقى البقاء بدونك مرا والادب الساخر الساحر بدونك حزينا )).
فاذا كانت دموع الرجال عزيزة حتى في المصائب فلك اعز الدموع .
12 نوفمبر 2008
رثاء محمد خالد القطمة
الرجل الذي علمنا كيف نمسك بالقلم من الوسط
أعمق من العقل.. أحن من العاطفة
عدنان فرزات
أعمق من العقل.. أحن من العاطفة
عدنان فرزات
أبعد الكتابات عن العقل أقربها من العاطفة.. ذلك انه من غمرة الحب تتضاءل العقلانية وتتلاشى أضواء الواقع، وقد ينهمر الكلام سخيا دون ضوابط ودون تقتير.. لا لشيء إلا لأن الذين نحبهم يتركون أرديتهم الدافئة فوق أجسادنا الحزينة، نلوذ بها من غربة الزمان.. ويخلعون علينا بردتهم حتى وان بردوا. كان «المعلم» خالد القطمة واحداً من هؤلاء الذين لا تحكم العقل بحبهم، بل تترك للعاطفة سطوتها.. تهواه كما تشاء. وقد يضيق الورق بذكر مآثر هذا «المعلم.. المؤسس»، لكن القلب بصفحاته التي لا تنضب يحمل له في كل نبضة فضلا ومعروفا وموقفا رجوليا، ويذكر باعتزاز قلمه الجريء وتاريخه العريق في تأسيس «مذاهب» صحفية، واتجاهات فكرية إعلامية.. لقد كان يفضل لقب الصحفي على أي لقب آخر.قبل عقد ونصف العقد من الزمن وجدت في غربة الدهر يدين من تبر الحكمة مبسوطتين كضلوع الآباء الذين تركناهم في بلادنا يلهجون بالدعاء لنا بأن نجد آباء مثلهم يعوضونا عن حكمتهم ورأيهم ومشورتهم وحنانهم.. كان هذا البديل هو «المعلم» خالد القطمة.كان الدرس الأول الذي لقننا إياه هو كيفية الإمساك بالقلم.. وذلك بأن نمسكه من «الوسط» فلا نميل به باتجاه اليمين كل الميل ولا باتجاه اليسار كل الميل.كان مخلصا جدا للشاعرة الدكتورة سعاد الصباح، وخاض معارك نبيلة للحيلولة بين الدار وعدد من الطامعين الذين نظروا الى مشروعها الثقافي من باب المال لا الفكر، فاستخلص منهم الدار ووضع خطواتها على الدرب النقي الذي وجدت لأجله.كان يتذكر بوفاء نادر ويردد على مجالس العلن وقفة الوفاء التي وقفتها معه الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح، بعد فترة الغزو الآثم وتركه لعمله، وكان يفرح كبهجة العيد فوق ثغر الطفولة حين نحمل إليه قصاصة من صحيفة كتبت عنها أو عن تجربتها الأدبية.ولأنه بهذا الوفاء فقد هيأ له الله تعالى من يذكر له صنيعه، معهم، وأنا أحدهم، وزميل هذه الصفحة الإعلامي عبدالستار ناجي يذكر له مواقف اكثر عمقا من خلال عمله معه في صحيفة الأنباء. ولأنه «المعلم» فحين نستذكر مواقفه أمامه كنوع من رد الجميل، كان يرمينا بابتسامة توحي بأن نتوقف عن الإطراء.ذات يوم سألته أن يختار الطريقة التي أرد له فيها جمائله، خصوصاً أن الله عز وجل كفاه حاجة الناس في شتى الأمور، فهزمني بابتسامة جديدة.. ولم أجد من يومها ما أرد به له الجميل سوى.. هذا المقال.ولأن أرواح الأنقياء لا تغادر عشق المكان.. فهو الآن مثلنا يقرأ دمعنا، ويسمع نواح القلم وهو يجر حزن حروفنا فوق الورق.. ثم يبتسم كونه مرة أخرى لا يحتاج منا الآن.. سوى الدعاء.
رثاء محمد خالد القطمة
رثاء
كان غيمة من بياض
رحمه الله..كان غيمة من بياض..وكان دمعة تسكن قلبا كبيرا...وكان يحب أصدقاءه بشكل استثنائي جدا، ولم يكن يؤلمه أكثر من تنكر بعض هؤلاء له أحيانا.اتصلت به ذات يوم عقب مشاهدتي لبرنامج تلفزيوني كان قد استضافه للحديث عن ذكرياته الكويتية تحديدا. وسألته عمن اتصل به ممن ذكرهم وشكرهم من الشباب الكويتي (آنذاك)، فقال بألم شديد وصوت دامع: لا أحد...، قبل ان يستدرك :تذكرت.. اتصل أحدهم ليلومني بعنف لانني ذكرت اسمه في ذلك الموضوع بالذات...رغم انني مدحته، لكنه كما يبدو يريد ان يتنصل من دوره القديم!!رحمه الله...دمعته كانت أكبر من أن يخفيها عندما رحل صديقه الشاعر نزار قباني، وظل طويلا يتذكر الراحل الكبير وحكاياته معه، وكلما اردت ان استرسل معه في الحديث كنت أسأله عن نزار... تحديدا. وكان يتصل بي كل سنة قبل حلول ذكرى رحيله مطالبا بأن نكتب شيئا في الصفحة الثقافية عنه...رحمه الله...من بين يديه خرجت الطبعة الثانية، الحقيقية، من كتابي الأول، عبر دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، أو الخيمة التي ظللت بداياتنا بجميلها الكبير، ومنذ تلك الأيام وعلاقتي به مستمرة ومتجددة.رحمه الله..أهداني يوما قصيدة عنوانها «غياب.. غياب.. غياب» تعليقا على صدور ديواني الثاني «تغيب فاسرج خيل ظنوني»، وطلب مني نشر تلك القصيدة في الصفحة الثقافية التي أحررها، وعندما تحرجت من نشر الإهداء الموجه إليَّ كاملا، استبدلت به الحرفين الاولين من اسمي (سين، ميم)، فلم يعجبه الأمر إلا انه اعتمده عندما نشر القصيدة في احد دواوينه بعد ذلك.رحمه الله..كلما أرسل لي، المجموعات الشعرية التي وصلت إلى التصفيات النهائية في مسابقة سعاد الصباح للإبداع الشعري كي أساهم في اختيار الفائزين كل عام، كان يسألني عن واقع الإبداع الشبابي من واقع مستوى تلك المجموعات التي تصلني، فكنت أعلق بكلمة لا بأس... وكان يرد ضاحكا... هذي هي المشكلة!!رحمه الله...كلمني للمرة الأخيرة من خارج الكويت بعد رحيل محمود درويش، طالبا مني أن انشر له شهادته عن الشاعر الراحل، وكانت مقالة مميزة فعلا. سألته يومها عن صحته فقال: ارجوك.. لا تسأليني هذا السؤال..كل الناس يسألونني السؤال نفسه... شو؟ ما وراكم غير صحتي؟... ضحكنا كثيرا.وكان حدس ما يلح علي، ويقول لي انها الضحكة الاخيرة التي اسمعها منه، فقد كانت تشبه غيمة من بياض. ولم اكلمه بعدها حتى لا أسأله ذلك السؤال المزعج.رحم الله محمد خالد قطمة... صديقنا كلنا في الصحافة والشعر والنثر وما لا تدركه المشاعر والكلمات والمهن.
سعدية مفرحwww.saadiah.info
11 نوفمبر 2008
فقدت الصحافة الكويتية والعربية مساء يوم الاحد 9 نوفمبر 2008 الكاتب والصحافي الاستاذ خالد القطمة عن عمر يناهز الــ 74 عاما بعد معاناة مريرة مع المرض.تنقل في مسيرة حياته بين سوريا ولبنان والكويت وانتسب الى الحزب القومي السوري، كما أسس عددا من الصحف الكويتية :الرأي العام، و اليقظة والهدف، ثم «الوطن» لينتهي به الترحال في حاضنته الطبيعية جريدة الانباء، وفي فترة الغزو كلّف باصدار الانباء في القاهرة، وهكذا كان مشواره الطويل في التأسيس والعمل الصحفي ليعتزله بعد التحرير وينضم الى دار سعاد الصباح للنشر ويصبح مديرا لها الى يومنا هذا، وقد دفن الفقيد في مقبرة الصليبخات في الكويت.
03 نوفمبر 2008
الحب في زمن الكوليرا: سينما قاربت الرواية من بعيد
انتظر غابرييل غارسيا ماركيز الكاتب الكولومبي الحائز على جائزة نوبل 22 عاما قبل أن يسمح بتحويل روايته الساحرة (الحب في زمن الكوليرا) التي صدرت عام 1985 إلى فيلم أخرجه مايكل نيويل ولعب بطولته الممثل الأسباني خافيير بارديم، والممثلة الايطالية جيوفانا ميزغيورنيو، ووضع موسيقاه انتونيو بنتو، أما الأغنيات فكانت بصوت شاكيرا، وكتب السيناريو رونالد هاروود.
الفيلم الذي أنتجته هوليود مؤخراً بميزانية إنتاج قدرها 50 مليون دولار ليجسد واحدة من أعظم قصص الحب تبدأ أحداثه بلحظة وقوع لدكتور خوبينال اوربينو وموته، ولأنه أحد وجهاء المدينة فإن أجراس الكنيسة تقرع لتنتشل العاشق العجوز فلورينتينو اريثا من بين أحضان عشيقته رقم 622، فيهرع إلى تقديم العزاء لحبيبته فيرمينا داثا، معلنا لها أن لحظته معها التي تأجلت51 عاما وتسعة أشهر وأربعة أيام قد حانت الآن. الأرملة المتألمة تصرخ في وجهه وتطرده خارج بيتها، لكن فلورينتينو الذي كان ينتظر بإصرار موت غريمه لن يعرف التراجع.
وهنا تعود بنا الكاميرا لمتابعة الحكاية منذ بدايتها في عام 1879 في مدينة كارتاجينا في كولومبيا، حيث اشتعلت شرارة الحب منذ النظرة الأولى، بين فلورينتينو الصبي الذي يعمل في مكتب التلغراف وبين الشابة الجميلة فيرمينا ابنة تاجر للبغال، تستمر قصة الحب هذه من خلال المراسلات المتبادلة بين الطرفين، فالصبي العاشق الذي يسود الصفحات الواحدة تلو الأخرى ، وتنتابه نوبات الحمى والقيء، فأعراض الحب تتشابه مع أعراض الكوليرا، ذلك الوباء الذي انتشر وقتها ليحصد المئات، لكن الجميلة فيرمينا داثا التي تأبت عن قبول (زهرة العهد البيضاء) تغير رأيها فجأة، وتتخلى عن عاشقها – فما هو إلا شبح- وتذعن لرغبة والدها فتتزوج من طبيب مشهور من الطبقة البرجوازية الراقية، وتتكيف مع وضعها الجديد، ولكن فلورينتينو الذي أقسم على الحب بالشغف نفسه طوال العمر، قرر أن الحب قدره في الحياة، وانه سينتظرها مهما طال الأمد، ومع مرور السنوات يسعى لأن يكون ثرياً كي يليق بمحبوبته حين يموت زوجها وتحين اللحظة الموعودة، وليداوي قلبه المجندل يقيم علاقات غرامية جسدية عديدة مع نساء عابرات في لم تعوض حبه المؤجل، ولكن الرغبة الجسدية رغم استبدادها المؤقت تبقى أسيرة الوله الأزلي الذي تجسده فيرمينا داثا عبر السنين.. ينتصر الفيلم لفكرة الحب وخلودها وترينا اللقطة الأخيرة عاشقين عجوزين تمخر بهما سفينة رفعت علم وباء الكوليرا، لتستمر في ذهابها وإيابها عبر النهر..
إمكانيات الفيلم العالية، وخبرة المخرج مايكل نيويل الذي اخرج من قبل هاري بوتر، أتاحت للكاميرا رصد الفترة الزمنية والمكانية التي يتناولها الفيلم و تستمر عبر نصف قرن، وما رافقها من تغيرات حضارية ودخول عوالم المدينة من شوارع اسفلتية وسيارات وازياء مناسبة إضافة لنهر ماغدالينا المتدفق وجمال طبيعة كولومبيا وكل ماينساب بين اليابسة والماء ..
لكن ماكان مقنعا في الآليات والازياء والمشاهد الخارجية للطبيعة الآخاذة، لم يستمر على نفس مستوى الاتقان بالنسبة للممثلين الذين قدر لهم أن يمثلوا على الشاشة أعمارا تتراوح مابين السبعة عشر ( سن المراهقة) وحتى السبعين( سن الشيخوخة)، خاصة بالنسبة لفيرمينا التي ظهرت وهي في سنواتها الـ 72 وقد اعتلى وجهها بعض الشحوب وغزت التجاعيد البسيطة عينيها الفاتنتين، مع شيب أنيق لشعرها وتسريحة مناسبة، وبقوامها النحيل والمنتصب تتحرك ببطء لا يؤثر كثيراً على روعتها كحبيبة منتظرة، أما فلورينتينو العاشق النحيل فلم تقنعنا تصرفاته بفلسفته عن الحب الأبدي وإخلاص القلب الذي لاعلاقة له بالجسد، إذ بدا في مجونه أقرب إلى الدون جوان، متصيدا النساء.. وحتى في لحظة اللقاء المرتقبة حين ينفردا على سفينة تذهب وتجيء عبر النهر، لم تأت ملامحه بجديد، وهي أكثر مشاهد الفيلم خيبة.
فالبطل – لخلل ما – لم يستطع خلال ساعتين هما مدة الفيلم أن يجسد حركيا وانفعاليا عوارض الحب الأزلي التي عبر عنها ماركيز في روايته، ربما لذلك لم يبخل علينا المخرج بلقطة يقول فيها فلورينتينو أريثا لفيرمينا داثا في لقاء الحب الأول بينهما، بأنه احتفظ لها بعذريته ، فتجيبه: أنت كاذب كبير..
إن المقارنة بين الرواية والفيلم مجحفة حقاً، فما سمحت به إمكانيات العمل الدرامي السينمائي من كاميرات وطاقم إخراج ومونتاج وصوت وموسيقى وأداء الممثلين، اختلف كلياً عما أتاحه الخيال الشخصي ومدارات الكلمة المكتوبة لجابرييل ماركيز..
كما أن متعة قراءة أحداث رواية بكل تفاصيلها الدقيقة بلغة قادرة على اعادة انتاج الروائح
والأحاسيس لاتشبه إطلاقا المتعة الناتجة عن المتابعة البصرية للقطات متتابعة على الشاشة فالمشاهد الذي قرأ قصة الحب الكبيرة، وشُحن بأفكار مسبقة، فوجئ، دون شك، بعمل سينمائي قارب الرواية بخطوطها العريضة فقط، ولم يكن هذا كافيا أو مقنعاً ..! إن رواية ( الحب في زمن الكوليرا) بعوالمها اللامعقولة وفكرتها العاطفية التي تخرج عن المنطق المألوف في الحياة لم تمنح نفسها كاملاً للكاميرا، لذلك ربما كان على ماركيز أن ينتظر 20 عاما إضافية ليسمح بإنتاج فيلمه.
نشرت في جريدة( فنون) الكويتية لعدد اكتوبر
28 أكتوبر 2008
أقوال مأســـــــــــــــــــورة
* فليفسح الندم القديم مكانه لندم جديد
* وطن؛ كان ظني، والأوطان مستحيل
* كل صباح استيقظ أقل
* الحب فقير؛ كنحن؛ كالبلاد
* ليتنا عرفنا حكمة الصمت أبكر
* الندم؛ للأسف؛ عاجز على أن يرجعنا الى اماكننا القديمة
* أمرر احلامي
*وانت مضيئة لاحد احتمالين اما لانك تخفين الشمس خلف عينيك، او لان الخالق خلق من جديد( وليد قارصلي)
25 أكتوبر 2008
حريتي: بقوة الريموت كونترول
من محاسن الصدف نيلي لشهادة الثانوية العامة في زمن سبق عصر القنوات الفضائيات، والأطباق اللاقطة، وأجهزة الاستقبال(الرسيفر)، وإلا كان مستقبلي ضاع..حتما!
فعلى رغم شح برامج ،تلك الأيام ، وقلتها وقتها، إلا أني كنت مصدرا يوميا لشكوى الست الوالدة، فأنا ابنتها التي تتابع برامج التلفزيون السوري من العلم إلى العلم، أي من لحظة بثه الاولى إلى لحظة بثه الاخيرة، والتي تبدأ وتنتهي بعلمنا يلوح في الهواء الطلق.. كنت مدمنة متابعة لكل مايبثه الاعلام ، كان نصيبنا من البرامج مقنن و أعجف، يادوب مسلسل عربي إسبوعي وحيد ننتظر حلقاته في توقيت ثابت في يوم معين، فإذا تصادف حدث وطني أومناسبة قومية احتفالية – لاسمح الله- منعنا ذلك من متابعتنا الإسبوعية، لنصبح عرضة لنسيان الأحداث والممثلين وموضوع المسلسل..
أما قدس الأقداس بالنسبة لي وقتها، فكان مسلسلاً أجنبياً اسمه – الجذور – مأخوذ عن رواية شهيرة لأليكس هيلي، ولسوء حظ أمي ، فقد استمر بأجزاءه المتتالية طوال شهور المدرسة ، وامتحاناتها..!
بالطبع هذا ليس كل شيء ، فكنت أشاهد برنامجا يتيما يبث أغان أجنبية بحسب ما يطلبه الجمهورمن منى كردي- لمن يذكرها - .. وإلى جانب _ تلك التحبيشة- حصتنا الأوفر من أغان لكمشة من مطربين ومطربات نعرف عنهم كل شيء، لقلة عددهم آنذاك.
وتبث الأغنية بنسخة تسجيلية نقلاً عن حفل على المسرح، أو مصورة داخل ستديو، فيتسمر المغني/ المغنية بين أعمدة الديكور الكرتونية ، وأرضية مشمعة تعكس أضواء وألواناً وظلا، كأنها شجرة عيد الميلاد، وغالباً ماترمى بين اقدام المغنية كمية من البالونات ، التي يبدو أنها كانت الارخص والأكثر بهجة لعيون المخرجين ..
أما الأغنية شعبية، فلا بد أن يصحبها فريق الدبكة ، ليقدم أفضل ماعنده من حركات خبط الأقدام على الأرض وهز الأكتاف وتطاير الشعر(كانت موضة الشعر الطويل)..
على كل ، لم نكن نرى الامر بهذه الطريقة، بل الحقيقة أن استمناعنا كان طفولياً، ومازلت اذكر متابعة المسرحيات في سهرة الخميس، والافلام العربي المليئة بالبوس والرقص في سهرة الجمعة..
وحين ينتهي البث يظهر على الشاشة تموجات ضوئية و وتشششش..
في الأعياد والعطلات كانوا يزيدون ساعات البث، فتبدأ برامج الجمعة عصراً، وأستطيع أن أؤكد أن القائمين على البث كانوا يعتبرونها عطية ومنّة تستاهل الحمد والشكر..
اختلف الحال كثيراً هذه الأيام، فأكثر من 325 قناة في انتظارك على الشاشة، بل وهناك الكثير من القنوات تستعد للانطلاق على اختلاف توجهاتها ورسالتها، في بث يستمر ل 24 ساعة فقط،، هذا الوضع بدأته قناة الـ mbc وكانت الفضائية الأولى الخاصة، التي كسرت احتكار الإرسال المحلي الواحد .
ومن وقتها ومستويات القنوات تختلف من ناحية الشكل و المضمون وأهدافها المباشرة وغير المباشرة، وينحصر اعتراض الأغلب منا على الكم الهائل من قنوات ( فرفش تعش تنتعش)، بأغانيها التي تكاد لاتفرق فيها بين صوت المغنية السرير ومؤخرا أصابع أقدامها، ورغم ايماني بأن ( الله جميل يحب الجمال) لكن شعوري المتقزز بأنهم يعودون بنا الى عصر الجواري والنخاسة، يفسد علي المتعة!..
فما هي حقيقة تزايد الاستثمار السعودي في المجال الإعلامي التعويضي ..؟ هل هي لمجرد الأرباح المجزية، ومن باب - اللهم زد وبارك- أم أنها الموجة التي يركبها الجميع..والتي لاتعني الا أن يزداد الغني غنى والجاهل جهلا والفقير حسرة..!
لايقتصر الربح المادي المباشر على الاعلانات التجارية وماتضخه رسائل ال sms
القصيرة ..وقد كان لأحدهم موقفاً صارماً وحاسماً لوقف هذه المهزلة – كما يسميها- إذ وضع شريطا لاصقا أسفل جهاز تلفزيونه ليحجب عن عينيه الشريط المتحرك ..وبالطبع لم يتوقع وقتها أن يصبح الشريط الأفقي اثنان ثم يضاف ثالث عمودي على طول الشاشة .. لا أعرف تماماً، لكن من المؤكد أنه كف عن إيجاد الحلول..!
وكي لا نبدو متخوفين من كل جديد سيقضي بالضرورة على أصالتنا، أو مقتنعين بنظرية المؤامرة التي تستهدفنا كشعوب، فإن للفضائيات توجهات أخرى، لا تقتصر على الجانب الترفيهي المذموم، فهناك قنوات تعليمية وسياسية واجتماعية ورياضية واقتصادية وتثقيفية.. إضافة إلى قنوات تخصصية تقدم مجالاً وأغلبها ليس مجانياً مثل ديسكفري والعقارية،وقناة المسافر وقناة الأطفال و..و..!
مما لاشك فيه أن الوفرة والتنوع فتحت أبواب التنافس الذي يحسن سوية مايعرض ، خاصة وأن المشاهد شخص صعب الإرضاء بما يملك من اختيارات كثيرة.
ولنعترف بأن هذه الفضائيات نوعت أدوات المعرفة عند المشاهد العربي، ومنحته أفقاً أوسع في الاختيار الحر.. ويستطيع أي منا بضغطة زر واحدة على جهاز التحكم ( الريموت كونترول ) أن يختار مايناسب ميوله وتوجهه بكامل إرادته الواعية، أما الأطفال والناشئة ، فهم رهان المستقبل، والتوعية والتوجيه ووضع خيارات بديلة كفيل بأن ينتج جيلاً أكثر اطلاعاً وتميزاًً
وأرجوك يامشاهد التلفزيون من المحيط الى الخليج، حين تبدأ بالتأفف والتذمر ومن ثمن الاعتراض، أن تتذكر أيام الوجبة – التي ما في غيرها- عبر قناة إلزامية مفروضة ، تجبرك على مالديها : نشرة اخبارية واحدة، وقت للغناء، تسلية غصب عن أهلك، ثقافة مفروضة، منوعات الزامية...
وكل ذلك ،بغض النظر عن ما يحيط بنا من عوالم أخرى..
فعلى رغم شح برامج ،تلك الأيام ، وقلتها وقتها، إلا أني كنت مصدرا يوميا لشكوى الست الوالدة، فأنا ابنتها التي تتابع برامج التلفزيون السوري من العلم إلى العلم، أي من لحظة بثه الاولى إلى لحظة بثه الاخيرة، والتي تبدأ وتنتهي بعلمنا يلوح في الهواء الطلق.. كنت مدمنة متابعة لكل مايبثه الاعلام ، كان نصيبنا من البرامج مقنن و أعجف، يادوب مسلسل عربي إسبوعي وحيد ننتظر حلقاته في توقيت ثابت في يوم معين، فإذا تصادف حدث وطني أومناسبة قومية احتفالية – لاسمح الله- منعنا ذلك من متابعتنا الإسبوعية، لنصبح عرضة لنسيان الأحداث والممثلين وموضوع المسلسل..
أما قدس الأقداس بالنسبة لي وقتها، فكان مسلسلاً أجنبياً اسمه – الجذور – مأخوذ عن رواية شهيرة لأليكس هيلي، ولسوء حظ أمي ، فقد استمر بأجزاءه المتتالية طوال شهور المدرسة ، وامتحاناتها..!
بالطبع هذا ليس كل شيء ، فكنت أشاهد برنامجا يتيما يبث أغان أجنبية بحسب ما يطلبه الجمهورمن منى كردي- لمن يذكرها - .. وإلى جانب _ تلك التحبيشة- حصتنا الأوفر من أغان لكمشة من مطربين ومطربات نعرف عنهم كل شيء، لقلة عددهم آنذاك.
وتبث الأغنية بنسخة تسجيلية نقلاً عن حفل على المسرح، أو مصورة داخل ستديو، فيتسمر المغني/ المغنية بين أعمدة الديكور الكرتونية ، وأرضية مشمعة تعكس أضواء وألواناً وظلا، كأنها شجرة عيد الميلاد، وغالباً ماترمى بين اقدام المغنية كمية من البالونات ، التي يبدو أنها كانت الارخص والأكثر بهجة لعيون المخرجين ..
أما الأغنية شعبية، فلا بد أن يصحبها فريق الدبكة ، ليقدم أفضل ماعنده من حركات خبط الأقدام على الأرض وهز الأكتاف وتطاير الشعر(كانت موضة الشعر الطويل)..
على كل ، لم نكن نرى الامر بهذه الطريقة، بل الحقيقة أن استمناعنا كان طفولياً، ومازلت اذكر متابعة المسرحيات في سهرة الخميس، والافلام العربي المليئة بالبوس والرقص في سهرة الجمعة..
وحين ينتهي البث يظهر على الشاشة تموجات ضوئية و وتشششش..
في الأعياد والعطلات كانوا يزيدون ساعات البث، فتبدأ برامج الجمعة عصراً، وأستطيع أن أؤكد أن القائمين على البث كانوا يعتبرونها عطية ومنّة تستاهل الحمد والشكر..
اختلف الحال كثيراً هذه الأيام، فأكثر من 325 قناة في انتظارك على الشاشة، بل وهناك الكثير من القنوات تستعد للانطلاق على اختلاف توجهاتها ورسالتها، في بث يستمر ل 24 ساعة فقط،، هذا الوضع بدأته قناة الـ mbc وكانت الفضائية الأولى الخاصة، التي كسرت احتكار الإرسال المحلي الواحد .
ومن وقتها ومستويات القنوات تختلف من ناحية الشكل و المضمون وأهدافها المباشرة وغير المباشرة، وينحصر اعتراض الأغلب منا على الكم الهائل من قنوات ( فرفش تعش تنتعش)، بأغانيها التي تكاد لاتفرق فيها بين صوت المغنية السرير ومؤخرا أصابع أقدامها، ورغم ايماني بأن ( الله جميل يحب الجمال) لكن شعوري المتقزز بأنهم يعودون بنا الى عصر الجواري والنخاسة، يفسد علي المتعة!..
فما هي حقيقة تزايد الاستثمار السعودي في المجال الإعلامي التعويضي ..؟ هل هي لمجرد الأرباح المجزية، ومن باب - اللهم زد وبارك- أم أنها الموجة التي يركبها الجميع..والتي لاتعني الا أن يزداد الغني غنى والجاهل جهلا والفقير حسرة..!
لايقتصر الربح المادي المباشر على الاعلانات التجارية وماتضخه رسائل ال sms
القصيرة ..وقد كان لأحدهم موقفاً صارماً وحاسماً لوقف هذه المهزلة – كما يسميها- إذ وضع شريطا لاصقا أسفل جهاز تلفزيونه ليحجب عن عينيه الشريط المتحرك ..وبالطبع لم يتوقع وقتها أن يصبح الشريط الأفقي اثنان ثم يضاف ثالث عمودي على طول الشاشة .. لا أعرف تماماً، لكن من المؤكد أنه كف عن إيجاد الحلول..!
وكي لا نبدو متخوفين من كل جديد سيقضي بالضرورة على أصالتنا، أو مقتنعين بنظرية المؤامرة التي تستهدفنا كشعوب، فإن للفضائيات توجهات أخرى، لا تقتصر على الجانب الترفيهي المذموم، فهناك قنوات تعليمية وسياسية واجتماعية ورياضية واقتصادية وتثقيفية.. إضافة إلى قنوات تخصصية تقدم مجالاً وأغلبها ليس مجانياً مثل ديسكفري والعقارية،وقناة المسافر وقناة الأطفال و..و..!
مما لاشك فيه أن الوفرة والتنوع فتحت أبواب التنافس الذي يحسن سوية مايعرض ، خاصة وأن المشاهد شخص صعب الإرضاء بما يملك من اختيارات كثيرة.
ولنعترف بأن هذه الفضائيات نوعت أدوات المعرفة عند المشاهد العربي، ومنحته أفقاً أوسع في الاختيار الحر.. ويستطيع أي منا بضغطة زر واحدة على جهاز التحكم ( الريموت كونترول ) أن يختار مايناسب ميوله وتوجهه بكامل إرادته الواعية، أما الأطفال والناشئة ، فهم رهان المستقبل، والتوعية والتوجيه ووضع خيارات بديلة كفيل بأن ينتج جيلاً أكثر اطلاعاً وتميزاًً
وأرجوك يامشاهد التلفزيون من المحيط الى الخليج، حين تبدأ بالتأفف والتذمر ومن ثمن الاعتراض، أن تتذكر أيام الوجبة – التي ما في غيرها- عبر قناة إلزامية مفروضة ، تجبرك على مالديها : نشرة اخبارية واحدة، وقت للغناء، تسلية غصب عن أهلك، ثقافة مفروضة، منوعات الزامية...
وكل ذلك ،بغض النظر عن ما يحيط بنا من عوالم أخرى..
15 أكتوبر 2008
رقصة الفالس الوردية
منذ لم يعد قميصُ نومها الوردي عاري الظهر والكتفين يثير منكَ ولو التفاتة واحدة. وأنت تهجس بالفكرة... كان الضوء شحيحاً، ولم تكن تضمر لعنة، مجرد فكرة فضحتها نظرتك، حين دمعت عيناها وتناولت منديلها، مددتَ يدَك إلى صدرك تبحث عن حبك الهارب فارتطمت بالشفقة. يا للبؤس.! كممت فمك قبل أن تخرج تلك التنهيدة. تقلصت أطرافك خوف ملامسة لا تنبت ولا تزهر... كلاهما معاً اللهفة والاختناق. كنتَ حزيناً أكثر منها، تبحث عن دمعكَ الذي تجمد في المقلتين، وتحول إلى نبض في الصدغين... تهجس بالفكرة.! تتذكّر رجاءكَ المتسوّل وأنت تطلبها من أبيها، كانت حلقات الدخان تدور فوق رأسيكما والصمت الوقور... ـــ "على بركة الله"... قالها بصوته الخشن فتنفستَ الصعداء... رقصت روحكَ فالساً لا تتقن خطواته، ودغدغت جوانبك الرغبة... لكزتك أختك من خاصرتك كي تهدأ. فيما كنتما تجهزان منزلكما الزوجي قلتَ لها وعينك تغمز وحاجبك يرتفع: ـــ كل شيء في البيت سيكون باللون الوردي... غاصت غمازةٌ ضاحكة في خدها، وقفز قلبك عالياً، التفت البائع وابتسم في وجهيكما، كانت أسنانه سوداء. كان فعل ماض، عند زاوية الانكسار شفة مقلوبة. تهجسُ بالفكرة. نهضتَ فجأة، وقررتَ أن تنام وبين كتفيكما مسافة سنوات من الإنكسار، لتنتصب في الحلم حقولٌ عطشى وأشجارٌ ظمآنة. منذ أن تحوّل شأنكما الخاص إلى شأن عام، واللغط والتساؤلات تحشرك في أضيق المواقع. بعد الساحة العامَة منعطفات ضيقة ومتشابهة تسلكها في طريق عودتك من عملك إلى بيتك... تنتابك عقدة الاتجاهات... القطط فقط ترجع إلى مأواها دون أن تضل... لولا بقايا انتباهك لضعت بين ملامح الوجوه المتجهمة الرمادية للعابرين. زقاق منزلك يحتله عمال البلدية وآلياتهم، تقفز فوق الحجارة المكسورة وبرك الوحل، يبللَك المطر، ويلطمك الهواء. "الشتاء هذا العام يبدو قاسياً". كل عام تردد الجملة نفسها... يتسخ حذاؤك والمعطف... وتغوص ببركة طين لم تنتبه لها... آخر مرّة حفروا المكان نفسه، كنتَ أكثر رشاقة وأقل شحوباً، تضحك وتخوض في البرك كلها وأنت تقهقه، أما الآن فقد أطلقت لعنة وشتيمة. منذ لم تعد الذاكرة نقشاً على حجر... وأنت تهجس بالفكرة شيء ـــ لا مفر منه ـــ يضغط على أعصابك، ينسيك ألف باء الحب، وياءه أيضاً... حار بك الأصدقاء، نصائحهم البيضاء ترتق في السماء غيماً لا يمطر. لماذا الطلاق.؟ كان عليك أن توضح أمراً أنت نفسك لم تفهمه تماماً، مما جعل أصواتهم لا تعبر أذنيك، وكأن سداً مانعاً يعيق المنطق. هي تريدكَ وتقسم أنها تحبكَ أكثر من قبل.! أليست المرأة جبلاً من الرحمة..؟ تنتظر مثل مذنب برئ كلمتك العليا... ونيران غضبك تحرق الأخضر واليابس. تصل إلى بيتك مهزوماً، ترمي معطفك الشتوي المبلل بنحيب السماء، تشعر كم أرهق أكتافك ثقله. لو أنك ارتديت سترة المطر الجلدية لخففت عنك العناء... وكنت تهجس بالفكرة. فاجأك السكون كان الصمت دامساً أكثر من العتمة... في قاعة الجلوس وحشةٌ توحي بالغياب أفزعكَ منظر باب الخزانة المفتوح والفوضى التي جدَّت على المكان... تأوهت أوجاعك دفعة واحدة... جرس الباب، وجارتك تمدّ يدها بالمفتاح، تقول بأسف: "لم أستطع إقناعها بالبقاء". تهزّ رأسك بارتياح... لطالما تقدمتكَ بخطوة، أنقذتكَ من المبادرة، ووخز الضمير، كم ستشوه من الأشياء بعد غياب ابتسامتها.؟.. آخر مرة رأيت غمازتيها منذ ما لا تذكر... وكان ثالثكما حديث مقطوع... وأنفاس نرجيلة تعدها لك ثم تنسحب... تبرعم شوقٌ صغير مدغدغاً مَوات حواسك، تشرب فنجان شايك. تتقلّب قليلاً فوق فراشك، غداً في المحكمة ينتهي كل شيء... تنام على الجنب الذي يريحك. الباب يقرع ويقطع عليك غفوة الظهيرة... نصف ابتسامة وارتباك كامل يطلان من وجه جارك، يقول: "عرفت أنها تركتك... كل شيء قسمة ونصيب. هل يمكنني الدخول". تبتعد عن الباب مفسحاً له المجال. صوته يخرج غريباً وشائكاً: "ربما أتعجل في طرق الموضوع لكن يقال أعزب دهر ولا أرمل شهر لولا أني أحبك ما فاتحتك بالأمر... ما رأيك بأخت زوجتي!؟. لن أخبرك عنها.. ستعجبك حتماً... إنها ست بيت ممتازة... متأكد ستعجبك... لن أخبرك عنها، سترى بنفسك، صدقني هي تعجب ملك... صغيرة ونشطة و...". ترتعش يدك، وتدغدغ جوانبك تلك الرغبة... أين كوع أختك ليلكزك.؟
23 سبتمبر 2008
بطاقات حب مسبقة الدفع/ نص الدلالة.
قراءة في قصة " شخص مسبق الدفع" لحامد بن عقيل
بقدر ما أمتعني (شخص مسبق الدفع) بقدر ما أتعبتني الكتابة عنه.. شخص مسبق الدفع نص اعتمد إلى حد كبير على التأويل.. هكذا يغيم الحدث بتعمد واضح بين تفاصيل كثيرة بثها الكاتب بطريقة القطع والوصل مثل كاميرا اختارت لقطات بعينها لنستشف من ورائها ما يراد لنا أن نستشف.
في قصة تعتمد الحوار ثيمة أساسية .. و أظن أن صفة الحوار التي هي بالمعنى " حاور : جاوب وراجعه الكلام" ليست مناسبة تماماً لتوصيف ما جاء في النص من مقتطف كلامي وجمل لحديث دون استمرارية يتبعثر عبر خط زمني متحرك وغير ثابت متقطعاً ..متنقلاً مابين لقاء في مطار الملك خالد ومابين عودة من القسطنطينية "عاصمة الشرق" ومابين رجوع مهزوم من بيروت ..
اختلاف الزمن رافقه بالضرورة اختلاف المكان .. وقد اخترق -ذلك الحوار- القليل من الجمل الوصفية التي وُظِّفت لتنير الموقف ككل.
الحوار الغائم والمتقطع كما أشرنا، يعتمد تقريباً على صوت واحد، أما الموضوع – موضوع الحديث - فمفتوح الدلالات ..
الاحتمالات بحد ذاتها جمالية من نوع خاص، بمذاق لاسع، فالنص الذي لا يبدو مبنياً على حيثيات بعينها يمكن أن يفقد خيط التواصل مع القارئ أو يشده حتى السطر الأخير في لعبة فضول مثيرة. فهل استثمر الكاتب طريقة زرع شفراته المرمزة بنجاح..؟ نعم أعتقد أنه فعل .
لنعد إلى شخصيتي النص اليتيمتين، واللتين تكشفان لنا بقدر كاف من المعلومات بأننا أمام رجلين:
الشخصية الثانية منهما مجرد( أبو خالد) الذي يستمع ويعلق بأقل القليل، رغم أنه وحده العارف بكل شيء.. لكنه يشاء أن يتركنا بصمته الملغوم لنكتشف الآخر من خلال تعليقاته وآرائه التي تنقل لنا بلسانه ومنطوقه الشخصي.
البطل هو الشخصية الأولى،التي ندرك أنها لشاعر يعمل في المجال الثقافي، تجتاحه هموم وفجائع وفضائل تلك الفئة.. وبشكل حثيث ومتتابع ندرك معاناته في لحظات مكثفة من قلق وحزن وهزيمة ..
ففي الجملة الأولى من النص يعبر بغضب "عن متسع الحزن حين نصدم بمن نريد أن نصدم فيه..
وقد كان مستهلها : ليس تماماً : لنعلم أننا دخلنا فجأة على حوار قائم من قبل نقل إلينا من هذه النقطة بالذات
وهو استقطاب ذكي لقارئ يريد أن يعرف " عن ماذا يتحدثان"؟.
الصدمة بالآخر، " هذا يحدث فقط حين نقرر ألا نبرر وألا نتجاوز إلى الغفران.. والعتبة الأولى من التفهم.
نتابع صوت الشخصية الأولى الذي يُصدِّر لنا قلقه المفرط، هو المرتحل بين الأماكن المغترب عن نفسه وعن أرضه وعن الآخرين، يخلع عن ذاته قدسيته الشعرية، يتعرى، ليبقى أمامنا بصورته الإنسانية، فهو المنساق وراء انفعالاته دون ضوابط.. المشحون بمشاعر سلبية.. والمحاط بفوضاه.. بذيء اللسان.. "بذاءة لا تضر أحداً غيره"، يمرر لنا معاناته حين تخذله الكتابة فلا يستطيع تخليد لحظة بيضاء، معترفاً بأنه ليس مبدعاً على مر الوقت..
ففي حالة الحب (ويختلط علينا الأمر هنا هل الحديث يخص الحبيبة أم الوطن أم الشعر؟) يفر منه الحبر ويعجز عن وصفه، وحين تمتلكه أداته الإبداعية فهو ينقلب إلى كائن آخر "فلا يعود هو أبداً"
يكتب فيفسد ذاك البياض لأن" القصيدة وحل المفتونين باللغة وليس طُهر المهووسين بالأنبياء.."
وفي استكمال لهوية الشاعر وصورته يبدو لنا متقلباً في مشاعره حد الانقلاب بين بكاء يصل حد النشيج إلى ضحك محموم يلفت نظر من في صالة المطار، هو الكائن المأسور إلى مزاجه. والذي لا يمكن التكهن بدواخله إذ له " وجه بارد يتشكل حسب الأجواء.....أما عيناه فأبعد ما تكونان عن ملامحه، تثرثران طيلة الوقت"
ومن خلال عملية القطع والوصل بين المقاطع
"- لا تنس الليلة . أريدك لشيء هام...
مر أسبوع / أسبوعان وهو غائب. حقائبه عندي وكتبه و ..."
فنعرف أنه لا يلتزم بمواعيده فهو يختفي أو يغيب دون أن يترك خبراً، ثم يعود فجأة، ليقرأ "مزامير الشيطان" شيئاً من الشعر نشر له في جريدة النهار.
" هل كان نهارك إنسياً
هل كنت تطيل السير إلى ألق الأشياء وهي معلقة في اللاجدوى.. "
ويبدو في حالة حنين مقدسة حين يحكي عن - أمل – حبيبته التي خذلته ولم تشاركه مصير الاغتراب.. لكن لماذا اسم الحبيبة ( أمل ) بالذات؟، هل يعني ذلك أن نضع المزيد من الاحتمالات في نص الدلالات هذا؟.
هذه الشخصية المعجونة بآلامها، لا تتراجع :
"- لماذا؟ هل تتوقع مني أن أعتقد أنك ممن يتراجعون عن قناعاتهم؟
- لا أيها الشرير "
وهو متشبث برأيه، لا يتخلى عن قناعاته، " يزداد قناعة أن لا قداسة ولا مقدس على هذه الأرض.."
ينزع إلى عدم الثقة، لأن خيبة الظن واردة دائماً حين يفاجئك من لا يستحق.
إنها الخيبة عامة، والتي يمكن تداركها بأننا لا نصدم إلا فيمن نريد مادامت مساحة الحب موجودة والتي هي بطاقة مسبقة الدفع فإننا نستطيع التفهم دون ضغينة ..
الكائن الممزق بأفكاره وآرائه يعبر النص إلينا من خلال دقائق جميلة، أدت معناها في "نتر" لغوي يقفز بنا من مكان إلى آخر.. ومن زمن إلى ثان.. ومن حالة إلى حالة..
هذا القلق أدى بنا إلى التعاطف مع مثقف ضائع" ربما هي حال معظم مثقفينا".
يتخبط في البحث عن جدوى ويضيع.. ربما! وقد يجد نفسه أو لا..! تتقاذفه علاقات يضطر إليها وأخرى تتخلى عنه.. لكنه في النهاية يبدو وحيداً غارقاً في ذاتيته، فالنص لم يتطرق إلى عائلة أو ارتباط دافئ .. مما يزيد من انكسار الشخصية واحتوائها لمتناقضاتها ، كأن )أي البطل) يحارب طواحين الهواء تلك التي إما أن تقتله فينساق معها كأجواء فاسدة وأقلام مأجورة .. أو يقتلها ويبقى معزولاً مغيباً غارقاً في عوالمه الداخلية وغريباً وحانقاً ..
(شخص مسبق الدفع) النص الذي يحاول ألا يميل وألا يملي علينا شعوراً محدداً نجح في ذلك إلى حد بعيد فنحن لم نقو على اتهام ذاك الشاعر الكاتب ولم نضعه أيضاً في مصاف الأنبياء..
هكذا هو؛ مجرد إنسانٍ تعس.
و لأن النص يعتمد على صيغة الحوار- الحكي – فيبدو من الطبيعي الاهتمام بجانبه اللغوي والإشارة إلى طبيعة المفردات التي استخدمت لبناء هيكل النص، والتي اتخذت بعداً نفسياً اعتمد بكليته على تعابير مختصرة تحمل عمق المعنى وفي الوقت نفسه عبارات ذات طاقة شعورية عميقة ناسبت الشخصية " الشاعر":
"هناك متسع للحزن- له صهيل – كانت تصطخب في حلمي – كانت ترقص بعدي بحقلين من الذرة- وضعت رأسي على فخذها- القصيدة وحل المفتونين باللغة – ما يختلج في دمي – أتوحد بذراعيها – دُفنتُ فيها – لن يخذلني وحدي- لا يخيب ظننا إلا فيمن نحب -أزداد قناعة".
إضافة إلى مفردات انفعالية تعبر عن المشاعر : "الغضب – الحزن – البكاء – الهزيمة – الضحك – الدهشة – السخرية – الانكسار- الصمت – الحيرة".
ورغم أن النص عبر التقاطاته التي بثتها لنا ملاحظات الشخصية الثانية – أبو خالد- وبحسب ما وصلنا من منطوقه ككائن، فالبطل يظل حتى الخاتمة دون اسم محدد.. كأنها إشارة ذكية من الكاتب أن هذا البطل يمكن أن يكون : أيا منا!
بقدر ما أمتعني (شخص مسبق الدفع) بقدر ما أتعبتني الكتابة عنه.. شخص مسبق الدفع نص اعتمد إلى حد كبير على التأويل.. هكذا يغيم الحدث بتعمد واضح بين تفاصيل كثيرة بثها الكاتب بطريقة القطع والوصل مثل كاميرا اختارت لقطات بعينها لنستشف من ورائها ما يراد لنا أن نستشف.
في قصة تعتمد الحوار ثيمة أساسية .. و أظن أن صفة الحوار التي هي بالمعنى " حاور : جاوب وراجعه الكلام" ليست مناسبة تماماً لتوصيف ما جاء في النص من مقتطف كلامي وجمل لحديث دون استمرارية يتبعثر عبر خط زمني متحرك وغير ثابت متقطعاً ..متنقلاً مابين لقاء في مطار الملك خالد ومابين عودة من القسطنطينية "عاصمة الشرق" ومابين رجوع مهزوم من بيروت ..
اختلاف الزمن رافقه بالضرورة اختلاف المكان .. وقد اخترق -ذلك الحوار- القليل من الجمل الوصفية التي وُظِّفت لتنير الموقف ككل.
الحوار الغائم والمتقطع كما أشرنا، يعتمد تقريباً على صوت واحد، أما الموضوع – موضوع الحديث - فمفتوح الدلالات ..
الاحتمالات بحد ذاتها جمالية من نوع خاص، بمذاق لاسع، فالنص الذي لا يبدو مبنياً على حيثيات بعينها يمكن أن يفقد خيط التواصل مع القارئ أو يشده حتى السطر الأخير في لعبة فضول مثيرة. فهل استثمر الكاتب طريقة زرع شفراته المرمزة بنجاح..؟ نعم أعتقد أنه فعل .
لنعد إلى شخصيتي النص اليتيمتين، واللتين تكشفان لنا بقدر كاف من المعلومات بأننا أمام رجلين:
الشخصية الثانية منهما مجرد( أبو خالد) الذي يستمع ويعلق بأقل القليل، رغم أنه وحده العارف بكل شيء.. لكنه يشاء أن يتركنا بصمته الملغوم لنكتشف الآخر من خلال تعليقاته وآرائه التي تنقل لنا بلسانه ومنطوقه الشخصي.
البطل هو الشخصية الأولى،التي ندرك أنها لشاعر يعمل في المجال الثقافي، تجتاحه هموم وفجائع وفضائل تلك الفئة.. وبشكل حثيث ومتتابع ندرك معاناته في لحظات مكثفة من قلق وحزن وهزيمة ..
ففي الجملة الأولى من النص يعبر بغضب "عن متسع الحزن حين نصدم بمن نريد أن نصدم فيه..
وقد كان مستهلها : ليس تماماً : لنعلم أننا دخلنا فجأة على حوار قائم من قبل نقل إلينا من هذه النقطة بالذات
وهو استقطاب ذكي لقارئ يريد أن يعرف " عن ماذا يتحدثان"؟.
الصدمة بالآخر، " هذا يحدث فقط حين نقرر ألا نبرر وألا نتجاوز إلى الغفران.. والعتبة الأولى من التفهم.
نتابع صوت الشخصية الأولى الذي يُصدِّر لنا قلقه المفرط، هو المرتحل بين الأماكن المغترب عن نفسه وعن أرضه وعن الآخرين، يخلع عن ذاته قدسيته الشعرية، يتعرى، ليبقى أمامنا بصورته الإنسانية، فهو المنساق وراء انفعالاته دون ضوابط.. المشحون بمشاعر سلبية.. والمحاط بفوضاه.. بذيء اللسان.. "بذاءة لا تضر أحداً غيره"، يمرر لنا معاناته حين تخذله الكتابة فلا يستطيع تخليد لحظة بيضاء، معترفاً بأنه ليس مبدعاً على مر الوقت..
ففي حالة الحب (ويختلط علينا الأمر هنا هل الحديث يخص الحبيبة أم الوطن أم الشعر؟) يفر منه الحبر ويعجز عن وصفه، وحين تمتلكه أداته الإبداعية فهو ينقلب إلى كائن آخر "فلا يعود هو أبداً"
يكتب فيفسد ذاك البياض لأن" القصيدة وحل المفتونين باللغة وليس طُهر المهووسين بالأنبياء.."
وفي استكمال لهوية الشاعر وصورته يبدو لنا متقلباً في مشاعره حد الانقلاب بين بكاء يصل حد النشيج إلى ضحك محموم يلفت نظر من في صالة المطار، هو الكائن المأسور إلى مزاجه. والذي لا يمكن التكهن بدواخله إذ له " وجه بارد يتشكل حسب الأجواء.....أما عيناه فأبعد ما تكونان عن ملامحه، تثرثران طيلة الوقت"
ومن خلال عملية القطع والوصل بين المقاطع
"- لا تنس الليلة . أريدك لشيء هام...
مر أسبوع / أسبوعان وهو غائب. حقائبه عندي وكتبه و ..."
فنعرف أنه لا يلتزم بمواعيده فهو يختفي أو يغيب دون أن يترك خبراً، ثم يعود فجأة، ليقرأ "مزامير الشيطان" شيئاً من الشعر نشر له في جريدة النهار.
" هل كان نهارك إنسياً
هل كنت تطيل السير إلى ألق الأشياء وهي معلقة في اللاجدوى.. "
ويبدو في حالة حنين مقدسة حين يحكي عن - أمل – حبيبته التي خذلته ولم تشاركه مصير الاغتراب.. لكن لماذا اسم الحبيبة ( أمل ) بالذات؟، هل يعني ذلك أن نضع المزيد من الاحتمالات في نص الدلالات هذا؟.
هذه الشخصية المعجونة بآلامها، لا تتراجع :
"- لماذا؟ هل تتوقع مني أن أعتقد أنك ممن يتراجعون عن قناعاتهم؟
- لا أيها الشرير "
وهو متشبث برأيه، لا يتخلى عن قناعاته، " يزداد قناعة أن لا قداسة ولا مقدس على هذه الأرض.."
ينزع إلى عدم الثقة، لأن خيبة الظن واردة دائماً حين يفاجئك من لا يستحق.
إنها الخيبة عامة، والتي يمكن تداركها بأننا لا نصدم إلا فيمن نريد مادامت مساحة الحب موجودة والتي هي بطاقة مسبقة الدفع فإننا نستطيع التفهم دون ضغينة ..
الكائن الممزق بأفكاره وآرائه يعبر النص إلينا من خلال دقائق جميلة، أدت معناها في "نتر" لغوي يقفز بنا من مكان إلى آخر.. ومن زمن إلى ثان.. ومن حالة إلى حالة..
هذا القلق أدى بنا إلى التعاطف مع مثقف ضائع" ربما هي حال معظم مثقفينا".
يتخبط في البحث عن جدوى ويضيع.. ربما! وقد يجد نفسه أو لا..! تتقاذفه علاقات يضطر إليها وأخرى تتخلى عنه.. لكنه في النهاية يبدو وحيداً غارقاً في ذاتيته، فالنص لم يتطرق إلى عائلة أو ارتباط دافئ .. مما يزيد من انكسار الشخصية واحتوائها لمتناقضاتها ، كأن )أي البطل) يحارب طواحين الهواء تلك التي إما أن تقتله فينساق معها كأجواء فاسدة وأقلام مأجورة .. أو يقتلها ويبقى معزولاً مغيباً غارقاً في عوالمه الداخلية وغريباً وحانقاً ..
(شخص مسبق الدفع) النص الذي يحاول ألا يميل وألا يملي علينا شعوراً محدداً نجح في ذلك إلى حد بعيد فنحن لم نقو على اتهام ذاك الشاعر الكاتب ولم نضعه أيضاً في مصاف الأنبياء..
هكذا هو؛ مجرد إنسانٍ تعس.
و لأن النص يعتمد على صيغة الحوار- الحكي – فيبدو من الطبيعي الاهتمام بجانبه اللغوي والإشارة إلى طبيعة المفردات التي استخدمت لبناء هيكل النص، والتي اتخذت بعداً نفسياً اعتمد بكليته على تعابير مختصرة تحمل عمق المعنى وفي الوقت نفسه عبارات ذات طاقة شعورية عميقة ناسبت الشخصية " الشاعر":
"هناك متسع للحزن- له صهيل – كانت تصطخب في حلمي – كانت ترقص بعدي بحقلين من الذرة- وضعت رأسي على فخذها- القصيدة وحل المفتونين باللغة – ما يختلج في دمي – أتوحد بذراعيها – دُفنتُ فيها – لن يخذلني وحدي- لا يخيب ظننا إلا فيمن نحب -أزداد قناعة".
إضافة إلى مفردات انفعالية تعبر عن المشاعر : "الغضب – الحزن – البكاء – الهزيمة – الضحك – الدهشة – السخرية – الانكسار- الصمت – الحيرة".
ورغم أن النص عبر التقاطاته التي بثتها لنا ملاحظات الشخصية الثانية – أبو خالد- وبحسب ما وصلنا من منطوقه ككائن، فالبطل يظل حتى الخاتمة دون اسم محدد.. كأنها إشارة ذكية من الكاتب أن هذا البطل يمكن أن يكون : أيا منا!
كيف تكتب نصاً مؤثراً عن قبلة ( خلف علي الخلف)
لاشك إنك مثل كل الكتاب تريد لنصك أن يكون مؤثراً، ولا بد لك من التفكير جدياً كيف تجعله هكذا.. سيقودك تفكيرك إلى أن قراءة بعض التنظيرات النقدية التي تتحدث عن هذا، أمرٌ مجدٍ. الصدفة وحدها قد تجعل كتاب ديل كارينجي »كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس« في مرمى نظرك، تتناوله، لأنك قررت أن يكون نصك مؤثراً، وربما سيفيدك أن تعيد قراءة بعض القواعد التي لخصها كارينجي في هذا الكتاب. تجد ضالتك في القاعدة الثالثة عشر من الكتاب: إذ أردت أن يصغي لك محدثك تحدث بصدق. سيكون الحديث حاراً وحاداً...
تتابع بحثك فتجد أن امبرتو إيكو في أحد كتبه يقول: »ليكن خطابك متماسكاً ومختصراًً«، ويردف: »إن الاختصار لا يعني طول النص أو قصره بل عدم وجود فائض الكلام«. تتذكر حينها مقولة هيروديت: »يا أوفيد أوصيك بالدقة لا بالوضوح«. تتابع البحث عم يفيدك لكتابة النص المؤثر. تتناول ألف ليلة وليلة لتستوحي منها أسلوبا سردياً يجعل القارئ يتابعك بشغف، فهذه الحكايات ما زالت معيناً لا ينضب للكُتاب. تجد أن شهرزاد قالت -وهي تجترح حلاً لمعضلة الموت-: »عليّ ألا أدعه يشرد كي لا يفكر بقتلي«. وقد كانت تعني (القارئ) الوحيد يومها شهريار، فالشرود في هذه الحالة ثمنه الحياة وليس إغلاق الكتاب كما يفعل أي قارئ. تستمر في البحث.. تقرأ في أحد الكتب المختصة في علم التسويق والإعلان: »عنوان الرسالة الإعلانية مهم جداً يجب أن تغري المستهلك بقراءة الإعلان أولاً«. تدون كل هذه الملاحظات على ورقة خارجية وتبدأ التفكير من الملاحظة الأخيرة، العنوان إذاً هو الذي سيقود القارئ إلى النص ويفتح شهيته على القراءة أو يغلقها. يقودك تفكيرك إلى عناوين كثيرة، تستحسن عنوان »قتلتها أخيراً« العنوان جذاب - تقول لنفسك..- لكن كيف سيكون محتوى النص؟ عم سيتحدث؟ لا بد من مضمون، فالعنوان وحده لن يكفي، ومن هي التي قتلتها أخيراً؟ فحسب كارينجي عليك أن تكون صادقاً، وأنت لم تقتل حتى دجاجة لتتحدث عن قتلها مستخدما بعض الحيل اللغوية موهما القارئ أنها ربما تكون امرأة !!. تستبعد هذا العنوان وتقرر أن تختار عنوانا صاخباً فتصيغ »الرجل الذي أكل كلباً حياً« العنوان مغرٍ، وسيدفع فضول الكثير من القراء كي يعرفوا كيف أكل الرجل الكلب. لالا.. لقد استخدم كثيرون قبلك هذه الصيغة المعكوسة، وعليك أن تخلق نصاً جديداً أو تصمت، فلا مبرر لإعادة ثرثرات الآخرين. لم لا يكون العنوان »آخر موت لبائعة المكسرات« فعنوان مخاتل كهذا، تنسف عبره فكرة أن الموت يأتي مرة واحدة دائماً.. لكن -تقول لنفسك- من سيهتم بموت بائعة المكسرات سواء كان موتا أولاًً أو موتاً أخيراً.. لم لا تفكر بمضمون نصك أولاً، ومن ثم تختار العنوان.. لكنك لستَ مدفوعاً إلى الكتابة تحت وطأة فكرة محددة، فأنت تريد أن تكتب نصاً مؤثراً دون أن تقرر مضمونه بعد، في هذه الحالة من الأفضل أن يقودك العنوان.. لكن قد يكون مفيداً أن تقرر المحتوى العام له. تقّلب مواضيع عديدة في ذهنك: اكتب نصاً عن المعاناة الداخلية لك..لا لا، لن يكون مختصراً ولا دقيقاً فأنت عندما تكتب عن دواخلك تميل للاستطراد. أنا على ثقةٍ أن القارئ سيترك النص في منتصفه لأنك ستميل إلى تهويمات شعرية غامضة، ويوصي »رولان بارت« حول أساليب السرد القصصي: »الوضوح متعدد الدلالات علامة فارقة لأي نص يتوخى إحداث التأثير«!!. اكتب عن الحب فهو موضوع شيق وجذاب ويلفت نظر الصغار والكبار، النساء والرجال، وغير مرتبط بزمان محدد، تستطيع أن تُركب الأحداث كما تشاء... أنت تفكر بحدث إذن.. إنها نقطة مهمة كانت غائبة عن ذهنك، النص الذي تفكر فيه قصة إذن! لكنك لا تحب كتابة القصص.. ليكن، لمَ لا تجرب، الناس تحب القصص والحكايا، وأن تكون عن الحب سيعطيها ميزة إضافية، وهو موضوع خالد إذ ما يدريك ربما تُخلّد »قصتك« فأنت تريد نصاً مؤثراً وسيكون الحب ثيمة محببة للقارئ، سيتهادى العشاق هذا النص أو يقتبسون منه أو يشيرون إليه كلما أحبوا. نعم عن الحب، لكن الحب موضوع متشعب فمن أين تبدأ؟.. لتكتب عن حبيبتك.. ألم تحب؟ .. لكن ماذا ستكتب عنها؟ تفكر.. تعيد شريط ذاكرتك.. تنغمس فيه.. تنسرب إلى داخلك.. تنسى لـلحظات أنك دخلت إلى هذا الاسترجاع أساساً لكتابة نص مؤثر. سأكتب عنها، لكني بحاجة إلى خيط البداية.. لم لا تكتب عن قبلتك الأولى لها فهذه لحظة فارقة مر بها كل من أحب، هكذا سيستعيد قبلته هو عندما يقرأ نصك، وسيحب هذا النص لأنك ذكرته بها وسيغرق مثلك الآن في قبلته، ويتجاهل بعض عثرات النص. القبلة الأولى يحلم بها كل من يحب ولم يذقها، بالتأكيد سيكون شغوفاً وهو يتابع كيف كانت القبلة الأولى لشخص عاش الحب وذاق طعمها. أما من لم يحب فسيتألم لأن هذه اللحظة لم تأت بعد، وستقوده إلى الأمل إذا نجح نصك أن يكون مؤثراً. بكل الأحوال ستكون قد دخلت منطقة شعورية مؤثرة. إذن: لكي تخلق تأثيرا طاغياً وأنت تكتب عليك أن تستعيد التفاصيل الحميمية لتلك القبلة.
تتذكر أنك كتبت تاريخها على حائط غرفتك، حتى أنك لكثر ما كنت تقف أمام هذا التاريخ حفظته ولتموه الأمر يومها على صديقك الفضولي الذي يشاركك السكن كتبت »14-12-1990 بدء الحياة«. تركت تلك الغرفة فيما بعد، وظل هذا التاريخ عالقاً في ذهنك. ربما، ليس ربما بل بكل تأكيد، سيكون صاحب الغرفة قد أعاد طلاء الجدران وطمس ذلك التاريخ. الآن وأنت تستعيد تلك القبلة تبدو لك أنها حدثت قبل قليل فقط، فهي ما زالت حارة، طعمها ما زال عالقاً... لكن المعضلة كيف ستخلق هذا الإيحاء للقارئ لتجعله يحس أنها كانت كذلك. لتبدأ نصك بـ (حينما احتضنتها لأول مرة أحسست بجسدي يرتعش، وعندما شعرت بحلمتيها تلامسان صدري بدأ تنفسي يتسارع ويقترب من اللهاث..) تحار كيف ستتقدم (كتابةًً) باتجاه القبلة فهي التفصيل الأساسي من علاقتك بحبيبتك الذي اخترت أن تكتبه. هل عليك أن تذكر المكان مثلاً؟ هل سيضيف ذكر المكان للنص شيئا، أم انه سيكون ثرثرة فائضة؟ وهناك أمر آخر.. فأنت ذكرت أنك يجب أن تكون صادقاً، وعليه كيف لك أن تذكر أنك قبلتها في الشارع، في مساءٍ هدّه التعب، بعد مسير طويل في شوارع حول المدينة !! فكرة ذكر الشارع تبدو لي مهمة، فقبلة أولى في شارع ستثير الانتباه، إذ سيفكر القارئ كيف لهذا المخبول أن تجرأ وقبلها في الشارع وكيف استسلمت له؟ ستكون الجملة هكذا إذا:ً (بعد أن جاءت على الموعد الذي حدَدته لك خلال اتصالك الهاتفي، سرنا، منطلقين من حديقة الجامعة - مكان الموعد - إلى المحلق الغربي للمدينة، حيث لا يمر هناك أحد..)!. تبدو جملتك هذه مفككة وغير مشوقة وقد تغير الضمير فيها من المخاطب إلى المتكلم وهذا يمكن إصلاحه، لكن جاءت على الموعد!! ستبدد لهفة الانتظار هكذا. تلك اللحظات سيكون وصفها مهما وتمكنك من سرد بعض الهواجس التي انتابتك وأنت تتساءل لمَ تأخرت؟! كأن تذكر كيف ركضتَ باتجاه تجمع بعض الناس حول سيارة دهست شخصاً. إنها هي. كما تخيلت لـلحظات... ستجعل الانتظار مشوقاً وستوتر القارئ معك.. وهذا أمر مهم لنص مؤثر. كما أنك وقد حددت المكان بدقة عليك أن تذكر المدينة. إذاً.. لتربط هذه التفاصيل أو تتخلى عنها. كيف ستمرر ذكر المدينة دون أن تقحمه في سردك؟ يمكن أن تقول: (إنها سنتي الأولى في جامعة حلب، وقد كنت شاباً ريفياً منطوياً لم تربطني علاقات مع الفتيات ولا أدري عن عالمهن شيئاً، وكنت أكتفي بممارسة العادة..) لا..لا، إضافة إلى أن هذه الجملة سمجة، سيكتشف القارئ الذي يتابعك أنك تكذب، أو أنك تبني قصة متخيلة فقد ذكرت مرة في لقاء صحفي أنك بدأت الكتابة لأنك أحببت زميلتك في المدرسة. لكن ما الذي سيدري ذلك القارئ أنك لم تقبّل زميلتك تلك وإنه كان حباً مكتوماً من الطرفين وأن ما كتبته لم يصل إليها؟.. قبلة في شارع، في مدينة محافظة سيكون أمراً غير متوقع، لكن عليك أن تشير أيضاً إلى أن حبيبتك فتاة محافظة كي تخلق التأثير المطلوب، إذ إن قبلة لفتاة مستهترة سيكون أمراً عادياً عليك أن تمرر جملة، مثل: »كانت تتهجى خطوتها الأولى في عالم الحب« وتدمجها في بداية مقنعة أكثر. لم لا تبدأ هكذا:
(بعد حبٍ من طرف واحد استمر عدة سنين لم أجرؤ أن أبوح به لزميلتي التي أحببتها، فقد كنت أتلعثم بحضور أي فتاة وأرتبك، كنت أتحايل على هذا بالصمت إلى أن تعرفت على..). هل ستذكر اسمها؟! هل هذا مهماً؟ حينما ستقول تعرفت إلى (هدى) سيعلم من يعرفك انك تتحدث عن زوجتك، وسيعرفون حينها تفصيلا مهما عن حياتك، وقد اعتاد الكتاب أن يموهوا هذا حتى وهم ينهلون من تجاربهم الذاتية، على الأقل قم بتغيير الأسماء والأماكن... ما الذي تريده؟ كنت تبحث عن نص مؤثر ماذا سيعني إن كان اسمها هدى أم سارة..
لا.. الاسم مهم للتدفق العاطفي أثناء الكتابة، سيجعلك الاسم الحقيقي حاداً وحاراً وأنت تكتب.. وهذا سيخلق تأثيراً عاطفياً؟ يبدو أنك تريد ممن يقرأ أن يتعاطف معك ولستَ عابئاً بغير هذا.. أرى أنك بدأت تغرق في تفاصيل غير مهمة. عد إلى القبلة. اكتب: (في شارعٍ منزوٍ ومظلم، في مساءٍ هدّه التعب، بعد مسيرٍ طويل استمر من منتصف النهار حتى بداية العتمة. قالت بهدوء: لقد تأخرت وعلي أن اذهب. استبدت بك الخيبة واشتعل بك الشوق حتى قبل أن تذهب فوقفت. يدها كانت في يدك، وقوفك المفاجئ أجبرها أن تقف، التفتت إليك فجذبتها نحوك، ودون أن تترك لها فرصة للتفكير حضنتها، كانت المرة الأولى التي تحضنها فيها؛ جسدك بدأ يرتعش عندما شعرت بحلمتيها تلامسان صدرك. تنفسك بدأ يتسارع ويقترب من اللهاث. نظرت إلى عينيها، نظرت هي كذلك، أدركتْ نواياك، فأشاحت بوجهها عنك، وضعت يدك خلف رأسها وجذبته نحوك بممانعة خفيفة منها و... أطبقت بشفتيك على شفتيها المطبقتين..). الأمر ليس سهلاً كما تتوقع فما كتبته هو قبلة عامة لا خصوصية لها، يمكن أن تجدها عند أغلب الكتاب إضافة إلى بعض الجمل الفائضة والمكررة، فذكر المساء يغني عن ذكر بداية العتمة وأنت كنت تفكر بالاختصار والتأثير.. ترتخي أصابعك على الكيبورد، لكن هذا ما حدث.. تتنهد وتنسرب إلى داخلك.. فهي القبلة التي أسفرت عن طفلين وعمرٍ من الخيبة والألم. عد إلى النص، ليس وقت دواخلك الآن، عليك أن تكتب عن قبلتك أنت. لا يهم الوصف الخارجي لها، فهو ما يمكن اختزاله إلى جملة واحدة. اكتب: (لا زالت تلك القبلة ممتزجة بريقي، تحت لساني.. لم تغادرني تلك القبلة رغم أنها أسفرت عن خيبة وطفلين. ما زلت أذكر إن جسدي كان يرتعش كمن بلله المطر وتسرب من خلال ثيابه إلى جسده ودخل إلى غرفة باردة في شتاء قارس، حينما أتذكرها أتذوق طعمتها فقد كانت كطعم الكستناء..) هذا جيد وخاص، لكن تأثيره العاطفي سيعتمد على ماسيليه لأنه لم يشكل سوى حدث قصير. يمكنك أن تربط القبلة الأولى بالقبلة الأخيرة لها.. لكن كيف لك أن تذكر القبلة الأخيرة دون أن تفجر سراً كنت تخبئه عمن يعرفك ولا يعرفها؟ السر الذي ما زلت تداريه حتى عن أطفالك.
في تلك الفترة تذرعت للجميع بأن من تحبك غادرتك، ولم تضف شيئاً!!. قلتَ هذا لحامد بن عقيل حين سألك: »ما بك؟«، وأصبح لازمة تكررها للجميع. وقلت هذا لدلع المفتي حينما قالت لك: »أنت لستَ طبيعي«، فتركتْ الماسنجر واتصلت بك. فكرتَ يومها أن الصوت سيفضحك، فكررت لها لازمتك التي حفظتها جيدا، وأنك تحتاج وقتاً كي تخرج من هذه الحالة. الآن بعد مرور ما يقارب السنة ليس مهماً أن يعرف الجميع.. التفاصيل الحقيقية ستكون لاذعة وستنفجر من مناطقك الشعورية الأكثر حميمية، فهمّك الأساسي ألا يعرف أطفالك أنها رحلت، لقد فكرت يومها وما زلت تعتقد أن (نينوى) ستذبل، وأنت تدرك مدى تعلقها بأمها. مازلت هلعاً من فكرة فقدان آخرين، وخصوصاً »ننو« كما تدلعها.. لم تذهب إلى العزاء يومها، وكان هذا قرارك النهائي الذي لم يفهمه أو يقدره أحد.
ظللت بجانبها إلى أن.. خرجتَ من المشفى، وقلت للحضور الذين لم يتكاثروا سأذهب إلى الأولاد، وقد كانوا لوحدهم في المنزل ونبهت الجميع ألا يخبرهم أحد. حينما فتحت الباب لم يتراكضوا كعادتهم عندما تكون أمهم في المنزل، مرض أمهم وغيابها عنهم كسرهم وخذل أصواتهم وخطاهم، افتعلت الضجيج يومها وقلت لهم: »لنعقد اجتماعاً عائلياً«، وهي فكرة كانت تبهجهم، وتظل تؤجله أياماً عديدة، تطلب منهم أحيانا أن يكتبوا مطالبهم وشكاويهم للنظر فيها، في آخر اجتماع قرّعتكَ »ننو« لأنك لم تعد تحبها، وقال لك »غالي« مضيفاً: »لم تعد تلعب معنا.. «وأضاف وكأنه يتذكر: »من زمااااان لم تلعب معنا«. حين قالت لك نينوى إنها »ستبطل تحبك« ظللت صامتاً لكن لون سحنتك بدأ يميل للشحوب. قالت لها أمها: خلص ننووو.. يكفي (ترندحي)، وقد أحست من ملامحك أن أوجاعا كثيرة بدأت تستيقظ في داخلك، يومها ردت نينوى: »ما بدي اسكت خليه يسمع..«. حينها نزلت دمعتك.. بهت الجميع. غاليـ/ ك نظر إلى نينوى كمذنبة، وقد تنقلت نظراتها بشكلٍ خاطف بينك وبين أمها.. ركضت إليك تحضنك، ملصقة خدها فوق دمعتك قبل أن تتدحرج: »بابايتو عم امزح.. بحبك والله.. لا تزعل«. قلت لها مبتسماً: »ماني زعلان والله«. ضحكتْ.. قرصتك من خديك بيديها الطرية قائلة: »ما تتحملي مزح ياقطة« أخذتها بحضنك صائحا بصوت مخنوق: دخيل القطاط أنا...
لقد فلت منك النص كما يبدو ولن يكون ما تكتبه سوى ثرثرة شخصية لن تشكل قصة، فقد نسيت أنك تريد أن تكتب نصاً مؤثراً عبر قبلة، وانسربت إلى دواخلك في تداعيات هامشية. هل تريد أن تسرد كل حياتك الشخصية من خلال نص عن قبلة؟ لا..لا، عليك أن تدخل الأطفال إلى هذا النص كشخوص مهمين، إذ إن الوضع الذي آلت إليه الأمور بعد رحيل أمهم سيكون تفصيلا رئيسياً. اكتب بعد ما كتبتَ عن القبلة الأولى: (تلك القبلة التي أثمرت عشر سنوات من الزواج وطفلا في السنة الأولى لزواجنا لحقت به طفلة بعد اقل من سنتين وأنجبت انفصالا هادئاً...) ليس في ما كتبت هنا أي عبارة مؤثرة لكنك تحتاجه لربط الأحداث وإدخال عنصر الزمن، وسيكون مهما أن تذكر هذا قبل أن تذكر قبلتك الأخيرة لها...
رغم أنك بدأت تتفكك، ولم تعد تعي أين النص، وأين تداعياتك التي خارجه، إلا أنك يجب أن تشير إلى وضع أطفالكما بعد رحيلها.
قلت لصديقتها هيفاء حين اتصلت بك معزية: أريدك أن تمري. فقد هداك تفكيرك أنها الحل الملائم لما أنتما فيه.. ويمكنك أن تدخلها إلى نصك وتكتب: (قبل رحيلها بيوم كنت امسك بيدها وأمازحها: سنتبهدل إذا متِِ، لا تموتي، ليس من أجلك فقط بل من أجلنا جميعاً... ضحكت قائلة: »موت المرأة عند الرجل متل طرقة الكسع« فما بالك وأنا لستُ امرأتك. كانت تذكر هذا للمرة الأولى أمام هيفاء التي لم تستوعب الجملة.. أكملت بعد أن أدارت وجهها إلى هيفاء: بالنسبة للأولاد هيفاء تسكن معهم، أنت طافش من الأصل، لن يتغير عليك شي. سالت دمعتها.. مسحتها بيدك قائلاًً: بعيد الشر عنك.. إن شاء لله عدوينك، وأضفت ضاحكاً:لا تخافي والله لتهري عظامي وأنت لا زلت تشمي هواء الدنيا.. أنت بسبع أرواح. فردت ضاحكة: إن شاء لله. لم يستفزك هذا داخلياً إلا أنك افتعلت التأثر: »أيوة.. أيوة اظهر وبان... بدك تخلصي مني مو؟«...) ألا ترى أنك تبتعد عن النص وأنك خلطت ما بين النص الذي تنوي كتابته وبين هذه الذكريات. كان الاقتراح أن تربط القبلة الأولى بالقبلة الأخيرة هل من الضروري أن يعلم الجميع أنكما كنتما منفصلين حينما قبلتها القبلة الأخيرة، حتى لو أردت إعلان هذا يمكنك أن تمرره عبر جملة قصيرة (لم أعد أذكر من قبلاتي لها إلا ثلاث.. كانت القبلة الثانية بعد أن قررنا الانفصال، فحياتنا أضحت خالية من القبل...) جملتك الأخيرة موفقة جداً، فـ »خالية من القبل« كافية ليعرف القارئ ما اعترى حياتكما الزوجية دون ثرثرة فائضة، ولمزيد من التأثير عليك أن تصف القبلة الثانية هذه: (تناولت حقيبتي التي أدمنتني وأدمنتها، قبلتُ ننو وغيلو وهما يدركان تماما ما حصل، لكنهما دائما يتظاهران بعكس ذلك.. خرجت منسلاً كلص، قالت لك: »مافي خاطرك«. التفت إليها لم يكن هناك دموع، فقد بدوتما قويين بما يكفي لتحمل هذا. اقتربت منك.. تركتَ يد الحقيبة، الطفلان كانا يقفان خلفها.. قبلتها على خدها هذه المرة مطيلاً احتضان رأسها، كان لشعرها رائحة بساتين في أول الربيع، وكان لجيدها رائحة ياسمين يذبل، ولم يكن هناك طعم للقبلة لأن شفاهكم ظلت مطبقة.. ربتت على رأسها: »خاطرك«...) لم يبق لك شيء كي تصل إلى القبلة الأخيرة، عليك أن تقول جملة واحدة قبلها فقط تذكر فيها للقارئ أن حياتكما بعد أن انفصلتما قد شابها الود والهدوء كأن تكتب: (كنت أفكر دائماً لمَ ينتج الغياب كل هذا الهدوء؟ لمَ بعد أن سرنا في دروب منفصلة لم يعد لحضور كل منا في حياة الآخر طعم الأذى..) نعم هذا حقيقي، فقد أصبحتما تتبادلان أحاديث مطولة، وكلما اقتربتما من مناطق وعرة تقرران إغلاق الموضوع.. كنت تماحكها بأنك تحب الآن وأنك ستتزوج عمّ قريب، كان هذا كافياً لجعلها تتوتر إلا إنها تضحك وهي تقول: »إن شاء لله من الصبح.. إذا بدك أخطب لك والله.. يا شايل الهم عن قلب صاحبه«. تفتعل الانزعاج مردداً: اي.. اي صرت هم طبعاً... تحاول مراضاتك: لا والله عـ سلامتك مافي منك...
لم لا تكتب هذا داخل النص يمكنك تشذيبه وإدخاله في النص... لا..لا، إنها جمل فائضة يمكن اختزالها بجملة وحيدة موحية ومؤثرة وأنت تكتب عن قبلتك الأخيرة: (في المشفى حين قال لك الطبيب »البقية بحياتك« لم ترد، كان نظرك مسمراً على وجهها الأسمر الذي احتفظ بنضارته رغم المرض.. كنت تعرف أنها فارقت الحياة، لكنك تعلقت بوهم عساه ينطقه. حينما ذهب شقيقك الأصغر لإحضاره كنت ممسكاً بيدها التي بدأت تتسلل إليها البرودة.. قلت لهم اتركونا لوحدنا. نظر إليك أخوك بممانعة. اقترب منك.. امسك يدك محاولاً أن يسحبك إلى... كررت بحزم دون أن تتحرك: اتركنا لوحدنا.. بدأت تتحسس وجهها وتداعب شعرها الأسود الكثيف، كان ثغرها ينفرج عن ابتسامة هادئة، حضنتها فسرت في جسدك قشعريرة رطبة، تسارعت أنفاسك، كان لابد لك أن تقبلها، لا قبلة وداع كما يقبل الآخرون الراحلين بل قبلة عاشق، كان لقبلتها طعم الكستناء نفسه... وانفجرت ببكاءٍ شرسٍ وحاد وهي في حضنك...)
تتابع بحثك فتجد أن امبرتو إيكو في أحد كتبه يقول: »ليكن خطابك متماسكاً ومختصراًً«، ويردف: »إن الاختصار لا يعني طول النص أو قصره بل عدم وجود فائض الكلام«. تتذكر حينها مقولة هيروديت: »يا أوفيد أوصيك بالدقة لا بالوضوح«. تتابع البحث عم يفيدك لكتابة النص المؤثر. تتناول ألف ليلة وليلة لتستوحي منها أسلوبا سردياً يجعل القارئ يتابعك بشغف، فهذه الحكايات ما زالت معيناً لا ينضب للكُتاب. تجد أن شهرزاد قالت -وهي تجترح حلاً لمعضلة الموت-: »عليّ ألا أدعه يشرد كي لا يفكر بقتلي«. وقد كانت تعني (القارئ) الوحيد يومها شهريار، فالشرود في هذه الحالة ثمنه الحياة وليس إغلاق الكتاب كما يفعل أي قارئ. تستمر في البحث.. تقرأ في أحد الكتب المختصة في علم التسويق والإعلان: »عنوان الرسالة الإعلانية مهم جداً يجب أن تغري المستهلك بقراءة الإعلان أولاً«. تدون كل هذه الملاحظات على ورقة خارجية وتبدأ التفكير من الملاحظة الأخيرة، العنوان إذاً هو الذي سيقود القارئ إلى النص ويفتح شهيته على القراءة أو يغلقها. يقودك تفكيرك إلى عناوين كثيرة، تستحسن عنوان »قتلتها أخيراً« العنوان جذاب - تقول لنفسك..- لكن كيف سيكون محتوى النص؟ عم سيتحدث؟ لا بد من مضمون، فالعنوان وحده لن يكفي، ومن هي التي قتلتها أخيراً؟ فحسب كارينجي عليك أن تكون صادقاً، وأنت لم تقتل حتى دجاجة لتتحدث عن قتلها مستخدما بعض الحيل اللغوية موهما القارئ أنها ربما تكون امرأة !!. تستبعد هذا العنوان وتقرر أن تختار عنوانا صاخباً فتصيغ »الرجل الذي أكل كلباً حياً« العنوان مغرٍ، وسيدفع فضول الكثير من القراء كي يعرفوا كيف أكل الرجل الكلب. لالا.. لقد استخدم كثيرون قبلك هذه الصيغة المعكوسة، وعليك أن تخلق نصاً جديداً أو تصمت، فلا مبرر لإعادة ثرثرات الآخرين. لم لا يكون العنوان »آخر موت لبائعة المكسرات« فعنوان مخاتل كهذا، تنسف عبره فكرة أن الموت يأتي مرة واحدة دائماً.. لكن -تقول لنفسك- من سيهتم بموت بائعة المكسرات سواء كان موتا أولاًً أو موتاً أخيراً.. لم لا تفكر بمضمون نصك أولاً، ومن ثم تختار العنوان.. لكنك لستَ مدفوعاً إلى الكتابة تحت وطأة فكرة محددة، فأنت تريد أن تكتب نصاً مؤثراً دون أن تقرر مضمونه بعد، في هذه الحالة من الأفضل أن يقودك العنوان.. لكن قد يكون مفيداً أن تقرر المحتوى العام له. تقّلب مواضيع عديدة في ذهنك: اكتب نصاً عن المعاناة الداخلية لك..لا لا، لن يكون مختصراً ولا دقيقاً فأنت عندما تكتب عن دواخلك تميل للاستطراد. أنا على ثقةٍ أن القارئ سيترك النص في منتصفه لأنك ستميل إلى تهويمات شعرية غامضة، ويوصي »رولان بارت« حول أساليب السرد القصصي: »الوضوح متعدد الدلالات علامة فارقة لأي نص يتوخى إحداث التأثير«!!. اكتب عن الحب فهو موضوع شيق وجذاب ويلفت نظر الصغار والكبار، النساء والرجال، وغير مرتبط بزمان محدد، تستطيع أن تُركب الأحداث كما تشاء... أنت تفكر بحدث إذن.. إنها نقطة مهمة كانت غائبة عن ذهنك، النص الذي تفكر فيه قصة إذن! لكنك لا تحب كتابة القصص.. ليكن، لمَ لا تجرب، الناس تحب القصص والحكايا، وأن تكون عن الحب سيعطيها ميزة إضافية، وهو موضوع خالد إذ ما يدريك ربما تُخلّد »قصتك« فأنت تريد نصاً مؤثراً وسيكون الحب ثيمة محببة للقارئ، سيتهادى العشاق هذا النص أو يقتبسون منه أو يشيرون إليه كلما أحبوا. نعم عن الحب، لكن الحب موضوع متشعب فمن أين تبدأ؟.. لتكتب عن حبيبتك.. ألم تحب؟ .. لكن ماذا ستكتب عنها؟ تفكر.. تعيد شريط ذاكرتك.. تنغمس فيه.. تنسرب إلى داخلك.. تنسى لـلحظات أنك دخلت إلى هذا الاسترجاع أساساً لكتابة نص مؤثر. سأكتب عنها، لكني بحاجة إلى خيط البداية.. لم لا تكتب عن قبلتك الأولى لها فهذه لحظة فارقة مر بها كل من أحب، هكذا سيستعيد قبلته هو عندما يقرأ نصك، وسيحب هذا النص لأنك ذكرته بها وسيغرق مثلك الآن في قبلته، ويتجاهل بعض عثرات النص. القبلة الأولى يحلم بها كل من يحب ولم يذقها، بالتأكيد سيكون شغوفاً وهو يتابع كيف كانت القبلة الأولى لشخص عاش الحب وذاق طعمها. أما من لم يحب فسيتألم لأن هذه اللحظة لم تأت بعد، وستقوده إلى الأمل إذا نجح نصك أن يكون مؤثراً. بكل الأحوال ستكون قد دخلت منطقة شعورية مؤثرة. إذن: لكي تخلق تأثيرا طاغياً وأنت تكتب عليك أن تستعيد التفاصيل الحميمية لتلك القبلة.
تتذكر أنك كتبت تاريخها على حائط غرفتك، حتى أنك لكثر ما كنت تقف أمام هذا التاريخ حفظته ولتموه الأمر يومها على صديقك الفضولي الذي يشاركك السكن كتبت »14-12-1990 بدء الحياة«. تركت تلك الغرفة فيما بعد، وظل هذا التاريخ عالقاً في ذهنك. ربما، ليس ربما بل بكل تأكيد، سيكون صاحب الغرفة قد أعاد طلاء الجدران وطمس ذلك التاريخ. الآن وأنت تستعيد تلك القبلة تبدو لك أنها حدثت قبل قليل فقط، فهي ما زالت حارة، طعمها ما زال عالقاً... لكن المعضلة كيف ستخلق هذا الإيحاء للقارئ لتجعله يحس أنها كانت كذلك. لتبدأ نصك بـ (حينما احتضنتها لأول مرة أحسست بجسدي يرتعش، وعندما شعرت بحلمتيها تلامسان صدري بدأ تنفسي يتسارع ويقترب من اللهاث..) تحار كيف ستتقدم (كتابةًً) باتجاه القبلة فهي التفصيل الأساسي من علاقتك بحبيبتك الذي اخترت أن تكتبه. هل عليك أن تذكر المكان مثلاً؟ هل سيضيف ذكر المكان للنص شيئا، أم انه سيكون ثرثرة فائضة؟ وهناك أمر آخر.. فأنت ذكرت أنك يجب أن تكون صادقاً، وعليه كيف لك أن تذكر أنك قبلتها في الشارع، في مساءٍ هدّه التعب، بعد مسير طويل في شوارع حول المدينة !! فكرة ذكر الشارع تبدو لي مهمة، فقبلة أولى في شارع ستثير الانتباه، إذ سيفكر القارئ كيف لهذا المخبول أن تجرأ وقبلها في الشارع وكيف استسلمت له؟ ستكون الجملة هكذا إذا:ً (بعد أن جاءت على الموعد الذي حدَدته لك خلال اتصالك الهاتفي، سرنا، منطلقين من حديقة الجامعة - مكان الموعد - إلى المحلق الغربي للمدينة، حيث لا يمر هناك أحد..)!. تبدو جملتك هذه مفككة وغير مشوقة وقد تغير الضمير فيها من المخاطب إلى المتكلم وهذا يمكن إصلاحه، لكن جاءت على الموعد!! ستبدد لهفة الانتظار هكذا. تلك اللحظات سيكون وصفها مهما وتمكنك من سرد بعض الهواجس التي انتابتك وأنت تتساءل لمَ تأخرت؟! كأن تذكر كيف ركضتَ باتجاه تجمع بعض الناس حول سيارة دهست شخصاً. إنها هي. كما تخيلت لـلحظات... ستجعل الانتظار مشوقاً وستوتر القارئ معك.. وهذا أمر مهم لنص مؤثر. كما أنك وقد حددت المكان بدقة عليك أن تذكر المدينة. إذاً.. لتربط هذه التفاصيل أو تتخلى عنها. كيف ستمرر ذكر المدينة دون أن تقحمه في سردك؟ يمكن أن تقول: (إنها سنتي الأولى في جامعة حلب، وقد كنت شاباً ريفياً منطوياً لم تربطني علاقات مع الفتيات ولا أدري عن عالمهن شيئاً، وكنت أكتفي بممارسة العادة..) لا..لا، إضافة إلى أن هذه الجملة سمجة، سيكتشف القارئ الذي يتابعك أنك تكذب، أو أنك تبني قصة متخيلة فقد ذكرت مرة في لقاء صحفي أنك بدأت الكتابة لأنك أحببت زميلتك في المدرسة. لكن ما الذي سيدري ذلك القارئ أنك لم تقبّل زميلتك تلك وإنه كان حباً مكتوماً من الطرفين وأن ما كتبته لم يصل إليها؟.. قبلة في شارع، في مدينة محافظة سيكون أمراً غير متوقع، لكن عليك أن تشير أيضاً إلى أن حبيبتك فتاة محافظة كي تخلق التأثير المطلوب، إذ إن قبلة لفتاة مستهترة سيكون أمراً عادياً عليك أن تمرر جملة، مثل: »كانت تتهجى خطوتها الأولى في عالم الحب« وتدمجها في بداية مقنعة أكثر. لم لا تبدأ هكذا:
(بعد حبٍ من طرف واحد استمر عدة سنين لم أجرؤ أن أبوح به لزميلتي التي أحببتها، فقد كنت أتلعثم بحضور أي فتاة وأرتبك، كنت أتحايل على هذا بالصمت إلى أن تعرفت على..). هل ستذكر اسمها؟! هل هذا مهماً؟ حينما ستقول تعرفت إلى (هدى) سيعلم من يعرفك انك تتحدث عن زوجتك، وسيعرفون حينها تفصيلا مهما عن حياتك، وقد اعتاد الكتاب أن يموهوا هذا حتى وهم ينهلون من تجاربهم الذاتية، على الأقل قم بتغيير الأسماء والأماكن... ما الذي تريده؟ كنت تبحث عن نص مؤثر ماذا سيعني إن كان اسمها هدى أم سارة..
لا.. الاسم مهم للتدفق العاطفي أثناء الكتابة، سيجعلك الاسم الحقيقي حاداً وحاراً وأنت تكتب.. وهذا سيخلق تأثيراً عاطفياً؟ يبدو أنك تريد ممن يقرأ أن يتعاطف معك ولستَ عابئاً بغير هذا.. أرى أنك بدأت تغرق في تفاصيل غير مهمة. عد إلى القبلة. اكتب: (في شارعٍ منزوٍ ومظلم، في مساءٍ هدّه التعب، بعد مسيرٍ طويل استمر من منتصف النهار حتى بداية العتمة. قالت بهدوء: لقد تأخرت وعلي أن اذهب. استبدت بك الخيبة واشتعل بك الشوق حتى قبل أن تذهب فوقفت. يدها كانت في يدك، وقوفك المفاجئ أجبرها أن تقف، التفتت إليك فجذبتها نحوك، ودون أن تترك لها فرصة للتفكير حضنتها، كانت المرة الأولى التي تحضنها فيها؛ جسدك بدأ يرتعش عندما شعرت بحلمتيها تلامسان صدرك. تنفسك بدأ يتسارع ويقترب من اللهاث. نظرت إلى عينيها، نظرت هي كذلك، أدركتْ نواياك، فأشاحت بوجهها عنك، وضعت يدك خلف رأسها وجذبته نحوك بممانعة خفيفة منها و... أطبقت بشفتيك على شفتيها المطبقتين..). الأمر ليس سهلاً كما تتوقع فما كتبته هو قبلة عامة لا خصوصية لها، يمكن أن تجدها عند أغلب الكتاب إضافة إلى بعض الجمل الفائضة والمكررة، فذكر المساء يغني عن ذكر بداية العتمة وأنت كنت تفكر بالاختصار والتأثير.. ترتخي أصابعك على الكيبورد، لكن هذا ما حدث.. تتنهد وتنسرب إلى داخلك.. فهي القبلة التي أسفرت عن طفلين وعمرٍ من الخيبة والألم. عد إلى النص، ليس وقت دواخلك الآن، عليك أن تكتب عن قبلتك أنت. لا يهم الوصف الخارجي لها، فهو ما يمكن اختزاله إلى جملة واحدة. اكتب: (لا زالت تلك القبلة ممتزجة بريقي، تحت لساني.. لم تغادرني تلك القبلة رغم أنها أسفرت عن خيبة وطفلين. ما زلت أذكر إن جسدي كان يرتعش كمن بلله المطر وتسرب من خلال ثيابه إلى جسده ودخل إلى غرفة باردة في شتاء قارس، حينما أتذكرها أتذوق طعمتها فقد كانت كطعم الكستناء..) هذا جيد وخاص، لكن تأثيره العاطفي سيعتمد على ماسيليه لأنه لم يشكل سوى حدث قصير. يمكنك أن تربط القبلة الأولى بالقبلة الأخيرة لها.. لكن كيف لك أن تذكر القبلة الأخيرة دون أن تفجر سراً كنت تخبئه عمن يعرفك ولا يعرفها؟ السر الذي ما زلت تداريه حتى عن أطفالك.
في تلك الفترة تذرعت للجميع بأن من تحبك غادرتك، ولم تضف شيئاً!!. قلتَ هذا لحامد بن عقيل حين سألك: »ما بك؟«، وأصبح لازمة تكررها للجميع. وقلت هذا لدلع المفتي حينما قالت لك: »أنت لستَ طبيعي«، فتركتْ الماسنجر واتصلت بك. فكرتَ يومها أن الصوت سيفضحك، فكررت لها لازمتك التي حفظتها جيدا، وأنك تحتاج وقتاً كي تخرج من هذه الحالة. الآن بعد مرور ما يقارب السنة ليس مهماً أن يعرف الجميع.. التفاصيل الحقيقية ستكون لاذعة وستنفجر من مناطقك الشعورية الأكثر حميمية، فهمّك الأساسي ألا يعرف أطفالك أنها رحلت، لقد فكرت يومها وما زلت تعتقد أن (نينوى) ستذبل، وأنت تدرك مدى تعلقها بأمها. مازلت هلعاً من فكرة فقدان آخرين، وخصوصاً »ننو« كما تدلعها.. لم تذهب إلى العزاء يومها، وكان هذا قرارك النهائي الذي لم يفهمه أو يقدره أحد.
ظللت بجانبها إلى أن.. خرجتَ من المشفى، وقلت للحضور الذين لم يتكاثروا سأذهب إلى الأولاد، وقد كانوا لوحدهم في المنزل ونبهت الجميع ألا يخبرهم أحد. حينما فتحت الباب لم يتراكضوا كعادتهم عندما تكون أمهم في المنزل، مرض أمهم وغيابها عنهم كسرهم وخذل أصواتهم وخطاهم، افتعلت الضجيج يومها وقلت لهم: »لنعقد اجتماعاً عائلياً«، وهي فكرة كانت تبهجهم، وتظل تؤجله أياماً عديدة، تطلب منهم أحيانا أن يكتبوا مطالبهم وشكاويهم للنظر فيها، في آخر اجتماع قرّعتكَ »ننو« لأنك لم تعد تحبها، وقال لك »غالي« مضيفاً: »لم تعد تلعب معنا.. «وأضاف وكأنه يتذكر: »من زمااااان لم تلعب معنا«. حين قالت لك نينوى إنها »ستبطل تحبك« ظللت صامتاً لكن لون سحنتك بدأ يميل للشحوب. قالت لها أمها: خلص ننووو.. يكفي (ترندحي)، وقد أحست من ملامحك أن أوجاعا كثيرة بدأت تستيقظ في داخلك، يومها ردت نينوى: »ما بدي اسكت خليه يسمع..«. حينها نزلت دمعتك.. بهت الجميع. غاليـ/ ك نظر إلى نينوى كمذنبة، وقد تنقلت نظراتها بشكلٍ خاطف بينك وبين أمها.. ركضت إليك تحضنك، ملصقة خدها فوق دمعتك قبل أن تتدحرج: »بابايتو عم امزح.. بحبك والله.. لا تزعل«. قلت لها مبتسماً: »ماني زعلان والله«. ضحكتْ.. قرصتك من خديك بيديها الطرية قائلة: »ما تتحملي مزح ياقطة« أخذتها بحضنك صائحا بصوت مخنوق: دخيل القطاط أنا...
لقد فلت منك النص كما يبدو ولن يكون ما تكتبه سوى ثرثرة شخصية لن تشكل قصة، فقد نسيت أنك تريد أن تكتب نصاً مؤثراً عبر قبلة، وانسربت إلى دواخلك في تداعيات هامشية. هل تريد أن تسرد كل حياتك الشخصية من خلال نص عن قبلة؟ لا..لا، عليك أن تدخل الأطفال إلى هذا النص كشخوص مهمين، إذ إن الوضع الذي آلت إليه الأمور بعد رحيل أمهم سيكون تفصيلا رئيسياً. اكتب بعد ما كتبتَ عن القبلة الأولى: (تلك القبلة التي أثمرت عشر سنوات من الزواج وطفلا في السنة الأولى لزواجنا لحقت به طفلة بعد اقل من سنتين وأنجبت انفصالا هادئاً...) ليس في ما كتبت هنا أي عبارة مؤثرة لكنك تحتاجه لربط الأحداث وإدخال عنصر الزمن، وسيكون مهما أن تذكر هذا قبل أن تذكر قبلتك الأخيرة لها...
رغم أنك بدأت تتفكك، ولم تعد تعي أين النص، وأين تداعياتك التي خارجه، إلا أنك يجب أن تشير إلى وضع أطفالكما بعد رحيلها.
قلت لصديقتها هيفاء حين اتصلت بك معزية: أريدك أن تمري. فقد هداك تفكيرك أنها الحل الملائم لما أنتما فيه.. ويمكنك أن تدخلها إلى نصك وتكتب: (قبل رحيلها بيوم كنت امسك بيدها وأمازحها: سنتبهدل إذا متِِ، لا تموتي، ليس من أجلك فقط بل من أجلنا جميعاً... ضحكت قائلة: »موت المرأة عند الرجل متل طرقة الكسع« فما بالك وأنا لستُ امرأتك. كانت تذكر هذا للمرة الأولى أمام هيفاء التي لم تستوعب الجملة.. أكملت بعد أن أدارت وجهها إلى هيفاء: بالنسبة للأولاد هيفاء تسكن معهم، أنت طافش من الأصل، لن يتغير عليك شي. سالت دمعتها.. مسحتها بيدك قائلاًً: بعيد الشر عنك.. إن شاء لله عدوينك، وأضفت ضاحكاً:لا تخافي والله لتهري عظامي وأنت لا زلت تشمي هواء الدنيا.. أنت بسبع أرواح. فردت ضاحكة: إن شاء لله. لم يستفزك هذا داخلياً إلا أنك افتعلت التأثر: »أيوة.. أيوة اظهر وبان... بدك تخلصي مني مو؟«...) ألا ترى أنك تبتعد عن النص وأنك خلطت ما بين النص الذي تنوي كتابته وبين هذه الذكريات. كان الاقتراح أن تربط القبلة الأولى بالقبلة الأخيرة هل من الضروري أن يعلم الجميع أنكما كنتما منفصلين حينما قبلتها القبلة الأخيرة، حتى لو أردت إعلان هذا يمكنك أن تمرره عبر جملة قصيرة (لم أعد أذكر من قبلاتي لها إلا ثلاث.. كانت القبلة الثانية بعد أن قررنا الانفصال، فحياتنا أضحت خالية من القبل...) جملتك الأخيرة موفقة جداً، فـ »خالية من القبل« كافية ليعرف القارئ ما اعترى حياتكما الزوجية دون ثرثرة فائضة، ولمزيد من التأثير عليك أن تصف القبلة الثانية هذه: (تناولت حقيبتي التي أدمنتني وأدمنتها، قبلتُ ننو وغيلو وهما يدركان تماما ما حصل، لكنهما دائما يتظاهران بعكس ذلك.. خرجت منسلاً كلص، قالت لك: »مافي خاطرك«. التفت إليها لم يكن هناك دموع، فقد بدوتما قويين بما يكفي لتحمل هذا. اقتربت منك.. تركتَ يد الحقيبة، الطفلان كانا يقفان خلفها.. قبلتها على خدها هذه المرة مطيلاً احتضان رأسها، كان لشعرها رائحة بساتين في أول الربيع، وكان لجيدها رائحة ياسمين يذبل، ولم يكن هناك طعم للقبلة لأن شفاهكم ظلت مطبقة.. ربتت على رأسها: »خاطرك«...) لم يبق لك شيء كي تصل إلى القبلة الأخيرة، عليك أن تقول جملة واحدة قبلها فقط تذكر فيها للقارئ أن حياتكما بعد أن انفصلتما قد شابها الود والهدوء كأن تكتب: (كنت أفكر دائماً لمَ ينتج الغياب كل هذا الهدوء؟ لمَ بعد أن سرنا في دروب منفصلة لم يعد لحضور كل منا في حياة الآخر طعم الأذى..) نعم هذا حقيقي، فقد أصبحتما تتبادلان أحاديث مطولة، وكلما اقتربتما من مناطق وعرة تقرران إغلاق الموضوع.. كنت تماحكها بأنك تحب الآن وأنك ستتزوج عمّ قريب، كان هذا كافياً لجعلها تتوتر إلا إنها تضحك وهي تقول: »إن شاء لله من الصبح.. إذا بدك أخطب لك والله.. يا شايل الهم عن قلب صاحبه«. تفتعل الانزعاج مردداً: اي.. اي صرت هم طبعاً... تحاول مراضاتك: لا والله عـ سلامتك مافي منك...
لم لا تكتب هذا داخل النص يمكنك تشذيبه وإدخاله في النص... لا..لا، إنها جمل فائضة يمكن اختزالها بجملة وحيدة موحية ومؤثرة وأنت تكتب عن قبلتك الأخيرة: (في المشفى حين قال لك الطبيب »البقية بحياتك« لم ترد، كان نظرك مسمراً على وجهها الأسمر الذي احتفظ بنضارته رغم المرض.. كنت تعرف أنها فارقت الحياة، لكنك تعلقت بوهم عساه ينطقه. حينما ذهب شقيقك الأصغر لإحضاره كنت ممسكاً بيدها التي بدأت تتسلل إليها البرودة.. قلت لهم اتركونا لوحدنا. نظر إليك أخوك بممانعة. اقترب منك.. امسك يدك محاولاً أن يسحبك إلى... كررت بحزم دون أن تتحرك: اتركنا لوحدنا.. بدأت تتحسس وجهها وتداعب شعرها الأسود الكثيف، كان ثغرها ينفرج عن ابتسامة هادئة، حضنتها فسرت في جسدك قشعريرة رطبة، تسارعت أنفاسك، كان لابد لك أن تقبلها، لا قبلة وداع كما يقبل الآخرون الراحلين بل قبلة عاشق، كان لقبلتها طعم الكستناء نفسه... وانفجرت ببكاءٍ شرسٍ وحاد وهي في حضنك...)
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)